لومومبا يلقي في مؤتمر الشعوب الأفريقية.

الخطاب الافتتاحي لمؤتمر الشعوب الأفريقية في ليوبولدفيل

25 أغسطس 1960

السادة الوزراء

السيدات والسادة،

رفاقيَ الأعزاء

يفتخر الشعبُ الكونغولي المناضِل اليوم ويسرُّه استضافةُ رفاقِ السلاح في بلادنا اليوم.

حضوركم هنا في هذه اللحظة بالنسبة لحكومتي وللشعب الكونغولي هو الدليلُ الأوضح للواقع الأفريقي الذي لطالما أنكرَهُ أعداؤنا وما زالوا يحاولون إنكاره. لكنكم تعرفون بالطبع أن هذا الواقع أعندُ منهم، وأفريقيا تعيش اليوم وتقاتل، وترفض الموتَ لتبرير ادّعاءاتِ تخلُّفِ تاريخنا، تاريخٌ صنعناه بأيدينا وجلودنا ودمائنا.

في مؤتمراتٍ كهذه، نصبح واعين بشخصيتنا وبِتَضامُنِنا المتنامي. عندما أثرنا مسألة إنهاء الاستعمار في مؤتمراتنا الأولى التي عقدناها في مختلف مدن أفريقيا لم يخطر ببال الإمبرياليين أننا سننجح. ها قد افتتحنا طريقَ تحرِّر قارّتنا معًا منذ مؤتمر شعوب أفريقيا الأول في أكرا شهر ديسمبر 1958.

سنتذكر قيام نضال التحرر لشعوب أنغولا، والجزائر، والكونغو، وكينيا، وموزمبيق، نياسالاند، وَرُوديسا بعد مؤتمر أكرا، وَرُواندا-أوروندي اليوم. وسنتذكر الخطوة الحاسمة التي أخذناها إلى الأمام بعد ذاك المؤتمر التاريخي. لا شيء، لا الرصاص ولا القمع يمكن له أن يوقف سيرَ هذه الحركة الشعبية.

هَدفُ أعمال هذا المؤتمر هو تسريعُ حركة استقلال القارة الأفريقية.

أعزاءي الوزراء، كل من قاتل لأجل حرية أفريقيا، واجبكم هو أن تُرُوا العالم وكل من يهزأ بنا أنّ لا شيء سيثنينا عن تحقيق هدفنا المشترك، تحرير أفريقيا. وهذا الهدف لن نناله إلا بالتضامن والوحدة. ومعنى هذا التضامن يكمن في كسره كل القيود وفي قناعتنا بأن مصيرَ أفريقيا مصيرٌ واحدٌ لا ينقسم.

هذه هي المبادئ المتأصلة للعمل الواجب علينا. هذا الاجتماع سيرصف الطريق لمؤتمر القمة الذي ستتباحث بلداننا فيه:

  • الدعم غير المشروط من كل الدول الأفريقية لنضالٍ عام نحو كُتلةٍ أفريقية؛
  • سياسةُ الحياد بهدف تحقيق الاستقلال الحقيقي؛
  • هدمُ كل الحواجز الاستعمارية من خلال التبادل الثقافي؛
  • اتفاقيات تجارية بين الدول الأفريقية؛
  • موقفُ أفريقيا تجاه السوق الأوروبية المشتركة؛
  • التعاون العسكري؛
  • بناء محطة راديو قوية في ليوبولدفيل بمساعدة كل الدول الأفريقية؛
  • تأسيس مركز أبحاث في ليوبولدفيل.

السادة الوزراء، لقد رأيتم واقع الكونغو هنا في قلبِ الأزمة الواجب علينا حلّها.

ثقتُكم بمستقبل قارّتنا سيساعدكم بلا شك في إتمام عملكم بنجاح. غَرَضكُم الأساس هو التجهيزُ لاجتماع رؤساء الدول، الذين سيؤسسون الوحدة الأفريقية حقًا، وقد استجبتم لندائنا بالنيابة عنهم.

