الفصل الرابع: أنواع الرجال المعنِّفين

أشعر بالأسى تجاهه. لا بد أنه مرَّ بحياة عصيبة.

أنا محظوظة لاختياره لي، فبإمكانه أن يحصل على أي امرأة يريد.

أنا خائفة جدًّا مما قد يفعل بي يومًا ما.

يجب ألّا أتجادل معه، فأنا دائمًا ما أخرج من النقاش وأنا أشعر كالحمقاء.

إنّه حساسٌ جدًا. لا يجب أن أتشكّى كثيرًا، فهو يبذل قصارى جهده.

يقول إن سبب خيانته المتكررة لي هو أنّه مدمن جنس.

الخصال التي تشكل رجلًا مُعنِّفًا أشبهُ بمكونات طبخةٍ ما، فالمكوّنات الأساسية قد لا تختلف، ولكن كمّياتها تتنوع كثيرًا. يمكن لرجلٍ ما أن يكون متحكّمًا بشريكته لدرجة أنّها لا يمكن أن تخطو خطوةً واحدة دون موافقته، لكن تلقينهُ مساهمًا إلى حدٍّ كبير في الأعمال المنزلية والرعاية بالأطفال. وقد يسمح رجلٌ آخر لزوجته بأن تخرج وترجع كيفما تشاء، بل ويقبل بصداقاتها مع الرجال الآخرين، لكنها ستدفع ثمنًا باهظًا إن لم تكن متفانيةً في خدمته، أو إن ارتكبت تلك الخطيئة الكبرى: أن تطلب منه أنْ ينظف أوساخه. وغيرهما من المعنِّفين لا يظهرون متحكمين وذوي حسِّ تملِّكٍ على هذا النحو الملحوظ، لكنَّ ذلك لا يقلِّل من تلاعبهم بذهنِ شريكاتهم.

قد تتنوع طرائق ومعتقدات المعنفين من بلد لآخر، ومن ثقافةٍ لأخرى، ومن بين الأغنياء والفقراء، فكلّ معنِّفٍ من كل ثقافة يحدِّدُ مناطق معيّنة للتحكم والقسوة، فالرجال البِيْض من الطبقة الوسطى، على سبيل المثال، يميلون لِفرضِ قواعد صارمة حول الأسلوب المسموح للمرأة أن تجادل به، فإن راددته أو بان عليها الغضب أو لم تصمت إن طلب منها ذلك، فمن الأرجح أنه سيُدْفِعها ثمن ذلك. وعملائي من الثقافات الأمريكية اللاتينية عادةً ما يسمحون لشريكاتهم بالمواجهة في الشجار و«مدّ اللسان» أكثر مما يسمح عملائي البِيْض، لكنهم ميّالون للانتقام إن حطّ انتباهُ شريكاتهم على ذكرٍ آخر. لنا أن نرى هنا أن المعنِّف يحدد مساحاتٍ خاصة لفرض السيطرة، وهذا التحديد مرهون نسبيًا بثقافته وخلفيته، وعليه فكل امرأة في علاقة مع رجل معنف أو متحكم تضطر للتعامل مع خليطه الخاص من الأساليب والميولات، ومع إيقاعِه الخاص لأوقات السعادة وأوقات السخط، وطريقته المحددة بتقديم نفسه للعالم الخارجي. فمن الواجب ألّا يُقال لِامرأة معنَّفة: «أعلم تمامًا ما تمرّين به»، ذلك لأن تجربة كل امرأة تختلف عن الأخرى.

لكن إنْ نظرنا إلى التعنيف من زاوية أخرى، فهو لا يتنوّع كثيرًا. فحتى لو استخدم المعنِّف ذاك المكوِّنَ أكثر من هذا، وفعل غيره العكس، فنكهة الإساءة العامة تحتوي تشابهاتٍ جوهرية: جرحُ ثقة المرأة بنفسها، والسلوك التحكمي، وتقويض استقلاليتها، وعدم احترامها. وكل امرأة معنَّفة تمر بأوقاتٍ تشعر فيها وكأن تيّارًا جارِفًا يسحبها إلى أعماق البحر، وبالكاد تلتقط نفسًا واحدًا، والارتباك جزءٌ من الغالبية العظمى من تجارب مئاتِ النساء المعنَّفات اللاتي تحدثت إليهن، سواءً أكان مصدر ذلك تلاعبُ المُعنِّف، أو كونه محبوبًا بين الناس، أو ببساطة من التباين المحيّر بين إعلانه حبّها وهجماته النفسانية أو الجسدية الوحشية – كل امرأة معنَّفة تجد نفسها تكافح لكي تُدرِكَ ما تمر به.

لربما إدراك طبيعة مشكلة الرجل المعنِّف هي الخطوة الأولى نحو الخروج من هذا الضباب. في هذا الفصل أقدم لك عشرة أساليب تعنيف مرت عليّ أثناء تعاملي مع ألفي رجلٍ معنف عملت معهم. قد تفاجئك إحدى هذه الصور – أو أكثر – فيراودك شعور «وَجَدْتُه!»، وقد تصلين إلى أنَّ صورته لا تتناسب بتطابق مع أي من هذه «الأساليب» لكنه يبدو وكأنه ينهلُ من كل واحدٍ منها. في تلك الحالة، لا تفكري بهذه الصّور كرجالٍ مختلفين، بل كأوجهٍ متنوعة لرجلٍ واحد. على أي حال، يمكن للتوصيف هذا أن يساعدكِ على التعرف على ما يضمر شريكك تجاهك.

تصفُ الأقسام أدناه أساليب الرجل أثناء ممارسته التعنيف. لست أعني أنه يتصرف هكذا طوال الوقت، فالواقع هو أنَّ الرجال المنتمين لأي من التصنيفات أدناه يمكن أن يتحولوا إلى رجال لطيفين مُحبّين في أي لحظة، وأن يظلوا في ذلك الطور لأيامٍ أو أسابيع أو حتى شهور.

رجل المطالب

رجل المطالب يتفاقم فيه حسّ الاستحقاق. يتوقع من حياة شريكته أن تتمحور حول تلبية حاجاته، ويغضب ويلومها إن أعاقَ أي شيءٍ تحقيق هذا الدور. يثور رجل المطالب غضبًا إن لم يُخدَم ويُستَلطف، أو إن أزعجَهُ أيِّ شيءٍ مهما صغُر. وشريكةُ هذا الرجل تشعر أن لا شيء تفعله جيدٌ بما فيه الكفاية ليسعده، فانتقادُه لها لا يتوقف، وعادةً ما تتمحور انتقاداتُه حول ما يجب أن تخدمه به، أو تحسِّن خدمتها فيه.

هل كل شريكٍ كثير المطالب مُعنِّف؟ لا، لكن عناصر معينة تظهر على رجل المطالب:

  1. يفتقر تمامًا لحس الأخذ والعطاء. فطلبُه للدعم العاطفي، أو الخدمات، أو العناية، أو الاهتمام الجنسي لا يتناسب أبدًا مع مساهمته، فدائمًا ما يشعر أنّكِ مدينة له بأشياء لم يفعل شيئًا ليستحقها.
  2. يبالغ في تصوير مساهماته. فلو كان كريمًا في يومٍ ما في 1997، من الأرجح أنه ما زال يذكركِ به حتى يومنا هذا كدليلٍ على معاملته الرائعة ونكرانك جميله. يبدو وكأنَّه يحفظ غيبًا قائمة يندرج فيها أي تصرفٍ حسن قام به تجاهك ويتوقع أن تسدّد تكلفة كلٍّ منها بقيمة مضاعفة، فهو يعتقد أنك مدينةٌ له لمجرّد تلبيته مسؤولياته اليومية العادية – وذلك إنْ لبّاها – ولكنه يعتبر مساهماتك لا قيمة لها.
  3. حينما لا يحصل على ما يشعر أنه مدينٌ له، يعاقبُكِ على خذلانه.
  4. يساعد وَيجود فقط حينما يلائمه ذلك، ولكن حين لا يكون في مزاج العطاء فلن تلقين منه شيئًا. تلقينه إيجابيًّا ومُحِبًّا تجاهك حين يشعر بالحاجة ليثبت لنفسه أو للآخرين أنه شخصٌ جيد، أو حينما له حاجةٌ ما يريدها منك بالمقابل؛ باختصار، القصة وما فيها متعلقة به فقط، أنتِ وحاجاتِك خارجها. كلما طال بقاؤك معه، ظهرت الاستغلالية في تصرفاته الكريمة صوريًّا.
  5. إن تعارضت حاجاتكِ مع حاجاتِه، سيثور غضبًا. وفي هذه اللحظات قد يهاجمك ويتهمك بالانغماس في الذات وعدم المرونة، قالِبًا الواقع رأسًا على عقب، وكأنما يقول: «أنتِ لا تهتمين إلا بنفسك!». وينزع رجل المطالب إلى العمل جاهدًا على إقناع الآخرين أنكِ أنانية وناكِرة للجميل، متحدثًا بصوتٍ مغبون عما قدّمه لك.

ورجل المطالب هذا يغضبُ أحيانًا إن طلب منه أي شيء، والأمر لا يقف عند نهرك عن مطالبته بشيء، بل ليس مسموحًا لك أن تطلبي منه أن يلبي التزاماته. إنْ طلبتِ منه تنظيفَ فوضى هو أحدثها، يرد: «هل تريني خادمًا عندك؟!» وإنْ طلبتِ منه مالًا يدين به لك، أو أن يعمل ساعاتٍ إضافية ليساعد في تكاليف الأسرة، يقول: «كلكن لا تختلفن أيتها النساء، كل ما تُرِدْنه هو المال». وإنْ اشتكيتِ إليه من قلّة دعمه المعنوي لك، يقول: «يا لكِ من كلبة مِلحاحة متحكِّمة». فهو يقلب الأمور رأسًا على عقب هكذا كي يُفْشِل أي محاولةٍ تقومين بها لمناقشة حاجاتِكْ أو مسؤولياته، ويحولها لنقاش حولَ حاجاتِه هو ومسؤولياتكِ أنتِ.

