إنهاء تهميش تقاطع العرق والجنس: نقدٌ نسوي أسود لعقيدة مناهضة التمييز، والنظرية النسوية، والممارسات السياسية المناهِضة للعرقانية (1989)

مقدمة الهامش:

شاع مصطلح «التقاطعية» (intersectionality) في الحركات النسوية في العقدين الماضيين. تُستخدَم التقاطعية غالبًا كتوصيفٍ لضرورة التصدي لكافة أشكال الاضطهاد وتقاطعاتها، وَكدعوةٍ لوضع أكثر الفئات حرمانًا في مركز التحليل، لكن دونَ تعريفٍ واضح لمعنى هذه الكلمة ومقصادها الأساسية.

يُنسَب المصطلح للمنظِّرة النسوية السوداء كيمبرلي كرينشو التي صاغته في نصها هذا المنشور عام 1989، لكن تاريخه المفاهيمي قديمٌ قِدَم الحركات النسوية. نتج الفهم التقاطعي من نزاعٍ بين قُطبيْ الحركات النسوية، قطبُ تياراتٍ نسوية مكتفية بتحصيل قوةٍ وسلطة لنساء النخبة، وقطبٌ مكون من مُختَلف التيارات النسوية الساعية للتفكيك الكامل لكافة منظومة العلاقات الأبوية والعلاقات الاضطهادية والاستغلالية المتداخلة والمتقاطعة معها.

ففي السياقِ الأمريكي، كما يتضح أدناه، يعود أقدمُ نص مدوّن يشير لِفَهم هذا التعقيد الكامن في العلاقات الأبوية لخطبةِ الناشطة النسوية المناهِضة للعبودية سوجورنر تروث. ألقَت تروث، التي وُلِدت في العبودية وهربت منها، خِطابًا ارتجاليًا عام 1851 عُرِفَ لاحقًا بِخطاب «أولستُ امرأة؟» في مؤتمر حقوق النساء. ألقتُه رغمَ محاولة رفيقاتها من النَسويات البِيْض إسكاتها لكي لا «تشتت» الأنظار عن «القضية المركزية» (الحق في التصويت)، وتقودها لقضايا «غير متفق عليها» مثل إنهاء العبودية.

سوجرنر تروثسوجورنر تروث

برز هذا النزاع مرةً أخرى في حركة تحرر النساءفي ستينات وسبعينات القرن العشرين، حيث نشأت تنظيماتٌ تحررية ونسوية رافِضة للاختزالية النخبوية للتنظيمات السائدة التي لم تُدِر بالًا لمختلف أشكال الاضطهاد والاستغلال وتقاطعاتها. من أبرز هذه التنظيمات تحالُف نساء العالم الثالث بجريدتها «الخطر الثلاثي: العرقانية، الإمبريالية، العنصرية الجنسية» التي حملت اهتمامًا بارزًا بالتضامن مع حركات النساء وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، ابتداءً بالنضال الثوري الفييتنامي ضد العدوان الأمريكي الذي أودى بحياة ما يقارب مليون فييتنامي، وحتى ثورة ظُفار ضد القمع السُلطاني بدعمٍ بريطاني، ومرورًا بالقضية الفلسطينية، وحتى دعم النضال التشيلي ضدّ إنقلاب بينوشيه؛ وتنظيمٌ آخر كان تجمّع نهر كومباهي المسمّى تيمُّنا بغزوة نهر كومباهي بقيادة هارييت تبمان التي أدت لتحرير 750 مستعبدًا. يُعتبَر بيانُهنّ التأسيسي «بيان نسوية سوداء» (1977) محطّةً أخرى في طريق تأسيس مفهوم التقاطعية، حيث تحدَّثنَ فيه الأوضاع التي استلزمَت تكوين تنظيماتٍ كهذه، تلخّصها مقولة الكاتبة النسوية السوداء ميشيل والاس المُقتَبسة في البيان: «لكوننا في القاع، علينا أنْ نقوم بما لم يقم به أحد من قبل: علينا أن نحاربَ العالم بأكمله».

صورة شعار تحالف نساء العالم الثالث: إسحقِ الرأسمالية، العرقانية، والعنصرية الجنسيةتحالف نساء العالم الثالث: إسحقِ الرأسمالية، العرقانية، والعنصرية الجنسية.

