لينا بن مهنّي: السجون والسياسة الجزائرية والتونسية

كلمة افتتح بها الصّادق بن مهنّي فعاليات اليوم البرلماني الّذي نظّمه التيّار الديمقراطي يوم الأربعاء 19 ماي 2021 تحت عنوان «السّجون والسّياسة الجزائيّة التّونسيّة» وأطلق عليه اسم لينا بن مهنّي.

يوما طيّبا وأعمالا فعّالة وناجعة!

ومن لينا لكم أجمل التّحايا.

فلينا السّاعة ترفرف بيننا ببسمتها الرّقيقة الّتي لطالما وحّد سحرها بيننا.

لينا تحيّيكم جميعًا: منظّمي هذا اللقاء، والمشاركين فيه بمختلف صفاتهم (النّوّاب وأهل الإعلام وناشطي وناشطات المجتمع المدنيّ والضّيوف) ومحبّيها ومحبّاتها الحريصين على استمرار ذكرها والوفاء لمسارها والرّبط وثيقًا مع نضالاتها التي لم تتوقّف عند قضيّة أو مسألة أو موضوع بل تعدّدت واتّسعت.

وإنّني لسعيد – وكذلك أمُّ لينا وأخوها وسائر عائلاتنا – لأنّ أحبّة لينا قد أفلحوا/أفلحن في التّغلّب على كلّ العراقيل، وهي كثيرة ومتشابكة تجعل المتصدّي لها يحسّ نفسه ومرافقيه في نزال، حتّى أنّه يحدث له أن يشكّ إن كنّا، حقيقة، في تونس الّتي ابتدعت بل أبدعت ثورة…قلت: أفلحوا/أفلحن في أن يضعوا/ يضعن اللبنات الأولى لجمعيّة لينا بن مهنّي. وباسمهم جميعا أؤكّد لكم أنّ هذه الجمعيّة ستكون – على غرار لينا – متفتّحة وموحّدة ونشيطة وشديدة التحدّي ومقدامة ونصيرة لجميع الحقوق وكلّ الحرّيات…

العزيزات والأعزّاء!

لن أدخل في تفاصيل الموضوع – ذي المسألتين الأساسيتين – فأنا على يقين أنّ المداخلات المبرمجة والإثراءات كافية تمامًا وزيادة لتفتح أعيننا واسعة ومميّزة على واقعنا التّشريعيّ والقضائيّ البائس وتطلع من لم يطّلع بعد منّا على قصور وتعنّت سلطات تنفيذيّة متهافتة. بل إنّني سأكتفي بإلماعات وإشارات أستحضرها من نقاشاتي مع لينا أو هي قد همست بها لي من عليائها

وبما أنّنا اليوم نتحدّث عن السّجون والمسألة الجزائيّة فأنا أراني أندفع لأستنير بضحكة من ضحكات لينا الّتي يذكرها كلّ من عاشرها، ضحكة شهدتها معي السيّدة مديرة المنظّمة العالميّة لمناهضة التّعذيب: دخلنا حبس حربوب – وهو من أبشع سجون هذه البلاد ضيقًا وعفنًا ولا يمكن أن يكون إلّا كذلك فالإصلاح أيّا كان لا يستطيع أن يفلّ فيه – أسرّ عون في أذني: «صائفة 2014 كادت لينا تنزل لدينا». وعرض عليها أن يريها المكان الذي كان خصّص لها. لكنّها صدّته وقالت: «جئت لأبثّ الفرح وأبعث الأمل وأفتح أبوابًا للمعرفة فلا تنكّد عليّ سعادتي بذكرى اعتداء ما يزال يلاحقنا بل إنّه حوّلني من معتدى عليّ إلى معتدية».

ولمن يريد أن يتأمّل بعمق في ما حكيته أنصح بالبحث ضمن تراث لينا عن صورة لها وإيّاي نجلس على مقعد خشبيّ ونضحك طربًا فيما نشير إلى المكتبة الصّغيرة الّتي أحدثتها البعثة الّتي جئنا ضمنها. ولجميعكم ولكلّ من له علاقة بالقضاء في بلادنا أذكر أنّ قضيّة الاعتداء على لينا وأسرتها بجربه ذات سبت من أوت 2014 ما تزال جارية وأنّ الإفلات من العقاب بل والادّعاء بالباطل معه ما يزالان عنوان القضيّة. وكان من المفترض أن نتنقّل غدًا إلى مدنين لنحضر إحدى حلقاتها… ولتلاحظوا هنا كم تطول إجراءاتنا وقضايانا ومحاكماتنا.

