مقابلة مع «أحمد»، أحد قيادات اليسار السعودي (1984)

مقدمة الهامش

أجرى مشروع الشرق الأوسط للأبحاث والمعلومات مقابلة مع إحدى قيادات اليسار السعودي في شباط/فبراير 1984م دون ذكر اسمه الحقيقي نظرًا للمخاطر المحيطة بالعمل السياسي في البلاد. يتحدث «أحمد»، وهو ممثل حزب العمل الاشتراكي في الجزيرة العربية، في هذه المقابلة عن نشأة الحزب ومنظوره لواقع الحال في السعودية بعد أربع سنوات من حادثتين مفصليتين في تاريخ السعودية هما انتفاضة محرّم في الشرقية و«حصار مكة»، ويقدم أحمد صورة موجزة عن حالة اليسار في السعودية في تلك اللحظة التاريخية.

ننشر هذه المقابلة كوثيقة من تاريخ العمل السياسي في السعودية، لشحّ ما يتوفر من النصوص الصادرة أثناء هذه الأحداث، لا بعد انقضائها. وقد أجريت المقابلة في فترة كان للحركات اليسارية والعمّالية والوطنية فيها حضورٌ في المشهد السياسي، على الرغم من أنها قد عانت من حالة انحسار كانت مدركةً له بل وتحاول مقاومته. ولربما لم تكن مسألتا النجاح والفشل آنذاك محسومتان بعد، ولكن انتهى الحال بنشاط الحزب إلى التوقف مع بقية الأحزاب اليسارية والقومية مع العفو الملكي عن النشطاء من مختلف التيارات السياسية في مطلع التسعينيات.

وإن كانت تلك المرحلة قد انتهت، فإبطال التبعية للخارج ونيل حرية المشاركة السياسية وتأميم الثروة الوطنية وتعميمها ما تزال طموحًا حيّة.

 نص المقابلة 

ما هي جذور حزبكم؟

تأسس حزبنا في 1972م، بصلاتٍ مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. في ذلك الوقت، كان للجبهة الشعبية روابط مع أخواتها في أقطار عديدة من العالم العربي – في سوريا، ولبنان، والسعودية، وكان لها حضورها في الحركة الفلسطينية. ولكن بسبب صعوبة الوضع الأمني لم نلتحق بالكامل بالبنى التنظيمية للجبهة الشعبية. في البداية، كان نشاط الحزب في أوساط المثقّفين، ومن ثم اتّسع عمله ليشمل الطلّاب والعمال. وظروف عملنا اتّسمت طوال الوقت بالسرية، وكان أحدُ مبادئنا أنّ لا أحد يمكن أن ينتمي للحزب إن كان يعيش خارج البلاد، باستثناء الطلاب، الذين وجب عليهم النشاط في الخارج.

هل حافظتهم على علاقاتكم التنظيمية مع الجبهة الشعبية؟

منذ عام 1975م فطالعًا، ضعفت علاقتنا مع الجبهة الشعبية، وانقطعت في عام 1978م. بدأنا بتطوير علاقاتٍ مع الفصائل الأخرى من الحركة، وفي عام 1981م، حينما كان بعض كوادرنا في الخارج، أسسنا علاقاتٍ مع غيرنا من المنظمات في الجزيرة، مثل الحزب الشيوعي السعودي والجبهة الشعبية في البحرين.

كيف تطوّر عملكم داخل البلاد مؤخرًا؟

يسند الحزب نفسه إلى مبادئ الماركسية-اللينينية وهو موجّه نحو الطبقة العاملة والفلّاحين والبرجوازية الصغيرة. يصدر منشور الحزب، المسيرة، داخل البلاد وعلى نحو غير دوري. وفي نيسان/أبريل 1982م، تعرض الحزب لحملة قمعية، وذلك كجزءٍ من حملة أوسع استهدفت العناصر الدينية والعناصر الوطنية الأخرى في البلاد. صوبت هذه الحملة ضربة قوية للحزب، لكنها لم تُلغِه. علم النظام بنشاطاتنا ومن ثم اتجه إلى الهجوم، فقد ارتكبنا بعض الأخطاء الأمنية. نحن الآن نعيد بناء حزبنا، وفي كانون الثاني/يناير 1984م، أسسنا قيادةً مؤقتة لإدارة الحزب.

ما مطالبكم الأساسية؟

لدينا ثلاثة مطالب: الحريات السياسية، والتأميم الحقيقي للنفط، وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في بلادنا.