من الممكن أن يكون رجلُ المطالب أقلَّ تحكُّمًا من غيره من المُعنِّفين طالما تُلبَّى كل حاجاته كما يريد لها أن تلبى، فقد يسمح لكِ بتكوينِ صداقاتٍ أو يؤيدكِ في مسيرتك المهنية، ولكن ضرر حس الاستحقاق الشديد هذا عليكِ قد يماثلُ ضرر التحكم الصارم.

المعتقدات المركزية المحرِّكة لِرجل المطالب هي:

  • من واجبكِ خدمتي، بما في ذلك القيام بمسؤولياتي إن أنا تركتها. وإنْ لم أكن سعيدًا بأي جانبٍ من جوانب حياتي، سواءً كان الأمر متعلقًا بعلاقتنا أم لم يكن، فذلك خطؤك.
  • يجب ألا أن تطالبيني بأي شيء. يجب أن تكوني ممتنّة لي إن أردتُ تقديم أي شيء.
  • أنا فوق النقد.
  • أنا شريكٌ مُحبٌّ وكريم. وأنت محظوظة بي.

أبو العرّيف

أبو العرّيف يعتبر نفسه المرجع الأول والأخير حول كل موضوع في هذه الدنيا؛ يمكن أن نسميه «العارف بكل شيء». ترينه يتحدث بثقة تامة، ويرمي بآرائك عرض الحائط وكأنها ذبابة مزعجة، فيبدو وكأنه يرى العالم كفصلٍ دراسي كبير، وهو فيه المعلِّم وأنت تلميذته، فلا يجد أدنى قيمةٍ في أفكارك أو رؤاك، ولذلك يسعى لإفراغ رأسك وملئه بلآلئ عبقريته. وحينما يجلس أبو العرِّيف في أحد حلقاتي، يتحدث عن شريكته دائمًا وكأنها حمقاءُ لدرجةً أن حماقتها خطرٌ عليها وهو مضطرٌ لإنقاذها من نفسها. يجد أبو العرّيف صعوبةً في الحديث مع شريكته – أو عنها – دونَ نبرة استصغارٍ في صوته، وفي حالات الاشتباك، لا تزداد غطرستُه إلا سوءًا.

شعورُ أبو العرِّيف بالفوقية طريقةٌ مريحةٌ للحصول على ما يريد، فحينما يتجادلُ هو وشريكته بسبب تضاربٍ في الرغبات، يحوّل الجدال إلى صراعٍ بين الصح والخطأ، وبين الذكاء والغباء، فيستهزئ بوجهة نظرها ويطعن فيها كي يتهرب من معالجة وجهة النظر ويتفادى التعاطي معها بجدّية؛ أدناهُ محادثة خضتها مع أبو عرّيفٍ عملت معه في إحدى حلقاتي:

مانكروفت: بات، هل تودّ الإدلاء بأي تصرفاتٍ تعنيفية قمت بها هذا الأسبوع؟

بات: لقد صرخت على غوين مرة وناديتها بـ «الكلبة». كنا نتشاجر حول المال، كالعادة.

مانكروفت: ما منظورُ غوين في هذا الجدال؟

بات:إنها تعتقد أن المال ينمو على الأشجار.

مانكروفت: غوين قالت إن المال ينمو على الأشجار؟

بات: لا طبعًا، لم تقل ذلك حرفًا، لكنها تتصرف كما لو كان الحال كذلك.

مانكروفت: فلنحاول مرة أخرى. ماذا قالت غوين في جدالكما؟

بات: إنها تعتقد أن لدينا المال الكافي لنشتري ملابسًا جديدة لِطفلينا، وكأننا لم نشتري لهما ملابسَ جديدة قبل بضعة أسابيع. وبصراحة ليس لدينا المال الكافي الآن.

مانكروفت: هل توافقك غوين في أنه لم تمضي إلّا بضعة أسابيع منذ آخر مرة اشتريتم الملابس؟

بات: لا، تقول إننا اشتريناها قبل أربعة أشهر، بداية الصيف، وذلك محضُ هراء، فأنا أتذكر أننا تجاوزنا منتصف الصيف وقتها.

مانكروفت: إذن، فما تتذكره هي يختلف عما تتذكره أنت. هل أخبرتك لماذا تعتقد أنه مضى وقتٌ أطول؟

بات: بالطبع لا، فهي . . . حسنًا لربما قالت إنها تتذكر تسديد فاتورة البطاقة الائتمانية لتلك الملابس وقتما كان الأطفال في المدرسة، لكنها مخطئة.

مانكروفت: حسنًا، لقد قلت إن ليس لديكم ما يكفي من المال، ومن الواضح أن غوين تعتقد خلاف ذلك، فمن أين تتصور هي أن هذا المال سيأتي؟

بات: لقد قلت لك، إنها تعتقد أنّي ساحرٌ يحوّل الهواء إلى كاش.

مانكروفت: لكن لا بد أنها بيّنت طرقًا معينة. ماذا قالت؟

بات: أوه، لا أدري . . . تقول إن علينا بيع سيارتنا وشراء سيارة خرائية، مما سيزيد من تكاليفنا على المدى الطويل، وأنا لا أود بيع السيارة حتى.

مانكروفت: ما هي سيارتكم اليوم؟

بات: سيارة ساب.

مانكروفت: دعني أخمن، هي تود تبديل الساب بسيارة عمليّة ذات أقساط أرخص، وقطع غيار أرخص، وفواتير تصليح أقل.

بات: نعم، هذا ما قُلته، سيارة خرائية.

ما كشفه بات في هذه المحادثة هو أنه في كل مرة تحاول غوين الدفاع عن نفسها أو تقديم آرائها، يحرّف بات كلامها كي تبدو سخيفةً. ولاحظي كم أخذ مني من وقت لأجترّ منه آراء غوين الفعلية، فمن الطبيعي إذن أنَّ غوين شعرت بالخنق من بات، فلم يكن عندها وسيلةٌ لتوصل آراءها وتُعامَل بجدية. جزءٌ من يقين بات بأن غوين غبية هو يقينُه المتضخّم بحكمته ووضوح رؤيته، ولأنها تستمر بالاختلاف معه، فهو يعامل ذلك كدليلٍ على حماقتها.

حينما يقرر أبو العرّيف الاستحواذ على محادثةٍ ما، يحوّل صوته إلى صوت الحقيقة، وكلمته الكلمة الحاسمة والأخيرة لما هو الجواب الصحيح للمسألة أو المنظور الملائم لها. يسمي مستشارو التعنيف هذا التكتيك: تعريف الواقع. ومع الوقت، يمكن أن تقود نبرةُ المرجعيّة المعرفية شريكتَه إلى التشكيك بحكمتها وذكائها، وقد تكرر علي عند الحديث مع شريكةٍ لأحد عملائي تظهر عليه النباهة، لتفاجئني بالقول: «أنا لستُ بذاك الذكاء»، وهذا ما يرغب به منها المُعنِّف: أن تشكك بقدراتها العقلية، حتى يحكم قبضته عليها.

وإلى جانب إحاطته بكل علوم العالم، فأبو العريف خبيرٌ أيضًا في حياتك وكيف يجب أن تعيشيها، ولديه الإجابات الرشيدة لصراعاتكِ في العمل، ومسائل قضاء وقت الفراغ وتربية الأبناء، وهو متخصّص أيّما تخصّص بـمثالبك، ويحبّ أن يسرد لك كلَّ عيبٍ فيك، وكأنما تمزيقكِ هي الطريق لتحسينك. ترينه يبدو وكأنه يستمتع أحيانًا بتصحيح أخطائك أمام العلن لكي يهينك، وبالتالي يؤكد تفوقه الذهني الذي لا نزاع فيه.

وحين ترفضُ شريكة أبو العرّيف تجليلَ ذكائه اللا محدود فمن المرجّح أنه سيصعّد الموقف بإهانتها، ونبزها بالألقاب، وتقليدها سخريةً. وإن لم يكتفي بإذلالها، فقد يلجأ لأسلحة أكبر، مثل تخريب خطط الليلة، مثل تركها في مكانِ الزيارة والعودة لوحده، أو النميمة عنها عند الحضور. وإن كان مُعنِّفًا جسديًا، ففي هذه اللحظة يبدأ برمي الأشياء أو التهديد بالضرب أو حقًّا يهاجم، وبإيجاز: سيحاول أبو العرّيف إيجاد طريقةٍ ليضمن أن شريكته ستندم على إصرارها على ألّا تُسلِّمَ عقلها له.

في بعض الجوانب، أبو العرّيف نسخةٌ أقلُّ عنفًا ورعبًا من الشّاويش (أنظري أدناه)، لكن تحكم أبو العرّيف يميل عادةً للتركيز خصوصًا على إمرَةِ شريكته بكيف يجب أن تفكر. تشعر شريكته أنها مخنوقةٌ بتحكمه، وكأنه يفحص كل حركةٍ تقوم بها بالمجهر.

يحاول أبو العرّيف تعقيمَ تنمُّرِه بالقول لي: «أنا عنيدٌ في آرائي» أو «أحبُّ الجدال في الأفكار»، الأمر كما لو أن لِصًّا يقول: «لدي اهتمامٌ بالشؤون المالية». ليس أبو العرّيف مهتمًا بالجدل في الأفكار؛ ما يرغب به هو فرض أفكاره.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة لِأبو العرّيف هي:

  • يجب أن تنبهري من ذكائي وأن تتطلعي إليَّ فكريًا. معرفتي أرقى من معرفتك، وأنا عارفٌ حتى بمصلحتك.
  • آراؤكِ لا تستحق الإنصات لها بعناية أو جدية.
  • حقيقةُ أنكِ تختلفين معي أحيانًا يبيّن لي سطحية فكرك.
  • لو تسلّمين فقط بكوني أعرفُ أكثر منك، لتحسنت علاقتنا كثيرًا، بل لتحسنت حياتُكِ أنتِ أيضًا.
  • عندما تختلفين معي في شيءٍ ما، مهما عبّرت عن ذلك باحترامٍ أو خنوع، ففي ذلك إساءةٌ لي.
  • لو داومت على إهانتك، فيومًا ما سترين الحقيقة.