أنتم تعرفون جذور ما يسمى اليوم بالأزمة الكونغولية، وهي واقعًا مجرد استمرار للصراع بين قوى الضغط وقوى التحرير. منذ بداية العدوان البلجيكي، قررت حكومتي، بصفتها ضامِنَ وممثل سيادة الأمة الكونغولية، أن تطلب المساعدة من الأمم المتحدة. الأمم المتحدة استجابت. واستجابَ العالم الحر. أُدينَت بلجيكا. ذهبتُ لنيو يورك لأُري الرأي العام العالمي من هي القوى الفاعلة في الدراما الكونغولية.

وحال عودتي من الولاياتِ المتحدة، استجبتُ لدعوة رؤساء الدول الأفريقية الحرة الذين تبنَّوا موقفًا واضحًا ومدّوا لنا جميعًا يد العون الأخوية. من هذا المنبر أعبر عن امتناني للرئيس بورقيبة وجلالة الملك محمد الخامس والرئيس سيكو توري والرئيس توبمان والرئيس نكروما والرئيس أولمبيو الذين تشرفت بلقائهم في هذه اللحظة الحاسمة. أقول ويملؤني الندم أن الصعوبات المادية منعتني من الرد على دعواتِ الرئيس عبد الناصر وجلالة هيلا سيلاسي.

كُلّهم قالوا «لا» لفرض الخناق على أفريقيا في كفاحهم لأجل الوحدة الأفريقية. كُلّهم أدركوا فورًا أن محاولة الإمبريالية للعودة إلى الحكم لا تشكل تهديدًا فقط على استقلالَ الكونغو بل على وجود أي دولةٍ مستقلة في أفريقيا. كلهم أدركوا أن هلاك الكونغو يعني سقوطَ أفريقيا كلها في غياهب الهزيمة والاستعباد.

وهذا دليلٌ قاطع آخر على وحدة أفريقيا. إنه شاهدٌ حي على الوحدة التي نحتاجها في وجه الأطماع الإمبريالية الوحشية.

هذا الواقع لا خلافَ فيه، وكلّنا نؤمن أن واجبنا هو الكفاح دفاعًا عنه ولأجله.

اجتمعنا هنا للدفاع عن أفريقيا معًا، فهي ميراثنا. علينا توحيد جبهة مقاومة الأمم الأفريقية الحرة والمناضلة للتصدي لنشاطاتِ الدول الإمبريالية، وبلجيكا ليست إلا أداةً لهم. علينا مواجهةُ أعداءِ الحرية بِتَحالفِ الأحرار. مصيرنا المشترك ها هو الآن يُخطّ هنا في الكونغو.

ها هنا يُعقَد آخرُ فصول التحرر والنهضة الأفريقية. في توسيع جبهة النضال الذي هدفه الأساس حفظُ كرامة الأفريقي، اختارَ الشعبُ الكونغولي الاستقلال. وكان شعبُ الكونغو مدركًا في فعله هذا أن ضربةً واحدة لن تحرره من أغلال الاستعمار، فالاستقلال الاعتباري ليس إلا الخطوة الأولى، وإتمام ذلك يستلزم جهودًا طويلة وشاقّة. هذا الطريق الذي اخترناه ليس سهلًا، لكنه طريقُ فخر وحرية الإنسان.

أدركنا منذ البداية أن بلدنا ما دامت في حالة التبعية، ما دامت لم تنتزع مصيرها بيديها، فأسُس الاستقلال مفقودة. وهذا ينطبق على المستعمَراتِ الأخرى أيضًا، مهما كان مستواها المعيشي ومهما كانت الجوانب الإيجابية لنظامها الاستعماري.

شددنا في إعلاننا على رغبتنا باستقلالٍ سريع دون فترةٍ انتقالية ودون تنازلاتٍ، وذلك بسبب ما عنيناه من سخرية وإهانة ومهانة لا نظير لها.