ولأصحاب القرار على مستوى وزارتي العدل والدّاخليّة أقول: لا يمكنكم أن تنسوا أبدا أنّكم أقررتم بالاعتداء وأنّ الاعتداء حصل في حرم منطقة تابعة لكم وأنّ لينا كانت قبل الاعتداء وعند الاعتداء وبعد الاعتداء تحت حمايتكم (إن صحّ تسمية هذه حماية!) وبقرار منكم وليس بمحض اختيارها.

وعلى هذا أضيف، وأنا أذكر الدّاخليّة، إنّ ملفّاتكم ولا بدّ تثبت أنّ اعتداءات بعض من مأموريكم على لينا قد استمرّت حتّى بعد الثّورة كما في 2012 وفي أفريل المعتّم وإنّ الاعتداء الحاصل عليها في جربه هو، قبلًا، اعتداء عليكم وعلى تراتبيتكم وانضباطكم. وكي أسهم في تيسير الأمر عليكم أشير عليكم بأن تقرؤوا تقرير تفقّديتكم. 

أمّا وأنا أذكر العدل فيلحّ عليّ سؤال بسيط: كيف لا تفلحون في استقدام متّهم أو شاهد – وهو موظّف دولة مباشر ويرقّى—سنوات طويلة ثمّ تحكمون عليه غيابيًّا حكمًا خفيفًا وبعدها تنفتح له الأبواب ويعترض والأرجح أنّه يبرّأ أو يحصل على عقاب مخفّف جدّا.

ناقشت مع لينا أكثر من مرّة مسألة العفو أو المسامحة وموقفي الرّافض للتّعويضات وكيف أنّني وإن كنت أنشد اعتراف الجناة لا أبتغي السّجن لأحد. وعلى طول الخطّ كنّا – لينا وأنا – متّفقين حول هذه المسألة. لكنّه حصل لها أن سألتني مبتسمة: «لماذا يا الصّادق كثيرًا ما نسمع أناسًا عذبوا وسجنوا واعتدي عليهم يؤكّدون مسامحتهم وعفوهم وتعفّفهم عن التّعويضات ولا نسمع البتّة عن قضاة بأصنافهم ومسؤولين أمنيين وساسة يقرّون بخطيئة ويعتذرون؟».

وأنا أحيل هذا التّساؤل إلى كلّ المعنيين به.

أسمع لينا تهمس لي: «يا الصّادق، علّمتني التّجاوز والإيجابية والتّفاؤل».

وأفهم أنّها تتواضع وهي تقصد ما تعلّمته أنا منها: وجوب أن لا نكتفي بالتّشهير والفضح والتّنديد وأن نمضي من ردّ الفعل إلى الفعل.

وها أنّي، وإن في عجلة، أذكر بعض أفعال وأعمال أقترح عليكم أن تفكّروا فيها. وهذه المقترحات هي في الواقع في أغلبها مستمدّة من حواراتي الأخيرة مع لينا.

1. يتّفق أغلب أهل الذّكر على أنّ مراجعة المجلّة الجزائيّة ومجلّة الإجراءات الجزائيّة وإصلاحهما بما يتوافق ومقتضيات الدّستور الجديد هما أمر لا بدّ منه وأنّ الإبطاء فيه هو أصل عديد المشاكل (كالشّطط في الإذن بالإيداع وكميل بعض القائمين بالضّابطة العدليّة إلى التعسّف أو التسرّع وكاكتظاظ السجون وعسر اللجوء إلى العقوبات البديلة).

فلماذا لا يلتزم مجلس النوّاب بأجل معيّن للنّظر في مشروع المراجعة الّذي أنجز؟

2. ولماذا لا يختار القضاء قضايا قديمة أو حتّى جارية وصمت بتناقضها مع مبادئ الإنصاف ويعيد النّظر فيها ولو رمزيًّا؟

3. ولماذا لا تتضافر جهودنا للتّخفيف على سجينات يعانين الأمرّين فنسند جمعيّة لينا بن مهنّي في سعيها المقرّر إلى تمكين السجينات المحتاجات من حفّاظات صحّية؟ لقد كانت هذه من أهداف لينا التي بدأت في الإعداد لتنفيذها فلماذا لا نهديها هذا الإنجاز؟

4. ولماذا لا ندعم جميعًا ما شرعت فيه لينا أيضًا من توسيع حملات إدخال الكتب إلى السّجون لتشمل المساجين واللاجئين العرب بالضفّة الأخرى؟

5. وأخيرا لماذا لا يصدر مجلس النوّاب قانونًا أو حتّى بيانًا يحرّم تحريمًا باتًّا التّعذيب والمعاملات الحاطّة والمسيئة ويلزم السلطة التنفيذية باحترامه؟ 

6. ومتى يطلق سراح الشباب المعتقل منذ جانفي الفارط ونجد حلًا لمآسي تقتيل نسائنا ونضع حدًّا لسوء استغلال النفوذ والسّلاح؟

أعتذر عن الإطالة وأكتفي بهذا.

Skip to content