الجلّاد البارد

أسلوبُ الجلّاد البارد يثبت أن الغضب لا يسبب التعنيف، فهو قادِر على مهاجمة شريكته نفسانيًا دونَ رفع نبرة صوته حتى، وهو يميلُ إلى الحفاظ على هدوئه في الجدال، مستخدمًا توازنه هذا كسلاحٍ ليدفعها للخروج عن طورها. وكثيرًا ما يرتسمُ على وجهه ابتسامة استعلاءٍ أو ازدراءٍ، لاعتداده وَثِقته الزائدة بنفسه، فيستخدمُ مخزونَ التكتيكات العدائية للكلام بنبرةٍ منخفضة، مثل التهكم والسخرية – مثل الضحك الصريح في وجهها – مُقَلدًا صوتها، وَراميًا عباراتٍ جارحة وقاسية. ومِثل أبو العرّيف، يميل الجلّاد البارد لأخذ ما تقوله شريكته لتحريفه واستسخافه، ولعلّه يكرر ذلك خصوصًا أمام الآخرين، وَيتحكمُ بشريكته عبر تدفقٍ بطيءٍ ومتواصل من الهجمات العاطفية منخفضة المستوى، إلى جانب ممارسات عنفية «خفيفة» لا تتركُ إصابةً مرئية عمومًا، مثل الدفع، لكن قد تسبب ضررًا نفسانيًّا عظيمًا. لا شيء يوقف تصرفاته الساخرة والدنيئة الهادئة.

الأثرُ الواقع على المرأة التي تتعرض لهذه التكتيكات الهادئة هي: إما غليانُ دمها، أو شعورها بالحماقة والدونية، أو مزيجًا من الاثنين. ففي جدالٍ ما، قد ينتهي بها الأمر بالصراخ بسبب الإحباط، تاركةً الغرفة وهي غارقة في البكاء أو في الصمت. فيقولُ الجلّاد البارد حينها: «أترين، أنتِ المُعنِّفَة، لا أنا. أنتِ من يصرخ ويرفض الحديث بعقلانية. أنا لم أرفع صوتي حتى. لا يمكن لأحد استخدام المنطق معك».

يمكن للآثارِ النفسانية للعيشِ مع الجلّاد البارد أن تكون شديدة، فَتكتيكاتُه يصعب التعرف عليها، وبالتالي يمكن أنْ تصل إلى الأعماق. إنَّ عدم معرفة طبيعة هذه الأفعال تعني أنَّ النساء يواجهن صعوبةً في عدم لوم أنفسهن على رد فعلهن على ما يفعله شريكهن، فحين يصفعك شخصٌ على وجهك، فأنت تعرف أو تعرفين أنك صُفِعت، ولكن حين تشعرُ امرأة أنها هوجمت نفسانيًا، ولا تعرف سبب ذلك، بعد جدالٍ مع الجلّاد البارد، فقد تستبطن إحباطها. فكيفَ لها أن تطلب المساعدة من صديقٍ مثلًا، إن لم تكن تعرف كيف تصف هذه المشكلة؟

يميلُ الجلّاد البارد إلى الاعتقادِ حقًّا بأن تصرّفاته طبيعية تمامًا، فحين تواجهه شريكته عن تعنيفه – وهو ما سيحدث عاجلًا أم آجلًا – ينظر إليها كما لو كانت مجنونة ويقول: «عمَّ تتحدثين بحق الجحيم؟ لم أسئ إليكِ يومًا»، والأصدقاء والأقرباء الذين شهدوا هذه الحوادث قد يؤيدوه، بل وقد يهزون رؤوسهم ويقولون لبعضهم البعض: «لا أعرف ما خطبها. إنها تنفجر في وجهه أحيانًا، وهو هادئٌ جدًا»، وقد ينمي أبناؤهما الانطباع بأن ماما «تجعل من الحبة قبة»، وقد تبدأ هي نفسها بالتساؤل عمّا إذا كان فيها خطبٌ نفساني.

إن الجلّاد البارد يحفّزه الانتقام مثل أغلب الرجال المُعِّنفين، لكنه قد يكون أفضل في تقنيع ذلك. فإن كانَ هذا الجلّاد مُعنِّفًا جسديًا، فَعُنفه قد يأخذ شكلَ صفعاتٍ بدمٍّ بارد، «لِمصلحتك» أو «لِتوعيتك»، لا شكل ضربٍ غاضب انفجاري. تبدو تصرفاتُه مدروسة، ونادرًا ما يقع في أخطاء واضحة قد تَقلب الناس ضده أو تدخله في مشاكل قانونية – مثل إظهار تعنيفه في العلن.

إن كنتِ في علاقةٍ مع الجلّاد البارد، فقد تعانين لسنوات قبل أن تكتشفي ما الخطب، وقد تشعرين أنك تبالغين في ردود فعلك على سلوكياته، وأنه ليس حقًا بذلك السوء، لكن آثار تحكمه وازدرائه سيطرت عليكِ ببطءٍ على مر السنين، وإن هجرته أخيرًا، قد تمرّين بِفتراتٍ يَبرزُ فيها غضبكُ المُؤجّل، مع إدراكك التدريجي لِحجم اضطهاده الهادئ والمُميت.

يندُر أن يقضي رجلٌ بهذا الأسلوب وقتًا طويلًا في برنامج المُعنِّفين إلا بأمرٍ من المحكمة، فهو معتادٌ على النجاح التام في تكتيكاته ولا يتحمّلُ أبدًا بيئةً حيث المستشار يعرف مناوراته بأسمائها ولا يسمح له بالإفلات بها. وهو يميل إلى الاعتقاد السريع أن مديري هذه الحلقات مجانين مثل شريكته ويترك المكان.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة للجلّاد البارد هي:

  • أنت مجنونة، وتفقدين أعصابك على أقل الأمور.
  • يسهل عليّ إقناع الآخرين أنك أنتِ المجنونة.
  • ما دمتُ هادئًا، لا يمكنكِ تسمية أي شيءٍ أفعله بالتعنيف، مهما كان قاسيًا وَوحشيًا.
  • أعرفُ تمامًا كيفَ استفزّك.

الشاويش

يأخذ الشاويش السلوك التحكمية إلى أقصى المستويات، مديرًا حياةَ شريكته بكل طريقةٍ ممكنة، فينتقد ملابسها، ويتحكمُ بخروجها من المنزل وبقائها فيه، ولا يتركها وشأنها في عملها، ولا يريد أن يكون أحدٌ قريبٌ منها، وبالتالي يخرّب علاقاتها مع الأصدقاء والأقارب، أو ببساطة يحرّم عليها رؤيتهم. فقد يتنصّت على مكالماتها أو يقرأ بريدها، أو يأمر الأبناء بإعلامِه بما تفعله حال غيابه. وإنْ لم تكن في المنزل في وقتِ حظر التجوال الليلي الذي يفرضه، فهي مهددةٌ بالتعنيف، فتشعرُ وكأنما هي طفلةٌ صغيرة تعيشُ مع أبٍ مستبدّ، وحريتها لا تتجاوز حريةَ طفلةٍ ذات ثمانية أعوام.

كثيرًا ما يكون الشاويش مُفرِط الغيرة، فهو يهاجم شريكته لفظيًا باتّهامها بالخيانة أو النظر إلى الرجال الآخرين، ويرميها بألفاظٍ جنسية جارحة وَمزعجة أثناء تقريعه، وقد يزيدُ على عباراته الكارهة لشريكته بتعليقاتٍ قبيحة عن الإناث عمومًا، مثل: «كل النساء قـ*ـاب»، والتجربة العاطفية لهذا الاعتداء اللفظي قد تكون شبيهةً بالاعتداء الجنسي: تشعر المرأة أنّها انتُهِكَت، ذُلَّت وَصُدِمَت، وهذا الشكل من المعنِّفين، في الآن نفسه، عادةً ما يكون هو الخائن، فَانشغالُه ليس بإخلاصِهما لبعضهما البعض، بل بامتلاكِه لها.

وتوجّه الشاويش لاستخدام العنف الجسدي، عاجلًا أم آجلًا، أمرٌ مؤكد للأسف، فيبدأ بالتهديدات وَمِن ثم التصعيد نحو الاعتداء، ولو حاولت شريكته الدفاع عن نفسها، مثلًا بمحاولة الحفاظ على أيٍّ من حقوقها في الحرية، فَعُنفه وتهديداتهُ من الأرجح أن تتصاعد حتى يصل إيذاؤه وإرهابُه لدرجة تخضعها لتحكمه، ومن المحتمل أن يضرب شريكته إلى حد الإصابات الخطرة.

الهربُ من الشاويش يمكن أن يكونَ صعبًا جدًا، فلأنه يراقب كل حركاتها بقرب، من الصعب عليها الوصول إلى مجموعةِ دعمٍ للنساء المعنفات أو غير ذلك من الدعم، ولأنه يعزلها عن الآخرين، فعليها أن تعتمد تمامًا على قوتها الذاتية، وقد تشعر في أيام كثيرة أنها منهارة القوى، ولأنه قد يكون ما بين فترة والأخرى صريحًا في عنفه، فهي مجبورةٌ على التفكير في عواقب محاولة هجرانه، بما في ذلك ما إذا كان سيحاول قتلها.

لو كان شريكُكِ شاويشًا، فوضعك وضعٌ خطير. وقد يتطلب الأمر شجاعة – وحذرًا شديدًا – للحصول على فرصةٍ تسمح لك حتى بقراءة هذا الكتاب، فلربما أنت تُخْفينَه تحت المنام أو تقرئينه بأجزاءَ صغيرة في منزل إحداهن. لا تستسلمي. لقد مرّت العديد من النساء بمثل هذا السجن وَوجدن طريقهن للهرب، حتى لو تطلب ذلك بعض الوقت، والشيءُ الوحيد الأكثر أهمية هو البحث عن فرص للاتصال بالخطوط الساخنة للنساء المُعنَّفات (أنظري: «الموارد» في آخر الكتاب). اتصلي بها للحديث ولو لخمس دقائق إن كان يمكنك الحديث معها بأمانٍ الآن. واتصلي بها يوميًا إنْ أمكنكِ ذلك. فالخطُّ الساخن هو بداية الطريق إلى الحرية.