بماذا يفيدنا التأخير ونحن نعلم أننا عاجلًا أم آجلًا سنعيد النظر في كل شيء؟ وجَب علينا تأسيس نظامٍ جديد متكيّف مع مستلزماتِ تطورٍ أفريقيٍّ خالص، وتغيير الطُرق المفروضة علينا. وَجبَ علينا بالخصوص أن نجد أنفسنا ونحرر أنفسنا من الذهنيات والعُقَد المختلِفة التي أحلّتها بنا قرونٌ من العيش تحت الاستعمار.

خُيِّرنا بين التحرير واستمرار العبودية، ولا يوجد حلٌّ وسط بين الحرية والعبودية. لذا قررنا دفع ثمنِ الحرية.

وَوسائلُ المستعمرِين الكلاسيكية التي عرفناها حقّ المعرفة لعبت وبعضها ما زال يلعب دورًا مهمًا هنا: بقاءُ الاحتلال العسكري، الفِرقَة القَبَلية، أبقاها أو شجع عليها الاستعمار، والمعارضة السياسية التخريبية، خطَّط لها الاستعمار ووَجّهها ومَوّلَها.

كلنا نعرف حق المعرفة الصعوبة التي واجهتها الدول حديثة الاستقلال للتخلص من القواعد العسكرية التي أسستها قوى الاحتلال السابق. علينا أن نعلن في هذه اللحظة وفي هذا المكان رفضَ أفريقيا وجود قوى الإمبرياليين العسكرية في أراضيها. لا مزيدَ من أمثال بنزرت أو كيتونا أو كامينا أو سيدي سليمان. لدينا جيوشنا الخاصة للدفاع عن بلداننا.

وقوانا العسكرية، وهي أيضًا ضحيةٌ للدسائس، ها هي تحرر أنفسها من التنظيم الاستعماري لكي تملك كل سِمات الجيوش الوطنية تحت قيادةٍ كونغولية.

يبدو وكأن صعوباتنا الداخلية والحرب القَبَلية ونَواةُ المعارضة السياسية تركَّزَت صُدفةً في أغنى مناطقنا معادنًا وموارد. كلنا نعلم كيف نُظِّمَ ذلك ومن يدعمُ ذلك اليوم في منزلنا.

خلقوا بؤرًا للدسائس الإمبريالية في كاتنغانا، لما تحمله من يورانيوم ونحاسٍ وذهب، وفي باكوانغانا الكاسائية لما تحمله من ألماسٍ. وهذه الدسائس هدفها هو استرداد سيطرتهم الاقتصادية على بلادنا.

لكنّي أؤكد وأعلن الآن رسيمًا أن الشعب الكونغولي لن يُخضَع للاستغلال بعد اليوم، وأن كل القادة الساعين لاقتياد هذا الشعب إلى ذاك الطريق سيلفظهم المجتمع.

يبين الصدى الذي سببته المشكلة الكونغولية وزنَ أفريقيا في العالم اليوم. بلداننا التي أرادوا تجاهلها بالأمس كمجرد أراضٍ مُستعمرَة ها هي اليوم تثير مخاوفَ العالم القديم هنا في أفريقيا. دعهم يخافون على ما سيفقدونه. لا يعنينا ذلك. ما يعنينا هو مستقبلنا ومصيرنا: أفريقيا الحرة.

هذا العام عامنا، شاهدتموه وشاركتموه معنا. إنّه عامُ نصرِنا المُبين. عامُ الجزائر البَطلَة الدَامية، الجزائر الشهيدة، قدوةُ النضال. إنّه عامُ أنغولا المُعذّبة، جنوبُ أفريقيا المسُتعبَدة، رواندا-أوروندي السجينة، وكينيا المُهانة.

كلنا نعلم، والعالم كله يعلم، أن الجزائر ليست فرنسية، وأنا أنغولا ليست برتغالية، وأن كينيا ليست إنجليزية، وأن رواندا-أوروندي ليست بلجيكية. كلنا نعلم أن أفريقيا ليست فرنسية ولا بريطانية ولا أمريكية ولا روسية، بل هي أفريقية.

كلنا نعرف أهداف الغرب. بالأمس فرَّقونا على مستوى القبيلة والعشيرة والقرية. واليوم، أثناء تحرّر أفريقيا، يسعون لتفريقنا على مستوى الدول. يريدونَ خلقَ كتلٍ متخاصمة، ودولٍ تابعة. لقد عملوا منذ بدايات الحرب الباردة على تعميقِ الانقسام لكي يُديموا حُكمَهم.