ألا تطالبون بتصفية النظام السعودي؟

لا يمكن الإدلاء بهذا المطلب علنًا، لكننا نناقِشُه في منشوراتنا كهدفٍ على المدى الطويل. لا يمكن إسقاط هذا النظام بوسائل ديموقراطية؛ لا يمكن إسقاطه إلا بالنضال المسلّح المنظم.

الطابع الذي قد يتلقاه الواحد من الخارج هو أن النظام السعودي، رغم أنه فاسد وغير ديموقراطي، فهو مقبولٌ لدى عامة الشعب.

أغلب من يذهبون إلى أوروبا أو أمريكا ويتحدثون عن البلاد هم من البرجوازية، وهم لا يمثلون عامة الشعب. يوجد العديد من المظالم في البلاد، لكن المعارضة لا يمكن أن تظهر علنًا بسبب الخوف. يجب ألا تنسى أن شعار هذا النظام هو «أخذناها بالسيف الأملح»، ويدل على ذلك حصار مكة لعام 1979م والانتفاضة في الشرقية.

الدولة السعودية أسست بالغزو في عشرينيات القرن العشرين، وتحت الوحدة الظاهرية للبلاد هنالك تنوّعاتٌ مناطقية كبيرة، فكيف تتظمهر هذه المشكلة المناطقية؟

كان ذلك مهمًا جدًا قبل طفرة النفط لعام 1973م، فحتى ذلك الوقت، كانت العوامل المناطقية والقبلية مؤثرة، وكان واضحًا جدًا في ناطق مثل عسير وجازان ونجران، وهي مناطق مفقرة، وكان هنالك سخطٌ في الحجاز، لكن كل المناطق مترابطة اليوم بمصالح اقتصادية مشتركة، وفي كل أرجاء البلاد، قدم المهاجرون وحققوا ثروةً لأنفسهم أيضًا، فقد استقر في البلاد أناسٌ من أوزباكستان، في الاتحاد السوفياتي. والمكان الوحيد الذي ما زالت المشكلة المناطقية حية فيه هو الشرقية، حيث الناس ساخطون على النظام، وذلك لانتمائهم إلى الطبقة العاملة، وهم شيعة المذهب أيضًا، والشيعة هم أكثر الفئات اضطهادًا في السعودية.

ما تشخيصكم العام للفئات المضطهدة في البلاد؟

أولًا، لديك التمييز ضد الشيعة عمومًا، وثانيًا، الاضطهاد الموجّه للفلّاحين في الشرقية ومناطق الجنوب. تتمتع الطبقة العاملة بمستويات معيشية أفضل من الفلّاحين، ولا يمكن لنا الاكتفاء بالحديث عن اضطهاد هؤلاء بالمعنى الاقتصادي المحض، فالقصة تختلف تمامًا في مجال السياسة: لا تتمتع الطبقة العاملة بأي حقوق قانونية أو وسائل للتعبير.

ما هو مستوى النشاط العمالي في البلاد في السنوات الأخيرة؟

كانت أحداث 1979م في الشرقية أهم الحالات في هذا الصدد. فقد برهنت هذه الأحداث عجز الجيش السعودي والحرس الملكي. نسمع الكثير عن الأسلحة الموفّرة من أمريكا، لكن كان واضحًا أن أكثر هذه الأسلحة خزَّنها الجيش الأمريكي ولا يسمح للسعوديين لمسها.

ما درجة القمع؟ ماذا عن السجناء السياسيين؟

آخر الإعدامات القضائية جرت في 1969م، ناهيك عمَّن أعدموا بعد حصار مكة في 1979م. فمن المعتقلين من مات تحت التعذيب، وأغلب السجناء السياسيين اليوم ينتمون للمنظمات الدينية. في الستينيات والسبعينيات، كنا نسمع الكثير عن نشاطات الحزب الديموقراطي الشعبي، وقائده ناصر السعيد اختُطِف ويبدو أنه قُتِل في بيروت في 1981م.

ما حال هذا الحزب الآن؟

لم تعد توجد دلائل على وجوده. فقد تلقى ضربة قوية في الحملة القمعية لعام 1969م، وأضعفه عفو عام 1975م، وبعضُ أعضائه انضمّوا إلى حزبنا. اختطافُ ناصر السعيد قامت به المخابرات السعودية بتواطؤ من أبو الزعيم، قائد القوة 17، جناح المخابرات لحركة فتح. كان ناصر السعيد قائدًا عمّاليًا معروفًا وبدأ نشاطه في الخمسينيات، وكان لنصوصه أثرٌ كبير داخل السعودية، وكان صوته الصوت المعارض المهم الوحيد خارج البلاد، وكان نشطًا للغاية في نزع الشرعية عن النظام، خصوصًا بعد أحداث مكة لعام 1979م.