قد تميلين بمرارة إلى الدخول في علاقةٍ سرية مع أحدهم، إذ أن شريكَكِ لا يظهر أي رقةٍ أو عطفٍ تجاهك، وقد تكون هذه الصلة الجنسية إيجابية وداعمةً بالنسبة لك، خصوصًا بسبب الإهانة الجنسية التي يلحقها بك الشاويش، لكن خيانته قد تكون مميتة إنْ اكتشفها. ادرُسي تجنب الدخول في علاقاتٍ مع رجالٍ آخرين، حتى تصلي إلى بر الأمان.

كثيرًا ما يكون لدى الشاويش مشاكل نفسانية، وعلى الرغم من أن مسائل الصحة النفسية لا تسبب التعنيف، فهي يمكن أن تزيد من حدة الميل إلى العنف الجسدي عند الرجل المُعنِّف، وإنْ بدى أحيانًا مقتنعًا بأمورٍ من الجلي أنها ليست صحيحة، ولديه مشاكلٌ في التوافق مع الآخرين عمومًا، أو تعرَّض لتعنيفٍ وإهمالٍ كبير في صغره، أو لديه مؤشرات أخرى للأمراض النفسية، عليك أن تحذري أكثر.

لقراءة المزيد حول التعامل مع المعنِّفين الخطيرين، أنظري «الإرهابي» أدناه في هذا الفصل و«الخروج من علاقة تعنيفية بأمان» في الفصل التاسع.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة للشاويش هي:

  • أنا بحاجة للتحكم بكل خطواتكِ وإلا فسوف تقعين في الخطأ.
  • أعرف الطريقة المحددة للقيام بكل شيء.
  • لا يجب أن يكون لديك أي شخصٍ آخر – أو أي شيءٍ آخر – في حياتكِ سواي.
  • سأراقبكِ كما الصقر، لإيقافك من تنمية قوتك أو استقلالك.
  • أحبُّكِ أكثر من أي شخصٍ في العالم، لكنّكِ تقززينني(!!)

الحسّاس

يبدو الحسّاس كالنقيض التام للشاويش. عادةً ما يكون معسول اللسان، لطيفًا، وداعمًا – حينما لا يكون معنّفًا. يحبّ الحسّاس لغةَ المشاعر، ويشارككِ مخاوفه وقلاقله وإصاباته العاطفية، وهو لا يتورّع عن معانقةِ الرجال الآخرين، بل وقد يصرّحُ بسُخف الحروب وحاجة الرجال لـ «الاتصال بجانبهم الأنثوي»، ولربما يحبّ المجموعات الرجالية أو يذهب إلى المخيمات الرجالية1المجموعات الرجالية والمخيّمات الرجالية: مجموعات ومخيّمات تعقد بهدف التحسين الذاتي للرجال المشاركين من كافة النواحي.، وكثيرًا ما يكون كثير المشاركة في برامج الاستشارة النفسانية وبرامج الاثنا عشر خطوة، أو يقرأ كُتبَ المساعدة الذاتية، وبالتالي يبدع الحديث بلغة السيكولوجيا الشعبية والتأمُّل في الذات، ولغته تزينها عباراتٌ مثل «تنمية التقارب»، «معالجة مشاكلنا»، و«مواجهة الحقائق الصعبة عن نفسي»، ويقدم نفسه للنساء كحليفٍ في النضال ضد حدود الأدوار الجنسية، ولبعضِ النساء، قد يبدو حلمًا قد تحقق.

إذن، ما الخطب في هذه الصورة؟ لا شيء واضحٌ حتى الآن، لكن هذه هي المشكلة بالذات: يغلّف الحسّاس نفسه بأحد أكثر الأقنعة إقناعًا لدى الرجال، فَلو بدأت بالإحساس بتعسُّفِه، من المرجح أن تفترضي أن خطبًا ما فيك أنتِ، وإن تذمرت من تصرفاته لدى الآخرين، قد يعتقدون أنك مدلّلة: «لديكُ أحد رجال العصر الجديد، ماذا تريدين أكثر من ذلك؟»

الدينمياتُ التالية تتكرر في العلاقة مع الحساس وقد تساعد في شرح شعورك بأن فيها خطبًا ما:

  1. دائمًا ما يبدو وكأنك تجرحين مشاعره، ولست متأكدة كيف حدث ذلك، ويتوقع منك أن تصبّي كل اهتمامك على جروحه العاطفية دونَ توقف، ولو كنتِ في مزاجٍ سيء يومًا ما، وقلتِ شيئًا جارحًا بعض الشيء أو غير منصف، فلن يكفيه أن تقدمي له اعتذارًا صادقًا وتقرّي بمسؤوليتك عما فعلتِ، بل سيستحضره مرارًا وتكرارًا متوقعًا منك أن تتذللي أمامه كما لو كنت عاملتيه بقسوةٍ حقيقية. (لاحظي التضليل هنا: هذا تحديدًا ما يتهم المعنِّفُ شريكتَه بأنها تريده منه، بينما كل ما ترغبُ به هو كلمة «آسف» صادقة).
  2. في المقابل، عندما تكونُ مشاعرُكِ أنتِ قد جُرحَت، فسيسارع بالإصرار على التهوين بما حصل، ولربما يوجّه عليك سيلًا من لغة السيكولوجيا الشعبية («دعي مشاعرك تمرُّ من خلالك، لا تقبضي عليها كثيرًا»، «الأمر كله هو نظرتك إلى الحياة»، أو «لا أحد يمكن أن يؤذيكِ إلا إن سمحتِ له بذلك») كبديلٍ عن الدعم الحقيقي لمشاعرك، خصوصًا لو كنت مستاءةً من شيءٍ هو فعله، لكن هذه الفلسفاتِ لا تنطبق حينما تكونينَ أنتِ من أسأتِ إليه.
  3. مع مرور الوقت، يتزايدُ إسقاطُه اللوم عليك على أي شيءٍ ليس راضيًا عنه في حياته؛ وثقلُ إحساسك بالذنب يتزايد.
  4. يبدأ بإظهار جانبٍ خسيسٍ لا يريه لأحدٍ غيرك، وقد يصبح مُهدِّدًا أو مُرعبًا.

يمكن للحسّاس أن يصبح مخيفًا جسديًا، مثل أي من أشكال المعنِّفين، مهما كان يعظ باللا-عنف، ولو حصل واعتدى عليكِ، سيتحدثُ عن فعلته بلغة «الغضب» بدلًا من «التعنيف»، وكأنما لا يوجد فرقٌ بين الاثنين، وهو يلقي اللوم على سلوكه العدواني إما عليكِ أو على «مشاكله» العاطفية، قائلًا إن مشاعره جُرِحَت جرحًا عميقًا وبالتالي لم يكن لديه خيارٌ آخر.

ينكر الكثيرُ من الناس إمكانية أن يكون الحسّاس رجلًا معنِّفًا. قابلتُ هكذا إنكارًا ذات أسبوع عندما كنتُ أديرُ دورةً تدريبية عن التعافي العاطفي. تركّز الورشة جزئيًا على الآثار العلاجية للبكاء، وبالتالي يحضرها النساء أكثر من الرجال، ومن الذكور الحاضرين قابلت كثيرًا من أروع الرجال الذين حظيت بمعرفتهم . . . وحفنةً من أكبر المتلاعبين. وقبل بضع سنوات، أتت لي إحدى المشارِكات في الدورة، اسمُها ديانا، قبل الورشة والقلق ظاهرٌ على وجهها. شرحت لي أن شريكًا سابقًا لها اسمه براد اتصل عليها قبل بضعة أيام من الورشة، لإخبارها أنه سيحضر في نفس عطلة نهاية الأسبوع، فشعرت بعدم الراحة من ذلك وأخبرته أنه إنْ حضر فسوف تغادر، فَوعَدها أنه لن يزعجها، ولن يَذْكرَ علاقتهما بأي شكلٍ من الأشكال. وقد كان حاضرًا مع حبيبته الجديدة، مما خفف من مخاوف ديانا.

قضيتُ بعض الوقت في الحديث مع براد في بداية الورشة، دون ذكر ديانا، وبدى رجلًا ظريفًا لطيفًا، و، ما عساي أقول؟، حساسًا أيضًا. ولكن في الساعات الأولى، تنبّهت إليه وهو يتحدث مع الآخرين عن ماضيه مع ديانا ومفتعلًا مشاعرهم حول «هربها» من مشاكلهما دون حلها، وفي صباح الأحد، أخيرًا، أحدث ضجة بالحديث عن علاقتهما أمام الورشة كلها، مما كان مهينًا لِديانا.

القصة لم تنتهي هنا. أعلنتُ وقتَ استراحة، وأخذت براد جانبًا، وقلتُ له إنه قد وصلني أنه وافق على ألا يستحضر هذه المشاكل هنا، ومن الواضح لي أنه أتى في عطلة نهاية الأسبوع هذه بِنيّة القيام بما تعهد بعدم القيام به، وأشرت له إلى أنه سرقَ عطلةَ ديانا منها، وأنني أعتبر هذا النوع من الحركات التسلّطية نوعًا من أنواع التعنيف، خصوصًا لِكونها موجهة ضد شريكةٍ سابقة.

ذِكرُ كلمة «تعنيف» لرجلٍ معنِّف يمكن أن تنزل كالصاعقة على بارود، فحينما تسمي السر المكتوم، يثار غضبه. رفع براد صوته، واستنكرني قائلًا إني مبالغٌ وهستيري، واتخذ وضعية الضحية، قائلًا: «أتوسل إليك، كفّ عن ذلك!». ومن ثم أتى الجزء الأهم: قالَ مُتباكيًا: «لم أضع يدي على شريكةٍ لي إلا مرةً في حياتي، قبل سنوات طويلة، وكل ما فعلته هو أنني دفعتها هكذا» – ودفعني من كتفي بقوة – «بعد أن قالت إن أمّي امرأةٌ مريضة».