لربما يرتبط تطور هذا المفهوم في سياقٍ أمريكي بشكلٍ معين للاضطهاد العرقي، لكن الاستنتاج الذي يمثِّله – ضرورة فهم العلاقة التقاطعية لمختلف أشكال الاضطهاد، وبالتالي مختلف أشكال النضال ضدها – لا يمكن اختزالُه في هذا السياق أو في هذه البنية. ففي تشيلي، ونتيجةً لنزاعاتٍ داخلية قديمة ضد الاستعمار والإمبريالية، ضد الأبوية، ولاحقًا في النضال ضد الدكتاتورية العسكرية المدعومة أمريكيًا، تمخَّض مفهومٌ مقارِب، بمصطلح مختلف بعض الشيء: «تعدّدية القِطاعات» (multisectorialismo). لكونِه ناشئ عن سياقٍ مختلف، فهو يعبر عن الهموم المحلية للحراك النسوي والشعبي في تشيلي. يُقصَد به عادةً: تحليل علاقات التداخل بين مختلف القطاعات الشعبية وإرساء أسس التحالف والتضامن فيما بينها، والقطاعات الرئيسة هي: الحركات العمّالية، والحركات الطلّابية، والحركات المَناطقية، حيثُ يتداخل معها نضالِ شعوبُ المابوتشي الأصلية، وتتخلّلها النضالات النسوية ومناهضة الاستعمار والهموم البيئية، مع محاولةٍ لفهم أبعادِها في كل قطاعٍ على حدة، وفي تداخل هذه القطاعات.

تشهد تشيلي الآن حراكًا ثوريًا، في مركزه أكبرُ حراكٍ نسوي شعبي عالميًا. سنعودُ قريبًا بنصوصٍ من هذا الحراك النسوي، وغيره من الحركات الأخرى.

بدخول مصطلح التقاطعية الفضفاض الجديد في وسط صراعٍ داخلي عتيق، ليس من المستغرب أن يُصبَح هو نفسه محل نزاعِ هذه التيارات. فكما قالت كرينشو في خطبةٍ ألقتها العام الماضي في حفلٍ للذكرى العشرين لنشرِ هذا النص:

لا شكّ أن العديد . . . تفكرن بالتقاطعية في الأزمة الحالية، وما تحملها من إرث الإبادة والعرقانية والأبوية والإمبريالية في مجتمعاتنا، كتنبيه بضرورة إدراك الأبعاد المتداخلة لجوانب هذا الإرث في عملنا ضده. لكن هنالك تفسيراتٌ متنافسة تحاول ترويض وتشويه التقاطعية، بل ولومها أحيانًا على صعود اليمين السياسي والعنف الذي صاحب ذلك. (العريض مُضاف)

وتضيف واصفةً ممارسة النُخب هذه تجاه النضالات الشعبية:

قد تختلف ممارسات النخب هذه في التفاصيل، لكن مُحرِّكها المشترك عالميًا هو: الرغبة بحل المشاكل الاجتماعية عبر الاستحواذ على خطابِها أو محوه تمامًا . . . صيغت هذه المفاهيم للفتِ الانتباه للمهمَّشات والمهمَّشين، وها هي النُخب تُوظِّفُها كسلاحٍ لتكميم أفواههن وأفواههم.

هذا المصطلح الذي صاغته كرينشو في إطار نقاشها قانون محاربة التمييز وقصور هذا القانون في التصدي لحرمان النساء السود، انتشر حتى صار أكبر من أن يحتويه الإطار القانوني الضيق. والآن، كما تقول كرينشو، من الأفضل عدم التعامل مع التقاطُعية بصفتها شيء، بل «كطريقةٍ معينة للرؤية، والتفكير، والعمل – طريقةٌ للرد على التصويرات المحدودة للقوة الاجتماعية، تلك التصويرات التي تقيّدُ قدرتنا على تنفيذ أعمال التغيير الحقيقي».

صِيغَ هذا المفهوم كإجابةٍ واحدة (من عدة إجابات) على مسائل ومشاكل اجتماعية ونزاعاتٍ شغلت حركاتٍ نسوية في بلدٍ آخر بظروفٍ اجتماعية مختلفة وتاريخ وحاضر مختلف. قد يساعدنا هذا المفهوم على توجيه أنظارنا لمسائل مغيّبة في حركاتنا، لكنه لن يجيبها عنا. نحن فقط لدينا القدرة على ذلك.

