البيان التأسيسي لمجموعة «الجوارب الحمراء» (1969)

مقدّمة الهامش:

تأسست مجموعة «الجوارب الحمراء» (Redstockings) عام 1969م، وكانت إحدى طلائع مجموعات التحرر النسائية للستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، ومسمّاها الذي صاغته المنظّرة النسوية الجذرية شولاميث فايرستون ورفيقتها إيلين ويليس مشتقٌّ من «الجوارب الزرقاء»، وهو مسمّىً أطلق ازدراءً على النسويات الأوائل في القرون السابقة بدعوى عدم ارتدائهن الجوارب السوداء الأنيقة، واللون الأحمر وما يحمله من مضامين ثورية، وعملت المجموعة على رفع الوعي والتعبئة النسوية عبر التظاهر.

انصب نشاطها في رفع الوعي والتعبئة النسائية، وتضمنت بعض كبريات المنظِّرات النسويّات، مثل شولاميث فايرستون وكارول هانيش وغيرهن ممن تخرّجن من الحركات الجذرية لذاك العقد، كحراك الحقوق المدنية، والحراك المناهض لحرب فيتنا، ولها أثر لا يقاس على العمل والنظرية النسويتَيْن منذئذٍ، فحتى أشهر الشعارات النسوية اليوم، «الشخصي سياسي»، طُبِعَ أولًا في منشوراتها.

  بداية النص 

أولًا: بعد قرون من النضالات السياسية الفردية والتمهيدية تتحد النساء لأجل تحقيق تحررهن النهائي من الفوقية الذكرية. و«الجوارب الحمراء» تكرس نفسها لبناء هذه الاتحاد وانتزاع حريّتنا.

ثانيًا: النساء طبقةُ مضطهدة. اضطهادُنا شامِلٌ، يؤثر على كافة نواحي حيواتنا، فنحن نُسْتَغَلُّ كأشياء جنسيّة، كمِفْرَخات، كخادِمات منزليّات، وكعَمالةٍ رخيصة، بل ونُعتبَر كياناتٍ دُونيّة، غايتها الوحيدة تحسينُ حيواتِ الرجال. إنسانيّتنا حرمونا منها، وسلوكنا حدّدوه لنا وعزّزوه بتهديدِ العنف الجسدي.

لأننا عشنا بِقُربِ مُضّطِهدِينا قُرْبًا حَميميًّا، بِمعزلٍ عن بعضنا البعض، فقد حُرِمنا من رؤية معاناتنا الشخصية كوضعٍ سياسي. وهذا يخلق وَهْمَ كون علاقةِ المرأة بِرَجُلِها مسألة تفاعلٍ بين شخصيّتين فريدتين، ويمكن معالجتها فرديًّا. والواقع أنّ كلّ علاقةٍ كهذه علاقةٌ طبقية، والصراعات بين الأفراد من الرجال والنساء هي صراعاتٌ سياسية لا يمكن حلّها إلّا جماعيًّا.

ثالثًا: نعرِّف وكلاءَ اضطّهادِنا، وهم الرّجال. الفوقية الذكرية هي أقدم ضروب الاضطهاد وأكثرها أساسية. وكلّ الضروب الأخرى من الاستغلال والاضطهاد (العنصرية، الرأسمالية، الإمبريالية، إلخ) هي امتدادٌ للفوقية الذكرية: الرجال يسيطرون على الرجال، وقلّةٌ من الرجال يسيطرون على البقية. فكُل بُنى القوة على مرّ التاريخ سيطر عليها الذكور وتمحورَت حولهم. وتحكم الرجال بكافة المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية وعززوا تحكمهم بالقوة الجسدية، واستخدموا قوّتهم لإبقاء النساء في وضعيةٍ دونية. كلّ الرجال يتلقون فوائدَ اقتصادية وجنسية ونفسانية من الفوقية الذكرية.

