«ألا ترى الأفق في متناولك؟»

«ثمة كذبة جديدة تباع لنا باعتبارها حقيقة تاريخية، إنها كذبة هزيمة اﻷمل، كذبة هزيمة الكرامة، كذبة هزيمة اﻹنسانية» – القائد الأدنى ماركوس، دعوة إلى اجتماع قاري ضد النيوليبرالية (يناير/كانون الثاني) 1996. 

إن الكذبة التي تحدث عنها القائد الأدنى ماركوس، المتحدث الرسمي باسم الزاباتسيتا، تتضمن أكذوبة فصل ثورات «الربيع العربي» عن السردية التاريخية اﻷكبر واﻷهم التي نمت فيها ونضجت، وهي مسيرة الحركة العالمية لمناهضة العولمة، فعادة ما تقدم ثوراتنا باعتبارها حدث شديد الفرادة وقع ضمن سلسلة أحداث أكثر محلية تخص منطقة «الشرق اﻷوسط» وحدها، حتى كدنا ننسى أن كثير من شعوب العالم انتفضت في بدايات العقد الماضي كما انتفض العالم العربي.

يمكننا استكشاف إحدى الخطوط العامة لهذه السردية في بدايات تشكل المجموعة المصرية لمناهضة العولمة (أجيج) بعد انضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية المنشأة حديثًا والتزامها باتفاقياتها النيوليبرالية وتزامنًا مع صعود الحركة العالمية نفسها وانتشار نضالاتها وانتصاراتها حول العالم مثل تحرير جيش زاباتيستا ﻹقليم تشياباس في 1994 ومظاهرات سياتل ضد قمة مجموعة الثماني عام 1999، فقد ترجم أعضاء المجموعة المصرية ما وجدوه من أدبيات تهاجم العولمة من مصادر في كراسات صغيرة من أجل رفع الوعي الجماهيري ضد العولمة وسياساتها باﻹضافة إلى تضمين تحليلهم ﻵثار العولمة على الاقتصادات المحلية، ثم أصبحت تلك المجموعة فيما بعد نواة مؤسسي الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي نظمت حركة المعارضة ضد المباركية طوال فترة اﻷلفية في الصحافة والشارع حتى أخرجت لاحقًا حركة 8 إبريل، تلك الحركة التي مهدت بنشاطها الانتفاضي لثورة يناير المصرية.

ربما ما يعلمه القرّاء جيدًا أن حركة (كفاية) المصرية أتت بعد انكسار الحركة العالمية لمناهضة العولمة بسبب موجة الحرب على اﻹرهاب التالية ﻷحداث 11 سبتمبر واحتلال دول «التحالف» ﻷفغانستان والعراق، لكن ما يجهله البعض هو أن اسمها مستلهم من نفس النداء الزاباتي «كفى!» (¡Ya Basta!) الذي أطلقه جيش زاباتيستا (المسمّى تيمّنًا بإيمليانو زاباتا، أحد أبرز القيادات الفلاحية للثورة المكسيكية لعام 1910) واجتذب انتباه العالم في رأس السنة عام 1993 بإعلانه الحرب ضد الحكومة المكسيكية في إقليم تشياباس ردًّا على تطبيق اتفاقية التجارة الحرة ﻷمريكا الشمالية (نافتا)، ووصل ممثلوه في مثل هذا اليوم عام 2001 بعد جولة 3000 كيلومتر بين ولايات المكسيك إلى العاصمة مدينة مكسيكو، ليستقبلهم جمعٌ تعداده تجاوز المئة ألف، بغرض دفع السلطات للإقرار بمعاهدة سان أندريس دستوريًّا. لم تكن تلك “نهاية الزلزال” كما أشار ماركوس في كلمته للجماهير المتجمّعة في ساحة زوكالو، بل استمر نشاط الجيش واتسع ليتعاون مع مختلف الحركات السياسية في المكسيك وخارجها.

إن هذه الصلات بين الثورة الزاباتية والثورات العربية ليست محض صدفة، بل هي عميقة الجذور في تربة المقاومة اﻷممية ضد الهجمة النيوليبرالية على اﻹنسانية. إنها تبدأ بسخرية ماركوس من عادة قادة العالم الثالث (ونتذكر هنا القادة العرب) بنعت أنفسهم بلقب القائد اﻷعلى، ولا تنتهي بتمركز خطاب الزاباتيستا حول الكرامة واﻷمل، فاﻷولى تمثل قيمة محورية في هويتنا العربية، وأما الثانية فهي أشد ما نحتاج إليه اﻵن. في الذكرى العشرين لمسيرة جيش زاباتيستا إلى العاصمة، يمكننا أن نرى في النصر الذي صنعه مئات اﻵلاف من المكسيكيين في تشياباس وتنظيمهم ﻷنفسهم في كوميونات فيدرالية تحررية قائمة إلى اليوم إلهامًا عظيمًا لنا، وما النصوص التي بين يدينا اﻵن إلا مادة جيدة لتعلم اﻷمل.