ولذلك، ننشر هذا النص بهدف التعريف بأسس هذا المفهوم، والأوضاع الاجتماعية المحددة التي نشأ منها، ومن هذا الفهم نأمل بالانطلاق إلى تحليل أدق وأشمل للبنى الاجتماعية الخاصة بمجتمعاتنا ومختلف الظروف الاجتماعية لمختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، وبإيمانٍ بأن تحليلًا كهذا لن يجري إلا بالنظر في الواقع الاجتماعي والبنى نفسها، بعيدًا عن الاختزال الثقافوي والتعميم الضحل، وبأنَّ هذا التحليل لن يصحّ إلا إن تم بهدفِ تغيير هذه الظروف.

بداية النص

أحد الكتب القليلة الجدًا في دراسات النساء السود كتابٌ عنوانه «كلُّ النساء بِيْض، كل السّود رجال، لكن بعضنا شجعان».[1] في سعيي لتأسيس نقدٍ نسويٍ أسود[2] اخترتُ هذا النص كنقطة انطلاقٍ لأنه يطرح نتيجةً إشكالية للميل التعامل مع العرق والجندر بصفتهما تَصْينفين مُتنافِيَيْن تبادليًا للتجارب والتحليل.[3] في هذا الحديث، أود أن النظر فيما يجري من استدامة لهذا الميل عبر إطارٍ أحادي المحور ما زال مهيمنًا في قوانين مناهضة التمييز وله انعكاساته أيضًا في النظرية النسوية والسياسات المناهضة للعَرْقَانِية.1العرقانية (racism): تُتَرجم عادةً إلى العنصرية أو العنصرية العرقية، لكننا فضلنا ترجمتها إلى «العرقَانية» للإشارة إلى بعدها الأيديولوجي البنيوي في المجتمعات، أي أنها ليست مجرد رأي شخصي يحمله الفرد، بل هي منظومة علاقات اجتماعية شاملة تكيّف رؤية الفرد إلى العلاقات الاجتماعية وتصوره للواقع وتعريفه الذات وغيرها من الأمور.

بغَرَضِ كشف التباين بين تعدد أبعاد تجربة النساء السود والتحليل أحادي المحور الذي يشوّه صورتها، سأضع النساء السود في مركز تحليلي. ولن تكشف هذه المقارنة فقط عن المحو الذي تتعرض له النساء السود نظريًا، بل ستوضّح أيضًا استيرادَ هذا الإطار حدودَهُ النظرية الخاصة التي تقوّض الجهود الساعية لتوسيع التحليلات النسوية والمناهضة للعرقانية. حين نبتدئ بالنساء السود، يتضح تكييفُ المفاهيمِ المهيمنة للتمييز تفكيرَنا بالتبعية مصوِّرًا إياها كحرمانٍ جارٍ على محورٍ تصنيفي وحيد. أود أن أجادل أيضًا أن هذا الإطار أحادي المحور يمحو النساء السود في تصوير وتعريف وانتصاف التمييز العرقي والجنسي، وذلك عبر تقييده البحثَ بِتَجارب ذوات وذوي الامتيازات الأخرى في وسط الفئة المعنية. بعبارة أخر، في حالات التمييز العرقي، تميل النظرة للتمييز العرقي إلى ما يقع في ظروف السود ذوي الامتياز الجنسي أو الطبقي؛ وفي حالات التمييز الجنسي، يصب التركيز على النساء ذوات الامتياز العرقي والطبقي.

هذا التركيز على أعضاء الفئة ذوي وذَوَات الامتياز الأعلى يهمِّشُ أولئك ذوي وذَوَات المُثْقِلات العدة، ويُعتِّم على المظالم التي لا يمكن أن تفهم كمظالم ناتجة عن مصدر تمييز منفرد. وأضيفُ أيضًا أنَّ هذا التركيز على أعضاء الفئة ذوي الامتيازات الأخرى يخلق تحليلًا مشوّهًا للعنصرية العرقية والعنصرية الجنسية، لأنّ التصورات الفاعِلة للعرق والجنس تصبح مستندة على تجارب لا تمثل، واقعًا، إلا فئةً فرعية من ظاهرةٍ أكثر تعقيدًا.