حسنًا، لماذا ينكر براد تاريخَ الاعتداء (بينما يعترفُ بحادثة كهذه) حينما لم يذكر أحدٌ ممارسته العنف؟ احتمالُ كونه معنّفًا جسديًّا لم يطرأ على بالي قبل ذلك، وما قاله استحضر ذلك بالتأكيد. كل المؤشرات إذن موجودة: التنمر على ديانا نهايةَ الأسبوع، ومن ثم الإصرار على أن ذلك من مصلحتها، ولومُ حبيبته السابقة على اعتدائه عليها واستهانته بما فعل – فقوة الدفعة التي وجّهها لي كانت لتهزَّ أغلب النساء. وليس من المحتمل أن حادثة الاعتداء التي وصفها هي الحادثة الوحيدة التي هدد فيها امرأةً جسديًا.

في هذه اللحظة، طلبتُ من براد مغادرة الورشة. وبعد ذلك وجب عليّ التعامل مع التمرد الصغير الذي اندلع من بعض حضور الورشة، اللاتي انصدمن من كوني طردتُ رجلًا لطيفًا رهيفَ المشاعر كهذا. إنه رجل يبكي، فكيف له أن يكونَ معنِّفًا؟

إن المعنِّفين على شاكلة الحسّاس يميلون للتمركز الشديد حول الذات والمطالبة بالخدمة العاطفية، فقد لا يكون الرجل الذي يثور غضبًا عندما يتأخر الطعام، لكنه ينفجر حينما تخفق شريكته بطريقةٍ ما بالتضحية بحاجاتها أو مصالحها لإرضائه، فهو يلعب دور الرجل الهش لِيُبعد النظر عن الركام والحطام الذي يتركه تعنيفه.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة للحسّاس هي:

  • أنا ضد الرجال الفحوليين، فكيف لي أن أكون معنفًا.
  • ما دمت استخدم الكثير من «الهراء النفساني» لا أحد سيعتقد أنني أسيء معاملتك.
  • يمكنني التحكم بك بتحليل كيفية عمل ذهنك ومشاعرك، وماهية مشاكلك منذ الصغر.
  • يمكنني العبثُ بذهنك رغمًا عنك.
  • لا شيء في هذا العالم أهمُّ من مشاعري.
  • يجب أن تكون النساء ممتنّاتٍ لأني لست مثل الرجال الآخرين.

اللَّعوب

عادةً ما يكون اللّعوب حسن المظهر بل وسكسي (وأحيانًا، هو فقط يعتقد بذلك). وفي المرحلة المبكرة من العلاقة يبدو اللعوب مغمورًا بحبّك وَيودّ قضاء كل وقته معك على السرير، وهو عاشقٌ جيدٌ جدًا، فقد يشعركِ بأنك محظوظة لأنك التقطتِ شخصًا يعرف كيف يثيركِ جنسيًا ويُشعرَكِ بالفخر بأن تُرَي إلى جانبه، وإحساسك بالثقة يُكسِب ارتفاعًا لطيفًا.

لكن بعد فترة، تبدأ بعض الأشياء بإزعاجك. فتلاحظين أنه ما عدى الجنس، اهتمامُه بكِ قليل، وحتى طاقته الجنسية في انخفاضٍ بسيط، ويبدو أن عيناه تحدِّقُ تجاه النساء المارّات في الشارع، ويغازِلُ النادِلات، والموظفات، وحتى صديقاتِك، ويبدو أن تعاملاته مع الإناث غالبًا ما تحمل لمحةً جنسية، إلا إنْ كان لا يجدهن جذّاباتٍ أبدًا. قد تصلكِ شائعاتٌ بأنه شوهد مع هذه المرأة، أو نام مع تلك المرأة، أو أنه يحاول التودد إلى امرأة أخرى ليست راغبةً فيه بعد، وقد تتجاهلين هذه الإشاعات في البداية، باعتبارها ليست سوى قيل وقال يتقصد إيذاءه، لكن الحيرة تراودك بعد فترة.

كثيرًا ما يماطل اللَّعوب في مسألة الانتقال للسكن معًا، أو الموافقة على جعل علاقتكما علاقةً حصرية، على الرغم من أنه كان في البداية يتوق لوقت ما تصبح العلاقة جدية. فقد يقول إنّ مشاعره أوذيت من قبل، أو أن لديه خوفًا من الالتزام («أنا لستُ مستعدًا لا أكثر»)، لكن المسألة الحقيقية هي أنه لا يريد قيودًا على حريته، فإحساسه بالرضى في الحياة يأتي من استغلاله النساء وشعوره بأنه حيوانٌ جنسي، والنساء حول اللَّعوب يشعرن بالغضب تجاه بعضهن البعض كثيرًا، بدلًا من توجيه غضبهن إليه، وأحيانًا يدخلن في شجاراتٍ جسدية. وهذه التوترات مفيدة بالنسبة له، فهي تبعد الأنظار عن خيانته وتضليله.

يُعِدّ اللعوب دينامية بمزيجٍ من التكتيكات التالية:

  1. يَعرفُ كيف يجعل كل واحدة تشعر أنها مميزة، وفي الوقت نفسه يُخِلُّ توازنها، حتى لا تَطمئنَّ حقًا أبدًا من طبيعة علاقتها معه.
  2. يخبر كل واحدة منهن أن الأخريات تكذبن حول علاقتهن به لأنهن غيورات منها، أو أنه رفضهن، أو أنه كان في علاقةٍ معهن سابقًا وانتهت.
  3. يسرد لكل واحدة منهن قصصًا حول كيف أساءت نساءٌ أخريات معاملته، أو يخبرها أشياء – أغلبها من وحي خياله – لتبدوا النساء السابقات، أو الحاليّات، في حياته تآمريّات، أو ناقِمات، أو مدمنات.
  4. ينهي علاقته مع امرأة ويعاود الارتباط معها، حتى لا يتمكن أحد من مجاراةِ ما يفعله.
  5. يشمل في دائرته امرأةً أو اثنتين يشعرن بأنهن غير جذّابات، لأنه يعلم أنه يمكن له أن يمارسَ سلطةً أكبر عليهن، ويتلاعب بهن لكي يدفع بهن لكراهية نساءٍ يُنظَر لهن كأكثر جاذبية.

إن كانت هذه شاكلة شريكك، فلربما لا تتطمأنين أبدًا مما إذا كان يمارس الجنس مع نساءٍ أخريات أو إنه يتغزل بهن فقط، لأنه يستمتع بالانتباه ويحب أن يُشعِرَكِ بالتهديد. فقد يُنكر تمامًا أنه حصلَ وخانَ امرأة وقد يقلب الطاولة عليكِ باتهامكِ بأنك مفرطة التشكيك، ولكن حتى لو كان يخبركِ الحقيقة – والأرجح أنه ليس كذلك – فسلوكه الغزلي المستمر هو بحد ذاته مُضرٌّ مثله مثل الخيانة. وهو على كلِّ حال سيضر بعلاقاتكِ الأخرى، لأنك ستبدئين برؤية أي امرأة كتهديدٍ محتملٍ عليك، وإن كان لديه سجلُّ من مغازلةِ النساء المقرَّبين منك، مثلَ أختكِ أو أعز صديقاتك، فقد ينتهي بك الأمر معزولةً من النساء الأكثر حرصًا وقُربًا لك، لأنك خائفة من أنه سيخونكِ معهن إن لم تبعديهن عنه.

الخيانةُ المزمنة هي بحد ذاتها شكلٌ من أشكال التعذيب، لكنَّ اللعوب لا يقف عند ذاك الحد، فهو يفتقر لحسّ المسؤولية، وهو قاسٍ في تعامله مع مشاعر شريكته، وينزع إلى التعنيف اللفظي بين الفينة والأخرى. ومع تقادم العلاقة، قد تمر فتراتٌ طويلة لا يعطي فيها شريكته أي اهتمامٍ وبالكاد يتحدث معها، وبالتالي تشعر بالإهمال، والأرجح أنه يرفض تحمل مسؤولية الأمان في الجنس (مثل استخدام الواقي)، وقد يكون لديه أبناءٌ ليس يدعمهم أو يعتني بهم، ومستوى تعنيفه يتفاقم على نحوٍ مفاجئ إن واجههُ أحدٌ لِخيانته أو اكتُشفَ متلبسًا بجرمه، وقد يصبح مخيفًا جسديًا في هذه اللحظة. وفي التفافة غريبة، وخطيرة، قد يضربُ اللعوب شريكته لأنها صادته وهو يخونها، لا العكس.

تساعده مغازلاته وخياناته المستمرة على الإفلات بضروب أخرى من سوء المعاملة. وعلى الأرجح أن تركّز شريكته على مشاعرها المجروحة حول خياناته وتصب كامل جهدها في ثنيه عن الشرود عنها، وفي تلك الأثناء لا تعود ترى نسقَ تعنيفه. وحينما تسألني حول ما إذا كنت أعتقد أنه سيستقر يومًا ما ويصبح مخلصًا لها – إن تزوجا مثلًا – أجيب: «لربما، لكن ما سيكون لديك وقتها هو مُعنِّفٌ مُخلص». عدمُ إخلاصه ليس إلّا عَرَضًا لمشكلة أعمق: إنه عاجزٌ عن التعامل مع النساء بجدية بصفتهن بشرًا، لا ألعابًا يلعب بها. بهذه العقلية، سيكون شريكًا مدمرًا سواءً خانكِ أم لا.