– حسين الحاج

مقدمة التحرير: الانتفاضة الزاباتية في سياقها التاريخي

كان من الطبيعي أن يستلهم المنتفضون والمنتفضات في أرياف الجنوب المكسيكي من الحركة الزاباتيّة الأولى، إنما هذه المرة بأيديولوجية أوضح ومعاداةٍ صريحةٍ للرأسمالية كمنظومة

الإعلان الأول من غابة لاكاندون، أعلن فيه جيش زاباتيستا للتحرير الوطني الحرب على الحكومة المكسيكية في يوم تفعيل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا، التي فتحت أبواب البلاد لرؤوس الأموال الأجنبية ولخصخصة الثروات الوطنية ونهب مشاعات المجتمعات الفلّاحية.

الإعلان الأول من غابة لاكاندون، اليوم نقول: كفى يعني كفى! (1994)

نحن ورثةُ البنّائين الحقيقيين لهذه الأمة. أيها المحرومون، أعدادنا تبلغ الملايين، ولذا نناشد إخوتنا وأخواتنا لخوض هذا النضال معنا كالسبيل الوحيد لتجنّب الموت جوعًا لإشباع شهية دكتاتورية مطامعها لم تعرف الشبع طوال 70 عامًا، تقودها شلّةٌ من الخونة التي لا تمثل إلّا أشدّ الفئات محافظةً وخيانة

إحدى رسائل نائب القيادة ماركوس، المتحدث باسم جيش زاباتيستا للتحرير الوطني في ولاية تشياباس جنوب المكسيك، أعقاب انتفاضة جيش زاباتيستا للتحرير الوطني في اليوم الأول من 1994 أعلن فيها الحكم الذاتي للعديد من القرى في جبال تشياباس التي يقطنها السكّان الأصليّون، يرد في هذه الرسالة على قول الحكومة الفيدرالية أنها مستعدة للعفو عن عناصر جيش زاباتيستا.

على من أن يطلب العفو، ومن له أن يعفو عنه؟ (1994)

عَلَامَ نعتذر؟ وعلامَ سيُعفى عنّا؟ هل لأننا لم نَمُت من الجوع؟ أم لأننا لم نقترف جريمة الصمت على الذل الذي نحن فيه؟ أم لأننا لا نركع إستسلامًا في وجه ما حُمِّلناه من عبءٍ تاريخيٍّ مهولٍ من احتقارٍ وإهمال؟ أم لأننا اخترنا الكفاح المسلّح سبيلًا بعد أن أُقفِلت بوجهنا كافة السُبل الأخرى؟

بعد أكثر من عشر سنوات من بداية التمرد الزاباتي في ولاية تشياباس، أصدرت القيادة العامة لجيش زاباتيستا الإعلان السادس لغابة لاكاندون، وهو عبارةً عن مانيفستو تشرح فيه رؤية الجيش للمكسيك وللعالم ودور الجيش فيها.

الإعلان السادس لغابة لاكاندون (2005)

ما نريده في العالم هو أن نخبر كل مقاوِم ومقاومةٍ بطرقهم الخاصة في بلدانهم: لستم وحدكم، فنحن، الزاباتيستا، رغم قلّتنا، نؤيدكم، وسننظر في طرق إعانتكم في نضالكم ونتحدث إليكم لكي نتعلم، لأن ما تعلمناه هو – واقعًا – ضرورة التعلّم.

ألقى القائد الأدنى ماركوس هذه الكلمة أمام أعضاء «منظّمة الفلاحين والسكّان الأصليين» في مدينة توكسبان بولاية خاليسكو المكسيكيّة في مارس/آذار 2006 ونشرته صحيفة «لاخورنادا» المكسيكيّة اليساريّة.

صندوق الأحلام الجميلة (2006)

حذرتنا الآلهة: الخطر الأكبر ليس الغشّ والخداع، بل الظنّ بأنّ وضع الرجال والنساء أبديٌّ لا سبيل لتغييره.

الجزء السادس  من سلسلة إصدارات جيش زاباتيستا للتحرير الوطني التي بدأ إصدارها في 2020 وانتهى في الشهر الأول من 2021 تشرح فيها أهدافها في المرحلة الحالية وما تنوي عمله خلال الأشهر الجارية.

الجزء السادس: جبل في أعالي البحار (2020)

يبدو أن «الحضارة» تبشّرنا نحن الشعوب الأصليّة: «إن الدليل على تخلّفكم يكمن في انخفاض معدل قتل النساء عندكم! عليكم بالمشاريع العملاقة والقطارات والمحطات الكهروحرارية والمناجم والسدود والمراكز التجارية…ولن تكفي أرضكم أو ثقافتكم أو كرامتكم لسدادِ دَين كل هذا الدعم التقدّمي الذي نوفره لكم، بل عليكم مشاركتنا في القيام بهذا الواجب: عليكم القضاء على حياة نسائكم!»

Skip to content