أعتقد أنّي لست أخطئ القول بتصريحي أن أفريقيا المتحدة اليوم ترفضُ هذه الدسائس. ولهذا اخترنا سياسة الحياد الإيجابي، وهي السياسة الوحيدة المقبولة التي تسمح لنا بالحفاظ على كرامتنا.

فبالنسبةِ لنا لا يوجدُ لا كتلةٌ غربية ولا كتلةٌ شيوعية، بل بلدانٌ متفرقة مواقفها تجاه أفريقيا تحدد سياساتنا تجاهها. دَع كل بلدٍ تعلن موقفها وتتصرف بوضوحٍ تجاه أفريقيا.

نرفضُ أن نكون حلَبةَ الدسائس الدولية، وبؤرةً ورهانًا في الحرب الباردة. نؤكّدُ كرامتنا الإنسانية، كرامة الرجال الأحرار الذين يسعون بثباتٍ لاسترداد مصير أممهم وقارّتهم بأيديهم.

نحن بأمس الحاجة للسلام والوِفاق، وسياستنا الخارجية يُوجّهها التعاون والولاء والصداقة بين الأمم. نود أن نكونَ قوّة تقدمٍ سلمي، قوةً للصُلح. ستقدِّم أفريقيا باستقلالها واتّحادها مساهمةً كبيرة إيجابية للسلام العالمي. لكن إن تمزقت لمناطق نفوذٍ متصارعة، فلن تزيد الخصومة العالمية إلا شدّةً وتوترًا.

ورغم عدم اتخاذنا أي إجراءاتٍ تمييزية، فالكونغو تتعرض للتمييز في علاقاتها الخارجية. وهي مع ذلك تُرَحِّب بالجميع ونحن على استعدادٍ لمقابلة الجميع. مطلبُنا الوحيد هو الإقرار بسيادتنا واحترامها.

سنفتحُ أبوابنا للخبراء من كل البلدان التي يحركها حس الصداقة والولاء والتعاون، من البلدانِ التي لا تسعى لحكم الأفارقة بل لمساعدةِ أفريقيا. سنرحّب بهم بصدورٍ رحبه.

أنا متأكد أني أتحدث باسمكم إخوتي الأفارقة جميعًا حين أقول إن أفريقيا ليست تعارِضُ أي بلدٍ بحد ذاته، لكنها تتحذر من أي محاولةِ سيطرةٍ أو استغلالٍ جديدة سواءً في المجال الاقتصادي أم الروحي. هدفنا هو إحياءُ القيم الأفريقية الثقافية والفلسفية والاجتماعية والأخلاقية والحفاظُ على مواردنا. لكن حذرنا هذا ليسَ بالانعزال. منذ بوادر استقلالها، بينت الكونغو الرغبة في لعب دورها في حياةِ الأمم الحرة، وهذه الرغبة تجسدت في طلبها الانضمام إلى الأمم المتحدة.

سعادةُ الوزراء ورفاقي الأعزاء، حضوركم وحضورُ أفريقيا كلّها هنا يسعد ويشرّف الكونغو حكومةً وشعبًا. وقتُ التخطيط انتهى، وحان وقتُ العمل لأجل أفريقيا. هذا العمل تنتظره شعوبُ أفريقيا على أحر من الجمر. لم تعد الوحدة الأفريقية والتضامُن الأفريقي مجرد أحلام. يجب أن نجسد هذه الوحدة وهذا التضامن في قرارتنا.

بوحدةِ الروح والطموح والفؤاد، سنحوّلُ أفريقيا لقارّةٍ حرّة مستقلة في المستقبل العاجل.

تعيش الوحدة الأفريقية والتضامن الأفريقي!

إلى الأمام، أيها الأفارقة، إلى التحرر التام!


يندرج هذا المنشور ضمن: باتريس لومومبا واغتيال الوحدة الأفريقية.

Skip to content