يزعم اللعوبون الذين تعاملت معهم أحيانًا أنهم يعانون من «إدمان الجنس»، وينضمّون إلى حلقات مدمنو الجنس والحب مجهولون2حلقات المجهولين: حلقات علاجية ينضم لها من يعانون من مشكلة معيّنة ليتحدّثوا عن المشكلة دون الإفصاح عن هويّاتهم/ن لبعضهم/ن البعض. (وقد يكتشفون أنها مكانٌ ملائم لاستغلال النساء). ولكن إدمان الجنس لا يسبب الكذب أو التعنيف اللفظي أو السلوك التهديدي، وليس اللعوب مدمن جنسٍ أبدًا، فإن كان مدمنًا لأي شيء، فهي الإثارة الكامنة في استغلال النساء دونَ أي اعتبارٍ لآثارِ ذلك عليهن.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة لِلَّعَوب هي:

  • خُلِقَت النساء لكي يمارسن الجنس مع الرجال – خصوصًا أنا.
  • النساء اللاتي يرغبن بممارسة الجنس مُنْحلّات، ومن يرفضن الجنس متزمّتات (!)
  • ليس ذنبي أنني مُغرٍ للنساء بشكلٍ لا يقاوم (هذا اقتباسٌ حرفي من عددٍ من عملائي). ليس من العدل أن يُتوقَّع مني رفض كل الإغراء الذي يحيط بي؛ النساء يغوينني أحيانًا، وليس لدي حيلة.
  • إن تتصرفي كأنك تحتاجين شيئًا مني، سأتجاهلك. فأنا في هذه العلاقة حسب راحتي وفقط حين يناسبني ذلك.
  • النساء اللاتي يرغبن بتقديرِ الجوانب غير الجنسية منهن لسن إلا كلبات.
  • لو لبّيتِ حاجاتي الجنسية، فلن أحتاج للجوء لنساءٍ أخريات.

رامبو

رامبو عدوانيٌ مع الكل وليس فقط شريكته. يشعر بالإثارة في الإحساس بتهديد الناس ويطمح للتعامل مع كل أوضاع الحياة بإشعار من حوله بالخوف، بالتهديد الصريح أو المبطن. ولديه تصوّرٌ نمطي مضخم لما يجب أن يكون عليه الرجل، وهي صورةٌ تتوافق مع رؤية النساء بصفتهن رقيقاتٍ ودونيّات وبحاجة إلى الحماية. وكثيرًا ما ينحدر رامبو من بيئةٍ منزلٍ أو حي حيث كانَ هدفًا للعنف، وتعلم أن الطريق الوحيد ليشعر بالأمان هو أن يكون أقوى، وأشد، وأقل اهتمامًا بأي شخصٍ آخر، فلا يصبر أبدًا مع الضعف أو الهشاشة أو التردد، وكثيرًا ما يكون لديه سجلٌّ إجرامي من العنف، أو السرقة، أو القيادة تحت تأثير الكحول، أو تجارة المخدرات.

في المرحلة الأول من العلاقة، من المرجح أن يكون رامبو مُحبًا ولطيفًا مع شريكته، مثله مثل كلِّ المعنِّفين، ولأنه يفتقر إلى الخوف – أو بالأحرى يدّعي ذلك – يمكن له أن يُشعِرَ امرأةً بالأمان والحماية، فيمكن لِشاكِلةِ المعنف هذا أن تكون جذّابةً جدًا لامرأة تأتي من بيئة منزلية عنيفة هي الأخرى، أو في صدد الخروج من علاقةٍ عنيفةٍ أخرى. يمكن لِرامبو أن يشعرك كما لو أن عدوانيته لن تطولك أبدًا، لأنه يحبك، فهو يرغب بالاعتناء بك وحمايتك كما لو كنتِ ابنَته، وهو يستمتع بدور الحامي، ويشعر أنه فارسٌ مغوار، لكنه في الواقع لا يحترم النساء، وانعدام الاحترام هذا، مختلطًا بنزعته للعنف، يعني أنه عاجلًا أم آجلًا لن يكون حاميكِ، بل ستحتاجين ما يحميكِ منه.

ليس كل رجلٍ «رجولي» يُعدُّ رامبو. فكرة أن كل الرجال الماتشو (مفتولي العضلات) يمكن أن يكونوا مُعَنِّفين تجاه النساء تستندُ غالبًا إلى تحيُّزاتٍ طبقية وثقافية مجحفة، وهي نفس التصورات الخاطئة التي تسمح لِلحسّاس وأبو العرّيف بالاستمرار دونَ أن يُكشَفوا، فالكثير من «الأقوياء» وَدُودونَ مع الجميع، ويتجنبون المعاملةَ بعدوانية قدر ما أمكن، لكنهم يستمتعون برفع الأثقال، أو لعب الرياضات الخشنة، أو الصيد، أو غيرها من جوانب الرجولة النمطية، وقد يكونوا مقاتلين أشداء، لكن فقط دفاعًا عن النفس. ليس الماتشو من يجب أن تحذر منهم النساء، فإشاراتُ الخطر هي العنف والعدوانية تجاه أيٍّ كان، وعدم احترام النساء والتعامل معهن بفوقية.

يكون رامبو أحيانًا شخصًا معتلًّا نفسيًّا (سايكوباث) أو معتلًّا اجتماعيًّا (سوسيوباث)، مما يزيدهُ تَعنيفًا عاطفيًا وفي بعض الأحيان تعنيفًا جسديًا أيضًا، وسنلقي نظرة لاحقًا على الشخصيات المعتلَّة اجتماعيًّا وغيرها من المعنِّفين المعتلّين نفسانيًا.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة لِرامبو هي:

  • القوة والعدوانية جيدتان؛ العطف وحل الصراعات سيئتان.
  • أي شيء يمكن أن يُربط ولو من بعد بِالمِثلية، بما في ذلك تجنب العنف أو إظهار الخوف أو الحزن، يجب تجنبه بأي تكلفة.
  • الأنوثية والأنوثة (إذ يربطها بِالمثلية) ذات مكانة دونيّة. والنساءُ موجودات لخدمة الرجال والرجال يحمونهن.
  • يجب ألّا يضرب الرجلُ امرأةً أبدًا، لأن ذلك منقصٌ للرجولة، لكنّي سأضع استثناءاتٍ للقاعدة مع شريكتي إن تجاوز سلوكها الحد المقبول. يجب أن يضبطَ الرجال نساءهم.
  • أنتِ شيءٌ أملكه، كالجائزة.

الضحية

الحياة كانت صعبة وظالمة على الضحية. لو تسمع قصته: الكل استهان بذكائه، وكل من وثق بهم آذوه، وَالكل يسيء فهمه على الرغم من حسن نيته. يستجدي الضحيّةُ عطفَ المرأة التي يستهدف ويلعب على رغبتها بإحداث التغيير في حياته، وكثيرًا ما يسرد قصصًا مقنعة تفطر القلب عما تعرض له من تعنيفٍ من شريكاته السابقات، بما في ذلك العنصر الكارثي: إنّها تقيّد رؤية أبنائه أو تمنعه من ذلك. فنراهُ يناور حتى يجعل هذه المرأة تكره شريكته السابقة بل وقد ينجح في تجنيدها في حملة المضايقات، ونشر الإشاعات، أو حتى المشاركة في معركته للحضانة.

في عملي كمستشارٍ للرجال المعنِّفين، قابلتُ عشراتٍ من الشريكات السابقات للرجال المشاركين، وأتحدث بعد ذلك مع شريكاتهم الجدد، وعادةً ما تتحدثُ الشريكة الجديدة باستطالة عن تلك المشعوذة الشريرة، المرأة التي سبقتها. لا يمكنني إخبارها بما أعلم، بقدر ما أود ذلك، لأن من مسؤولياتي حماية سريّة الشريكة السابقة وضمان أَمْنِها، وكل ما أستطيع قوله: «ما أنصح به دائمًا هو: متى ما يصدر منه زعمٌ بوقوع تعنيفٍ جسدي أو عاطفي، يجب أن تتحدث المرأتان مع بعضهما مباشرةً وألا تكتفين بالقبول بإنكار الرجل».

تسألني بعضُ النساء: «لكن ماذا لو كان الرجل الذي أواعدُه حقًا أضرّت به حبيبته السابقة؟ كيفَ أميز؟» هذه أشياءٌ يمكنك التنبه لها:

  1. لو تسمعي كلامه جيدًا، يمكنك أن تميزي نبرة الغضب تجاه شريكة سابقة، وهو أمرٌ ليس باعثًا للقلق بحد ذاته، من نبرة الاحتقار أو الازدراء، مما ينبئ بالخطر. فيمكن لرجلٍ غادر علاقة بِمَرارة أن يتحدث عن شريكته السابقة بصفتها إنسانًا، ببعض التفهّم لجانبها من الخلاف، وبعض الطرق التي زادَ فيها من سوء الأمور. أمّا إن كان يتحدث عنها بازدراءٍ أو استعلاء، أو يتصرف وكأنما كل مشاكل العلاقة هي سببها، كوني حذرة، فمن الممكن أنه هو من كان المعنِّف.
  2. حاولي دفعه للحديث عن سلوكه في العلاقة، خصوصًا وقت الانفصال، فلو كان يلوم سلوكياته عليها، فهذه إشارةٌ سيئة.
  3. كوني حذرةً جدًا مع رجلٍ يزعم أنه كان ضحية عنفٍ جسدي من شريكة سابقة، فالغالبية العظمى من الرجال الذين يزعمون ذلك هم المُعنِّفون جسديًّا. اطلبي منه أن يعطيكِ أكبر قدرٍ ممكن من التفاصيل حول حادثات العنف، وبعدها جربي الحديث مع المرأة نفسها أو مع شخصٍ آخر يمكن أن يعطيك رأيًا مختلفًا حول ما جرى. تنبهي للعلامات التحذيرية عن التعنيف (أنظري الفصل 5).
  4. أنصتي له جيدًا حينما يتحدث عن النساء المُعنَّفات لتعرفي كيف ينظر لهن. فالضحية الذكر الحقيقي يميل للشعور بالتعاطف مع النساء المعنَّفات ويدعم قضاياهن أمّا «الضحية»، في المقابل، كثيرًا ما يقول إن النساء يبالغن أو يزيفن ادعاءات التعنيف أو يصرُّ على أن الرجال يعنَّفون بقدر ما تُعنَّف النساء.

قد يتبنى الضحية لغة ضحايا التعنيف، مدعيًا مثلًا أن شريكته السابقة «مهووسة بالقوة والتحكم»، وأنها لم تحترمه، ودائمًا ما فرضت رأيها، وبعد بضع سنوات، سوف يستخدم ذات اللغة المناقضة للواقع عنكِ أنتِ – إلا إذا خضعتِ له بما يرضيه، بالطبع.

