يجب أن ندافع عن رهف القنون

ظهرت رهف القنون يوم الأحد في بث مباشر مع «إيروس» وفيصل بن ناصر، أجابت فيه عن أسئلة عن حياتها الشخصية والجنسية، عن عدم خجلها عما سُرِّبَ من محتوى إباحي خاص بها بعد اختراق جوالها، بل عن كونها فخورة بمحتوىً عبرت فيه عن نفسها، عن كونها—وهي وقتها «سكرانة» كثيرَ الشيء كما قالت، بل وطلبت من فيصل زجاجة بيرة «كورونا» أثناء البث—كانت «تتـ*ـاك أسهل» في السعودية من في كندا، مما أثار ضجةً في شبكات التواصل الاجتماعي، وجزعًا حتى عند بعض مدَّعي ومُدَّعيات مناصرة حقوق المرأة، لأنها على ما يبدو أضرَّت بكلُّ النساء.

كيف حدث ذلك؟

رهف التي هربت من السعودية، من قمع وكتم وتهميش وُعنف المنظومة الأبوية في السعودية، وطاردتها الدولة بالنيابة عن أسرتها وعاشت الجحيم قبل أن تمنحها كندا اللجوء، أضرَّت ببقية النساء لأنها…لم تستمر في حياةٍ من القمع الذاتي والتكتم وإسكات الذات، «مراعاةً لبقيّة المقموعات».

من يقول أو تقول: أنا أعتقد أن ذلك من حقها، وأن الحقوق مكفولة للجميع…لكن ما تقوم به استفزاز لـ «المجتمع»، بل هو «فعلٌ أناني» يضرُّ تحديدًا بمن يسعين للهرب من أسرٍ قمعية، بل وقد يُستخدَم كدليلٍ للتشديد من التقييد عليهن خوفًا مما قد ينتج عنه الهرب، ففعل رهف هذا يحرجنا، فكيف لنا أن نرد على التهم بأن هؤلاء لا ترغبن إلا بالانحلال و«الشرمطة» والبويفريندز والشراب…إلخ؟

أولًا، من هو هذا «المجتمع» الذي يُستفزُّ استفزازةَ رجلٍ واحد؟ أنا وأنت، وآلافٌ غيرنا تَقبل بحق الإنسان بالتصريح بمعتقداته، ألسنا جزءً هذا المجتمع؟ أم أننا سنقبل زعمَ أكثر فئات المجتمع رجعيةً بأننا مارقون عن «المجتمع»، وأنها هي الممثل الشرعي والوحيد لمجتمعنا؟

ثانيًا، أَلَم تسبق رهف عشراتٌ أخريات «استفزت» هذه الفئة؟ لربما أبرزهن لجين الهذلول، عندما قالت «ماني متغطية وأسلوبكم الزبالة موب نافع بي»، وعندما خالفت منع القيادة، وكان يُستشهَد بها كـ «دليل» على الفساد والانحلال الذي يؤدي له الابتعاث، بعد سنينَ طويلة من تخريفات رجال الدين عن قصص «يندى لها الجبين» عن المُبتعَثَات. هؤلاء يكذبون ويبتدعون الخراريف من مخيّلتهم لتبرير قمعهم، هذا «الدليل» لا يعني شيئًا.

ثالثًا، حتى لو قبلنا بالزعم بوجود ضررٍ ناتجٍ من هذا، فمن يتخوف من هروب بنته من تعنيفه إلى قارةٍ أخرى وطلبها اللجوء والعيش باستقلالٍ عنه، ويقيد بناته أكثر، ألن يكون سبب قيامه بذلك هو خوفه من هروب بنته إلى قارةٍ أخرى وطلبها اللجوء والعيش باستقلالٍ عنه؟ أم أنه لن يشدد عليها لو كان هدف هربها هو الهرب من التعنيف، وإن كان غير ذلك فسيشدد؟

يمكننا الرد على هذه «التهم» بسهولة، بالقول إننا كأناسٍ نعتقد بتكريس الحريات الشخصية والسياسية والاجتماعية، فإن البنت الهاربة، إن تبين أن هذه الحياة التي ترغب بها…فلا إشكال في ذلك.

يجب أن نكون على استعداد للدفاع عن كل ما يعنيه كل ما نعتقد به، لا أن نخجل باعتقادنا بشرعية ما تقوم به. إن دفاعنا عن رهف القنون هو دفاعٌ عن الحرية الشخصية لكل شخص، مهما كان الجندر، للتصرف بهذه الحرية، بمأمنٍ من أي تخويفٍ أو تلفُّظ أو ممارسةٍ ميسوجينية1الميسوجينية: هي كراهية النساء أو الفتيات والتحيز ضدهن. وتظهر الميسوجينية في المجتمع بأكثر من طريقة، مثل: التهميش الاجتماعي للمرأة، والتمييز الجنسي وإحتقار النساء، و المركزية الذكورية و النظام الأبوي. كما يمكن العثور عليها في الأساطير وبعض الكتب المقدسة والعديد من كتب الفلاسفة الغربيين. (المصدر: ويكي الجندر)، أو تهميشٍ أو تمييز، سواءً من جهة الدولة أو من الفئات المحافِظة والرجعية في مجتمعنا. هذا ما نعتقد به، وإن لم ندافع عن رهف، ليس هنالك ما ندافع عنه.

نقول إننا نحن نؤمن بأن ذلك من استقلاليتها الذاتية وعَيشها كإنسانة بالغة، عقلها في راسها، فإن أرادت إذهابه للحظة أو لساعة أو ساعتين فذلك حقٌّ لها، ولن نسمح بأن تُجبَر أو تُدفَع أي امرأةٍ سعودية أم غير سعودية للعيش في حالة خوفٍ وقمع حتى بعد مغادرة البلاد، فهذه حريتها، وكيفما تتصرفُ بها، سندافع عن حقها في ذلك!

Skip to content