سأبتدئ بالنظر في التمظهرات العَقَدية2العَقَدية: أي الراجعة إلى عقيدة معينة. لهذا التحليل أحادي الإطار، وبعدها أناقش كيفية مساهمة هذه التمظهرات في تهميش النساء السود من النظرية النسوية وخطاب السياسة المناهضة للعنصرية، لأن كلًا منهما مستندان على مجموعةٍ معينة من التجارب التي لا تعكس دائمًا بدقة تقاطع العرق والجندر. لا يمكن حل مشاكل الإقصاء هذه بكل ببساطة عبر إدماج النساء السود داخل الهياكل التحليلية المؤسسة مسبقًا. ولأن التجربة التقاطعية أكبر من مجموع العنصرية العرقية والعنصرية الجنسية، أيُّ تحليلٍ لا يضع التقاطعية في الاعتبار، لا يمكن له أن يتطرق على نحوٍ ملائم للطريقة المحددة التي تُخضَعُ من خلالها النساء السود. بالتالي، لكي تشمل النظرية النسوية وخطاب السياسة المناهِضة للعنصرية تجارب وهموم النساء السود، يجب إعادة النظر بكامل الإطار الذي استُخدِم كأساسٍ لترجمة «تجارب النساء» و«تجربة السود» إلى المطالبة بسياساتٍ معينة، وإعادةُ صياغة هذا الإطار كليًا.

سوف أناقش بإيجازٍ النقد النسوي للاغتصاب وأيديولوجيا المجاليْن المنفصليْن3الأيديولوجيا الأبوية للمجاليْن المنفصليْن: تشير لفصل الحياة الاجتماعية إلى مجاليْن، المجال العام (سياسي، اجتماعي، رجولي) والمجال الخاص (منزلي، أسري، نسائي). والنقد هنا موجه للدعوات لتعزيز هذا الفصل، أي إخراج النساء من الفضاء العام وإعادتهن إلى المجال المنزلي الأسري، وخصّ الوظائف والمجال العام عمومًا بالرجال، كطريقة لضمان «عدم تفكك الأسرة». ومناظرات السياسة العامة حول الأسر التي ترأسها النساء في مجتمعات السود، وذلك بصفتها أمثلةً على التطورات النظرية والسياسية التي تخطئ الهدف فيما يتعلق بالنساء السود بسبب فشلها في وضع التقاطعية بعين الاعتبار.

أولًا: إطار مناهضة التمييز

أ. التجربة التقاطعية والرّدُ العَقَدي

أحد طرق مقاربة مشكلة التقاطعية هو النظر في كيفَ تؤطِّرُ المحاكمُ وتفسر قصص المُدَّعِيْات من النساء السود. بينما لا يمكنني ادعاء معرفة الظروف الكامنة وراء هذه القضايا التي سأناقشها، فأنا أؤمن بأنَّ طريقة تفسير المحاكم للادعاءات التي تقدمها النساء السود هي بحد ذاتها جزءٌ من تجربة النساء السود، وبالتالي فإنَّ استعراضًا سريعًا لقضايا تتضمن مُدَّعِياتٍ سود سيضيئ لنا الطريق. لتوضيح الصعوبات المتأصلة في التعامل القانوني مع التقاطعية، سأنظر في ثلاثةِ قضايا داخلة في العنوان السابع4العنوان السابع من قانون الحقوق المدنية لعام 1964: يمنع التمييز في التوظيف استنادًا إلى العرق، اللون، الدين، الجنس والأصل الوطني. :[4] «ديغرافينريد ضد جينيرال موتورز»[5]، و«مور ضد هيوز هيليكوبتر»[6] و«باين ضد ترافينول».[7]

1. «ديغرافينريد ضد جينيرال موتورز».