الضحية متمركزٌ حول ذاته تمامًا في العلاقات، فيبدو كل شيء متمحورًا حول جروحه، وهو يبقي نفسه مركزَ الاهتمام، فلو كان لديكما أبناء، سيحاول حثهم على الشعور بالأسى تجاهه أيضًا، فيبدو وكأنه دائمًا يقول: «أنت لا تفهمينني، أنت لا تقدرينني، ولا تتوقفين عن تذكيري بأخطائي». ومع ذلك، تشعرين أن الدينامية هي واقعًا العكس، فلو دافعت عن نفسك ضد تشويه الحقائق هذا، سيقول لكِ أنّك تعنّفينه الآن، أو سيقول: «أنت لا تتحملين دفاعي عن نفسي في وجه تنمُّرك». وهذا القلبُ المتكرر للواقع شبيهٌ بما يحدث مع الحساس، لكن دونَ روتين سيكولوجية التأمّل الذاتي، ولا روتين الملاطفة، أو المدمن المتعافي. وإن تركتِه، فأنت تخاطري بالسعي وراء حضانةِ أطفالك، مقدِّمةً إياه للمحكمة كضحية تعنيفك وجهدك لاستعداء أطفاله ضده.

كثيرًا ما يدعي الضحية أن الاعتداء عليه ليس آتيًا منكِ فقط، بل من رئيسه في العمل، من أبويه، من جيرانه، من أصحابه، من الغرباء في الشارع. والكل دائمًا مخطئ في حقه، وهو دائمًا لا يتحمل أيًا من اللوم.

حينما ينضم الضحية إلى حلقة المُعنِّفين، قصته تكون على النحو التالي: «لقد تحمّلتُ سوء المعاملة من شريكتي لسنوات، ولم أحاول حتى مقاومتها أو الدفاع عن نفسي، لكني ضقت ذرعًا، وبدأت أذيقها طعم ما تفعله تجاهي، والآن وُصِمتُ بالمعنِّف. يُسمَح للنساء بالقيام بهذه الأمور ولا أحد يهتم، لكن حالما يفعلها رجلٌ يصبح منبوذًا».

هذا التبرير يتحول في مرات عديدة إلى نقاشٍ عن أن الرجال هم الضحايا والنساء هن المعتدون في المجتمع ككل، لأن «النساء يحكمن العالم». هذا تضليل مذهل، فأي جندرٍ يسيطر واقعًا على كل المجالس التشريعية، مكاتب الشرطة، والمحاكم، والشركات، وهلم جرًّا إلى حد الغثيان؟ حينما أشيرُ إلى هذا الواقع إلى الضحية، يصف عالمَ أحلامٍ زَوَراني حيث النساء يتحكمن بكل شيءٍ من وراء الكواليس، غالبًا بِجَعل الرجال يشعرون بالأسى تجاههن. فقدرته على قلب الأمور إلى نقيضها بهذا الشكل سببٌ مركزي في اتصافه بالتعنيف.

إن كنتِ في علاقةٍ مع الضحية وتودين الهرب من تعنيفه، قد تجدين نفسك شاعرةً بالذنب تجاهه هو، على الرغم من معاملته لك، وتجدين صعوبةً في إنهاء العلاقة نتيجةً لذلك. ولأنّ حياته صعبةٌ جدًا، فأنتِ قد تشعرين بالتردد من الأذى الذي ستلحقينه به لو تركته، فوق تلك الآلام، وقد تقلقين من أنه لن يعتني بنفسه لو تركتِه، أو أنه سيدخل في اكتئابٍ، لن يأكل أو ينام، وقد يحاول الانتحار. يعرف الضحية كيف يقدم نفسه بشكل المغلوب على أمره والمثير للشفقة حتى تجدين صعوبةً في إمساك زمام أمور حياتك مرةً أخرى.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة لِلضّحية هي:

  • الكل أخطأ في حقي، خصوصًا النساء.
  • ما أكثر ما أتعرّض له من إجحاف. يا لسوء حظي.
  • عندما تتهمينني بالتعنيف، فأنت تنضمين إلى موكب الناس الذين آذوني وأجحفوني. ويثبت لي ذلك أنكِ مثل البقية.
  • كل ما أفعله تجاهك بذريعة أنك تفعلينه تجاهي مبرر، وحتى لو زدتُ درجته لكي تصلكِ الرسالة.
  • النساء اللاتي يشتكين من سوء معاملة الرجال، مثل التعنيف في العلاقات أو التحرش الجنسي، إما كارهاتٌ للذكور أو ناقمات.
  • لقد واجهتُ صعوباتٍ كثيرة في حياتي وبالتالي أنا لستُ مسؤولًا عن أفعالي.

الإرهابي

عملت لبضعة أشهر مع امرأة مُعنَّفة اسمها غلوريا، وكانت محتارة حول ما إذا كانت ستعيشُ طويلًا. فزوجها، جيرالد، يحدّق بها، وينقر بأصابعه بِرتابة على طاولة العشاء، ويقول بنبرةٍ باردة: «تبقّى لديكِ ستة أشهر. حسّني أوضاعك. ستة أشهر». رأسُها يعوم ونبضاتُ قلبها تتسارع خوفًا، وتتوسل إليه لكي يخبرها ماذا سيفعل بها تحديدًا عند انتهاء تلك المدة، وكان يجيب، بابتسامةٍ خفيفةٍ باردة: «انتظري وسترين، انتظري فقط وسترين. ستة أشهر، غلوريا». لم يمد جيرالد يده على غلوريا خلال الخمس السنوات من علاقتهما، لكنها كانت مذعورة، وقد بدأت بالعمل معي على خطة هروب مع ابنهما ذو العامين.

عادةً ما يكون الإرهابي متحكمًا جدًا ومتطلبًا للغاية. لكن جانِبَه الأسوأ هو تذكيره المتكرر لشريكته بقدرته الجسدية على تمزيقها إربًا أو حتى قتلها، وهو لا يضربها بالضرورة، ولكنّ بعضَ المعنِّفين يعرفون كيف يُرهِبون شريكاتهم بالتهديد، والوعيدِ المبهم، والسلوكيات الغريبة. فأحدُ عملائي العنيفين جسديًا، مثلًا، اقتطع مقالةً من جريدة عن امرأةٍ قتلها زوجها، وألصقها على الثلاجة، ورجلٌ آخر ردَّ على إعلانِ شريكته له بأنها ستتركه بسكبِ دماءِ حيوانٍ على عتبة باب المنزل، وعميلٌ آخر يُخرج مسدسه عندما يكون غاضبًا من زوجته ويصرُّ على أنه كان ينظِّفه فقط، والأمر لم يكن له علاقة بها.

على عكس أغلب المعنِّفين الآخرين، يبدو الإرهابي ساديًّا، فهو يجد متعةً في إلحاق الأذى والخوف، ويبدو أنه يجد في الوحشية أمرًا مثيرًا. فمن المرجح أنه تعرَّضَ لتعنيفٍ شديد في طفولته، وهو أمرٌ لا ينطبق عمومًا على أغلب المعنِّفين، ولكن، ليس بإمكانِكِ مساعدته على الشفاء. ولربما من الصعب عليك القبول بذلك، إذ أن الأمل في مساعدته على تجاوز مشاكله قد يكون الشيء الذي يساعدك على تحمّل إرهابِ العيش معه، لكنّ مشاكلَ الإرهابيِّ أعمقُ من أن تتمكن شريكةٌ من حلها، وهي تتضمن شبكةً معقدة من المشاكل النفسانية الخطيرة، بالإضافةِ إلى الطبيعة التدميرية الاعتيادية لدى المعنِّفين، فالهدفُ الأهم لدى الإرهابي هو شلُّ حركتك بالخوف، حتى لا تتجرئين أبدًا على التفكير بتركه أو خيانته، والأغلبية العظمى من المعنِّفين الذين يهددون شريكاتهم بالقتل لا يشرعون بذلك حقًا، لكن الأقلية التي تقوم بذلك ليست بالعدد الصغير. إنَّ الصدمة الناتجة عن العيش مع هذا الشكل من الإرهاب يمكن أن تهز كيانك وتعسِّرُ جدًا قدرتك على التفكير بصفاءٍ حول استراتيجيات الهرب إلى بر الأمان. ولكن، أغلبُ النساء يتمكّن فعلًا من الهروب. الخطوة الأولى هي طلبُ المساعدة السرية أسرع ما يمكن. ابتدئي بالاتصال على الخط الساخن للتعنيف متى ما آمنَ لك ذلك (أنظري: «مصادر»)، وستجدين مقترحاتٍ أكثر في الفصل 9.

حينما تتركُ امرأةٌ الإرهابي، قد يلاحقها خلسةً وقد يهددها، ويمكن لهذه المضايقات الخطيرة أن تستمر لفترة طويلة، وإن كان لدى الزوجين أطفال، فقد يحاول الحصول على حضانتهم أو الحق في الزيارة من غير رقابة، حتى يتمكّن من إرهابها والتحكم بها عبر الأطفال، وقد يستخدم المعلومات التي لديه عنها، مثل مكان عملها أو مكان سكن أبويها، لتتبّعها أو تهديد المقربات والمقربين منها. من الضروري أن يفهم الأصدقاء والأقارب والمحاكم والمحيط الاجتماعي هذه المخاطر وأن يقدموا لهذه المرأة كل وكامل أوجه الدعم والحماية الممكنة، وعليهم في الوقت نفسه اتخاذ خطوات لمحاسبةِ المعنِّف على أفعاله. فقد يكون من الممكن إيقافُ الإرهابي من تصعيد عنفه إلى حد القتل، لكن ذلك لا يتم إلا إذا أوصلت له رسالة قوية بأن ملاحقة شريكته السابقة وتهديدها أمرٌ غير مقبول، وأنه مسؤولٌ عن أفعاله، وأن المجتمع المحيط به مستعدٌ لحبسه في السجن إن لم يتوقف سلوكه التهديدي حالًا. أي شيءٍ أقلُّ من ذلك لن يكون كافيًا في أغلب الأحوال.