رابعًا: تكررت محاولة تبرئة الرجال من المسؤولية إما بوضعها على عاتق المؤسسات أو على عاتق النساء بعينهن، ونحن ندين هذه المقولات فهي ليست إلّا تملّص. المؤسسات وحدها لا تضطهد؛ المؤسسات ليست إلّا أدوات المُضطَّهِد. أن يلقى اللوم على المؤسسات يعني ضمنًا أنّ الرجال والنساء ضحاياها على حدّ سواء، ما يعتم على واقع انتفاع الرجال من تَبعية النساء، ويقدم للرجال العذر بأنهم مُجبَرون على أن يكونوا مُضّطَهِديْن. والعكس هو الصحيح، لكل رجلٍ حرّية ترك وضعيته الفوقية، شريطةَ أن يكون مستعدًّا لأن يعامله الرجال الآخرون كالمرأة.

ونرفض أيضًا فكرة قبول النساء باضطهادهن أو تحملهن مسؤوليته، فخضوع النساء ليس نتيجة غسيل دماغ، أو غباء أو مرضٍ نفسي، بل نتيجة الضغط اليومي المستمر من الرجال. لسنا بحاجة لتغيير أنفسنا، بل لتغيير الرجال.

ومن بينها جميعًا أقبحُ تملّصٍ هو أنه يمكن للنساء أن يضطهدن الرجال. وأساسُ هذا الإيهام هو عزلُ العلاقات المنفردة عن سياقها السياسي ونزعة الرجال إلى رؤية أي تحدٍّ مشروعٍ لامتيازاتهم كظُلم.

خامسًا: نعتبرُ تجربتنا الشخصية، ومشاعرنا حول تلك التجربة، كالأساس لتحليل وضعنا المشترك. ولا يمكننا الاعتماد على الأيديولوجيات الموجودة، فهي جميعًا نتاج ثقافةٍ ذات فوقية ذكرية. ونشكّك كلّ تعميمٍ ولا نقبل بأي تعميم لا يتوافق وتجربتنا.

مهمّتنا الرئيسة حاليًّا هي تنمية الوعي الطبقي للإناث عبر مشاركة التجارب والفضح العلني للأسس الذكورية لكل مؤسساتنا. ورفع الوعي ليس «استشارةً نفسانية»، ما يتضمن وجود حلولٍ فردية ويفترض خطأً أن العلاقة الذكر والأنثى محضُ علاقةٍ شخصية، فتنمية الوعي هي الوسيلة الوحيدة لضمان استناد برنامج تحرّرنا إلى الواقع الملموس لحيواتنا.

المتطلب الأول لتنمية الوعي الطبقي هو الصدق، في السر والعلن، مع أنفسنا والنساء الأخريات.

سادسًا: ننضوي تحت لواءٍ مع كل النساء، ونعرّف مصلحتنا العليا بمصلحة أفقر النساء وأشدّهن معاناةً من الاستغلال.

نرفض كافة الامتيازات الاقتصادية أو العرقية أو التعليمية أو المقامية التي تفرقنا عن النساء الأخريات، ونحن عازماتٌ على إدراك أي تحيّز قد نحمله ضدّ النساء الأخريات وعلى إلغائه.

نحن ملتزماتٌ بتحقيقِ ديمقراطية داخلية، وسنفعل كل ما بوسعنا لضمان مساواة فرص المشاركة وتحمل المسؤولية وتنمية القدرات السياسية بين كل امرأةٍ في حراكنا.

سابعًا: ننادي كل أخواتنا لتنضممن معنا في النضال.

ننادي كل الرجال ليتنازلوا عن امتيازهم الذكري ويدعموا تحرر النساء لمصلحة إنسانيّتنا وإنسانيّتهم.

في القتال لأجل تحررنا نصطف دائمًا مع النساء ضدّ مُضَّطَهِديهِن. ولن نسأل عمّا هو «ثوري» أو «إصلاحي»، بل فقط ما هو جيّد للنساء.

زمنُ الاشتباكات الفردية قد ولّى. آن أوانُ الحرب المفتوحة.

Skip to content