ما زالت قوّة النظام تبدو في قوّاته المسلحة، ويبدو أن صفوفها تحمل المصدر الأقوى للمعارضة. ما المعلوم حول تشكيلتها؟

توجد بنيتان رئيستان للقوات المسلحة: الجيش نفسه والحرس الوطني، والأخير نسمّيه الجيش الحافي. وتوجد وحدتان قوّات خاصة: الحرس الملكي، وحرس الحدود. ينتمي أعضاء الحرس الوطني إلى قبائل موالية لآل سعود، وهم يجنّدون في صِغرهم ويلقّنون الموالاة في معسكرات خاصة. ومن القبائل الرئيسة التي ينتمون إليها هي غامد وزهران وقحطان وعتيبة والسدارى. والشيعة محرومون من أي منصب أمني بل وحتى من أي منصب حيوي في الخدمة المدنية، والاستثناء الوحيد هو جميل الجشي، مدير المشروعين الصناعيين في الجبيل وينبع. والوضع الأمني ليس تحت السيطرة داخل الجيش، فتجد فيه حالات الاعتقال والطرد. ولهذا السبب، حينما تحصل أي مشكلة، لا يعتمد النظام عليه بنفس المقدار.

ما صحة ما ورد من تقارير عن انتفاضة عسكرية في 1982م؟

أفادت الشائعات بتمرد في الجيش قاده أمير منطقة تبوك، عبد المجيد بن عبد العزيز، وهو الأخ غير الشقيق للملك فهد، وقد تلقى تعليمه في الولايات المتحدة. لا يمكننا تأكيد أو إنكار هذه التقارير.

ماذا عن أنشطة الجماعات الإسلامية؟

يبدو أن هنالك وجودٌ لجماعتين لها نشاط على المستوى الوطني، أحدهما مناصرة لإيران، الجماعة الشيعية المعروفة منظمة الثورة الإسلامية لتحرير شبه الجزيرة العربية، والجماعة الأخرى هي التي احتلت الحرم في 1979م، وهم السلفيون، ورغم إعدام أعضائها، ما تزال الجماعة السلفية تواصل أعمالها، وقد اعتقلت مجموعة منهم في 1983م أثناء تدرّبهم على السلاح في عسير.

هل توجد انقسامات في وسط الأسرة المالكة؟

توجد تيارات، لا انقسامات، نراها في فهد وعبد الله مثلًا، واختلافاتهما تبرز أحيانًا إلى السطح. فعبد الله ليس مواليًا تمامًا وإطلاقًا لأمريكا مثل فهد، لكننا لسنا نراهن على هذه الأمور – فهي مجرد خلافات داخل المعسكر نفسه.

هل الوجود العسكري الأمريكي صريح في البلاد، وإن كان كذلك، فلأي درجة؟

بعد أحداث 1979م، أدى المستشارون الأمريكيون دورًا صريحًا وعلنيًا في القمع. ويمكن أن تراهم في الفنادق المخصصة لهم، وفي معسكراتٍ تدار فيها طائرات نظام الإنذار المبكر والتحكم (أواكس). والوجود الأمريكي يشعر به أكثر ما يشعر في الشرقية وحائل والجنوب.

ما هو تقييمكم للسياسة السعودية تجاه جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟

أسست العلاقات الدبلوماسية في 1976م، لكن العلاقات ما تزال باردة جدًا بصفة عامة، فقد فضح الكشف عن مخطط تخريب مخابراتي سعودي في 1982م عن أهداف النظام، وما تزال معسكرات تدريب القوّات المناهضة لجمهورية اليمن الديموقراطية قائمةً في الطائف. لكن الجيش السعودي يعجز عن مواجهة القوات المسلحة لليمن الجنوبي دون دعمٍ أمريكي.

ما رد فعل الشعب في السعودية تجاه الثورة الإيرانية؟

ما تزال إيران تحمل شعبية لدى الشيعة، لكن شعبيتها تناقصت لدى عامة الشعب منذ بداية الحرب الإيرانية-العراقية.

 

المصدر: مشروع الشرق الأوسط للأبحاث والمعلومات

Skip to content