يتضمن الفصل 10 معلوماتٍ أكثر للمرأة الداخلة في معركة قضائية حول الحضانة أو الزيارة مع زوج معنِّفٍ أو لأولئك اللاتي تتوقعن الدخول في معركةٍ قضائية كهذه.

المعتقدات المركزية المُحرِّكة لِلإرهابي هي:

  • ليس لديك الحق في مخالفتي. حياتُكِ بِيَدي.
  • النساء كائناتٌ شريرة ويجب إرهابهن باستمرار لمنع هذا الشر من الظهور.
  • أفضّل الموت على القبول بحقِّكِ بالاستقلال.
  • الأطفال أحد أفضل الأدوات الممكن لي استخدامها لإخافتك.
  • أجد إثارةً وَرِضى في رؤيتكِ مذعورة.

المُعنِّف المريض نفسيًا أو المدمن

هذا التصنيف الأخير ليس منفصلًا عن الآخرين واقعًا، فيمكن لرجلٍ معنِّف منتمٍ لأي من الأشكال المذكورة أن يكون لديه مشاكل نفسانية أو مشاكل في إساءة استخدام العقاقير، رغم أن الأغلبية لا تعاني من هكذا مشاكل، وحتى حين يكون المرض النفسي أو الإدمان عاملًا، فهو ليس سبب تعنيفِ هذا الرجل لشريكته، لكنه قد يزيد من حدة مشكلته ومقاومته للتغيير، وحين تكون هذه المشاكل الإضافية حاضرة، من المهم التنبه للنقاط التالية:

  1. يمكن أن تزيدَ بعض الأمراض النفسية من خطورةِ المعنِّف أو ميله لاستخدام العنف الجسدي، وذلك يتضمن جنون الارتياب، والاكتئاب الحاد، والأوهام أو الهلوسة (الذهان)، واضطراب الوسواس القهري، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (المعروف باسم الاعتلال النفسي أو الاعتلال الاجتماعي)، وقد تجعل هذه الحالات النفسانية التغيير أقرب إلى المستحيل، على الأقل حتى يُتحكَّم بالمرض النفسي عبر العلاج النفساني والعقّار أو كليهما، مما قد يأخذ سنينًا. وحتى لو عولِجَ المرض النفسي بِفَعالية، لا يعني ذلك بالضرورة أن تعنيفه سيتغير.
  2. أثُر مداومة المعنِّف على الأدوية أو تركها لا يمكن توقعه، فيجب أن تتخذ المرأة التي تتعامل مع معنِّف كهذا احتياطاتٍ أكبر لسلامتها في هذه الفترات، والمُعنِّفون يميلون لترك الأدوية بعد فترة، طالت أم قَصُرَت – ولكن مرَّ عليّ بضعة عملاءٍ استمرّوا بأخذ الأدوية وتحملوا مسؤولية ذلك على المدى الطويل. فهم لا يحبون الآثار الجانبية، وهم أكثرُ أنانية من الاهتمام بِتداعيات مرضهم النفسي على شريكاتهم أو أبنائهم.
  3. يجب تقييم الخطر الذي قد يشكِّلُه معنِّفٍ مريض نفسيًا بالنظر إلى أعراضه النفسانية إلى جانب حِدّة سماته التعنيفية. فالنظر إلى أعراضه النفسانية وحدها قد يؤدي للاستهانة بخطورته.
  4. ليس اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع حاضرًا إلا في نسبةٍ صغيرةٍ من المعنِّفين لكن له أهميته إن حضر. فأولئك الذين يعانون من هذه الحالة يفتقرون للضمير، وبالتالي ينخرطون بتكرار في سلوكياتٍ تُضِرُّ الآخرين، وبعضُ المؤشرات على هذه الحالة هي: (أ) انخرط في سلوكياتٍ غير قانونية عندما كان مراهقًا، (ب) وسلوكهُ العدواني أو المخادع يتضمن أوضاعًا غير متعلقة بشريكته، بدلًا من الاقتصار عليها، (ج) ويدخل دوريًا في مشاكل في العمل أو غيرها من السياقات بسبب السرقة، أو التهديد، أو رفض اتباع التعليمات ومن المرجح أن يكون لديه سجلٌّ إجراميٌّ معتبر قبل سنّ الثلاثين، رغم أن جُنَحه قد تكون غالبًا صغيرة، (د) ولديه افتقارٌ حاد ومزمن لِحسّ المسؤولية بشكلٍ يعطب حياة الآخرين ويضعهم في خطر، و(ه) يميل لخيانة النساء باستمرار، وخلق الفتنة بينهن، والحفاظ على علاقة سطحية معهن. فالعنف الجسدي الذي يمارسه المعتل نفسيًا ليس شديدًا بالضرورة، خلافًا للصورة الشائعة، لكن ذلك لا يقلل من خطره. يصعبُ جدًا تغيير اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع من خلال العلاج النفساني، ولا يوجد عقارٌ فعال لعلاجه، وهو يتوافق كثيرًا مع التعنيف تجاه النساء.
  5. لدى الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية تصورٌ للذات لا يماثل الواقع أبدًا. إنهم عاجزون عن القبول بأن لديهم عيوب، وبالتالي عاجزون عن تصور كيف ينظر لهم الآخرون. وهذه الحالة متوافقة جدًا مع التعنيف، رغم أنها ليست حاضرة إلا في نسبةٍ صغيرة من الرجال المعنِّفين، والقرائن التي تشير إلى وجود هذا الاضطراب تتضمن: (أ) تمركز حادٌّ جدًّا على الذات، ولا يقتصر ذلك على الحالات المتعلقة بك، (ب) ويبدو أنه يربط كل شيء بنفسه، (ج) ويثور غضبًا لو انتقده أي أحد، وهو عاجزٌ عن رؤية نفسه إلا كشخصٍ لطيف وكريم. هذا الاضطراب مقاومٌ جدًا للعلاج النفساني ولا يمكن معالجته بالعقاقير، والمعنِّف الذي يحمل هذا الاضطراب لا يمكن تغييره تغييرًا جوهريًا من خلال برنامج المعنِّفين حتى، رغم أنه يقوم بتحسينات بسيطة.
  6. يَرغبُ العديدُ من المعنِّفين من غير المعانين من الأمراض النفسية دفع النساء للاعتقاد بأنهم يعانون منها، لأجل التنصل من مسؤولية أفعالهم وسلوكياتهم.

لا تتسبب إساءة استخدام المواد، مثلها مثل المرض النفسي، بتعنيفِ الشريكة، لكنها يمكن أن تزيد احتمال العنف الجسدي. ومثل المعنِّف المريض نفسيًا، لا يتغيّر المعنِّف المدمن إلا إن تصدى لإدمانه، وحتى إن فعل ذلك فهذه ليست إلا الخطوة الأولى. ينظر الفصل 8 في الدور الذي يؤديه الإدمان في تعنيف الشريكة.

المنظورات المركزية المُحرِّكة للمعنِّفين المريضين نفسيًا أو المدمنين هي نفسها التي لدى غيره منم المعنِّفين ومن الأرجح أنهم سيتبعون نسقَ أحد الأشكال التسعة الموصوفة أعلاه. بالإضافة إلى ذلك، يرجح وجود بعض السمات التالية:

  • بسبب مشاكلي النفسانية أو الإدمانية، أنا لست مسؤولًا عن أفعالي.
  • لو ساءلتِني بشأن تعنيفي، فأنت تتعاملين معي بخسة، نظرًا لهذه المشاكل الأخرى. ويكشف لي ذلك أنّكِ لا تفهمين هذه المشاكل.
  • أنا لستُ معنِّفًا، أنا فقط . . . مدمن كحول، أو مدمن مخدرات، أو مصاب بالهوس الاكتئابي، أو ابنٌ بالغٌ لمُدْمِنيَ كحول (أو مهما كانت حالته).
  • إن ساءلتِني، فذلك سيفعِّل إدماني أو مرضي النفسي، وأنت مسؤولةٌ عما سأفعل.

رغم أنني ركزت على أشكال التعنيف العاطفي لأشكال المعنِّفين المختلفة، فأي واحدٍ منهم قد يستخدم العنف الجسدي، بما في ذلك الاعتداء الجنسي، ورغم أنَّ الإرهابي والشاويش خصّيصًا هما الأَمْيَل إلى أن يشكِّلا خطرًا، فهذا الميل لا يقتصر عليهما، فالعديد من المعنِّفين يستخدمون العنف الجسدي أو التهديدات من حينٍ لآخر لإخافتك حين يشعرون بأنهم يفقدون سلطتهم عليك أو تحكمهم بكِ. العنف بالنسبة لهم هو «الورقة الرابحة» التي يستخدمونها حينما لا توصلهم أنساقُ التعنيف النفساني الاعتيادية إلى درجة التحكم التي يشعرون أنهم مستحقون لها. فإن كنت محتارةً من مقدار خطر شريكك، أنظري قسم «هل سيتجه إلى العنف الجسدي؟» في الفصل 6 وقسم «تَرْك المعنِّف بأمان» في الفصل 9.

نُقَط تتذكرينها

  • يوجد تنوّعٌ كبير بين أشكال التعنيف. قد يكون شريككِ المعنِّف يتبع شكلًا لم أقابله بعد، لكن ذلك لا يجعله غير معنِّف. والعديد من الرجال يمزجونَ جوانبَ مختلفة من هذه الأشكال.
  • قد يتغير المعنِّف من يومٍ ليوم حتى لا ينتمي لأي من هذه الأشكال. فالمعنِّف على هذه الشاكلة يعسر توقعه، حتى أن شريكته تعجز عن إدراك هذا التي تعيش معه.
  • يمكن لأي معنِّفٍ من أي شكلٍ أن يكون مُحِبًّا، مهتمًا، ومُنصتًا في بعض الأيام. وفي هذه الأوقات، قد تشعرين أن مشكلته رحلت أخيرًا وأن العلاقة ستعود إلى بدايتها الزهرية، لكن التعنيف دائمًا ما يعود في النهاية، إلا إن تصدى المعنِّفُ لعُنفِ نفسه.

العودة إلى قائمة المحتويات:​

كتاب: نظرة داخل عقول الرجال المتحكِّمين والمعنِّفين

Skip to content