آلاء الصديق: مناضلة، صديقة

لا أود كتابة هذه الكلمات، لأن فيها إقرارًا بأن ما حصل حصل، لا أود القول إننا فقدناها…

أود لو حدثنا الناس عن إخلاصها، عن تفانيها، عن التزامها، عن صدقها، عن تعاملها، عن أنها رسمت لنا معالم طريقٍ للعدل والإنصاف… عندما كانت بيننا.

قابلتُ آلاء لأول مرة قبل سنتين تقريبًا في مقر «القسط لحقوق الإنسان» حيث أعمل. لم أكن أعرف من هي، وعادةً ما أحاول التزام الصمت تجاه الأشخاص الجدد، بحكم الوضع الأمني، حتى أعرف من هم وما إذا كانوا أهلًا للثقة، ويبدو لي أنها هي أيضًا تعتمد نفس المنهج. في صفّ الطاولات المكتبية الوحيد في المقر، اتخذت الطاولة الشرقية مكتبها، فافترضت أنها ستعمل معنا كمصمّمة بحكم أن هذا هو مكتبُ المصمم، ليتبين لي لاحقًا أنها، بالإضافة لكونها مصممة رائعة، فهي قادرة ومستعدة للقيام بمختلف المهام، وما لم تكن تقدر عليه كانت تسارع بتعلمه لتقوم به، فتنوع دورها وتوزع، حتى شعر فريق العمل بضرورة رفع بعض المهام عن كاهلها.

يندر أن تقابل شخصًا مثل آلاء، متسامحةٌ مع أصدقائها وزملائها، لطيفةٌ في تعاملها، مستقلةٌ في فكرها، مخلصةٌ في عملها، صادقةٌ في إيمانها، ملتزمةٌ بإنصاف الآخرين، حتى من عاداها أو استنقص منها، واثقةٌ بنفسها وبمعرفتها ومدركةٌ لحدود تلك المعرفة وعلى أتم الاستعداد لسؤال الناس والإنصات لهم والتعلم منهم…

يسهل علينا، نحن من نسعى لخوض طريق الإصلاح والتغيير، أن ننزلق في أَحدِ منحدرين على جانبيه، منحدرُ الاعتداد بالنفس، والاعتقاد أننا نعرف أي شيء وكل شيء، ومنحدرُ التبعية الكاملة لمن نراهم أعلى منّا مرتبةً، بل ولعلهما منحدرٌ واحد، ولعل التبعية العمياء والغرور المستفحل تعبيران عن الحس نفسه تجاه العالم والناس: نحن نسلك طريق الحق البَيِّن، وكل من يتساءل أو يشكك من الناس، فهو إما ضالٌّ أو مُضِلٌّ.

آلاء تحمل معرفة واسعة، لكنها لأنها لا تتحرج من السؤال والتساؤل، من الخوض في النقاش والدفاع عن أفكارها فيه، من الإفصاح عن أنها لا تعرف الشيء إن لم تكن تعرفه، ومن السعي وراء تلك المعرفة…

آلاء عندما تستفسر عن شيء، عن قضية ما، سيتضح لك سريعًا أنها لم تسأل فضولًا فحسب، بل سألت لأنها تود أن تعطي القضية حقها في عملها، وأن تعرف عن القضية وتعرف عما يمر به أهل القضية لكي تفهمهم، وتعرف كيف تتحدث إليهم وعنهم، وكيف تنصفهم في نشاطها.

آلاء صاحبةُ مبدأ. آلاء صديقة…

آلاء، سعى ظلّامها بعد أن حرموها من وطنها ومن لقاء أبيها، أن يمنعوا عنها الشعور بالأمن والسعادة أينما كانت، لكنها لم تسمح لهم بذلك، لم تسمح لهم بأن يحرموها من حقها في البهجة والفرح، فأشاعتهما فيما بيننا…

عندما توارد خبر رحيلها، جاورته الكثير من التساؤلات. كلنا كنا نبحث عن سبب، عن متسبب، عن طرفٍ استقصد حرماننا منها. وكأننا نود أن نضفي معنىً محددًا على لحظة مفارقةِ روحها دُنيانا، معنىً يسهّل علينا هذا الفراق.

سرعان ما تبيّن أنّ «لا شبهة جنائية»، لتواجهنا اللغة الباردة، وتذكّرنا أن الموت هكذا يباغتنا، لا ينتظر لحظةً ذات معنىً يستخلصهُ منها من بقيَ منّا…

لكن لحظة رحيل آلاء ليست خُلاصة حياتها لكي نحاول أن نضفي عليها معنىً ليس فيها، بل من الإجحاف بحق آلاء أن نلّخصها أو نختزلها بأي لحظةٍ من لحظاتِ حياتها، وبأي جانب من جوانبها، فما قَدَّمتُه لنا بِعَملها وبِحضورها ووجودها من معنىً، كافٍ لنستأنس به في هذا الطريق الموحش…

وما أكتبه هنا هو ما خبرته منها، هو جزء فقط من آلاء، وليس بأي حالٍ آلاء كلّها. أثرٌ واحد من آثارٍ تركتها فينا…

Skip to content