في قضية «ديغرافينريد»، رفعت خمسُ نساءٍ سود قضية ضد جينيرال موتورز، مدّعياتٍ أنَّ نظام الأقدمية5نظام الأقدمية (seniority system): إعطاء شخص أو مجموعة الأسبقية على شخص أو مجموعة أخرى لأن الأول أكبر سنًا أو أقدم في المنصب الوظيفي من الآخر. مثلًا، إعطاء ورديات في أوقات أنسب، أو في حالات التسريح الجماعي، الابتداء بالموظفين والموظفات المتأخرين توظيفًا وإبقاء الموظفين الأقدم. لموظِّفهِن يحافظ على آثار التمييز السابق ضد النساء السود. بينت الأدلة المدلى بها في المحاكمة أنَّ جينيرال موتورز ببساطة لم توظِّف نساءً سود قبل 1964 وأنَّ كل النساء السود اللاتي وُظِّفْنَ بعد 1970 فُصِلنَ من وظائفهن خلال ركودٍ اقتصادي تلا ذلك العام بسبب موجةِ تسريحٍ استندت على الأقدمية. منحت محكمة المقاطعة حكمًا عاجلًا لصالح الدفاع، رافضةً محاولة المدَّعِيات رفع دعوى ليست بالنيابة عن سودٍ أو نساء، بل تحديدًا بالنيابة عن نساءٍ سود. صرَّحَت المحكمة:

فشلتْ المُدَّعياتُ في الاستناد إلى أيِّ قرارٍ يصرِّح بتصنيف النساء السود كفئة خاصة مؤهلة للحماية من التمييز. فشلَ بحثُ المحكمة نفسها في الكشف عن هكذا قرار. تستحقُّ المُدَّعِياتُ انتصافًا6الانتصاف: طلبُ الإنصاف. بالتأكيد، لو كُنَّ تعرَّضن لتمييز. ولكن لا يجب أن يُسمَح لهن بدمج انتصافاتِ قانُونَين لخلق «انتصافٍ أكبر» يعطيهن حلًّا يتجاوز نيّةَ واضِعي التشريعات المعنية. إنَّ قضيةً كهذه بالتالي يجب تفحصها لرؤية ما إذا كانت تستدعي تصديًّا لتمييزٍ عرقي، تمييزٍ جنسي، أو أيٍّ منهما، ولكن دونَ دمجٍ بين الاثنين.[8]

رغم أنَّ جينيرال موتورز لم توظِّف أي نساءٍ سود قبل 1964، لاحظت المحكمة أنَّ «جينيرال موتورز وظَّفت . . . موظَّفين من الإناث لعددٍ من السنوات قبل تطبيق قانون الحقوق المدنية لعام 1964».[9] ولأن جينيرال موتورز فعلًا وظَّفَت نساءً – وإن كنَّ نساءً بِيْض7البَيَاض (whiteness): في سياق المجتمع الأمريكي الحاضر تحديدًا، والمجتمعات والأوروبية عمومًا، لا يشير البَيَاض إلى لون البشرة بحد ذاته، بل إلى تصنيف اجتماعي عرقاني محدد، يصف جماعاتٍ بشرية بأنها تنتمي للعرق الأبيض (أي: الأوروبي). وإن كان التصنيف الأيديولوجي يظهر بمظهر علمي، فهو واقعًا تصنيفٌ اجتماعي خاضع لتغيرات الصراعات السياسية. فمع تفنيد مزاعم الطبيعة البيولوجية لوجود العرق (القول بأن السمات الظاهرية في الشخص تحدد إمكانياته الذهنية والجسدية ونزعاته العاطفية ومنظور حياته، إلخ)، انتقل التصنيف العرقاني إلى إطار «الثقافة» كشيء متأصل لا متغير في الناس ومجال «علم النفس الاجتماعي»، مثل كتاب «سيكولوجيا الجماهير». تاريخيًا، في فترة الصراعات الأوروبية الداخلية، كانت مختلف القوميات الأوروبية تُعتَبر أعراقًا منفصلة، عرقٌ آري (ألمانيا، النمسا، وحواليهما)، عرق أنغلو-ساكسوني (إنجلترا)، عرق سلافي (روسيا وأوروبا الشرقية)، وما إلى ذلك، كلٌ له سِماته ومزاجه ومَلَكاته الخاصة. بعد الحربين العالميتين، وتأسيس تحالف أوروبي بقيادةٍ أمريكية، تحول التصنيف إلى عرقٍ أوروبي أبيض أوسع، مماثلًا للتصنيف الأمريكي. بحكم أن التصنيف العرقاني هذا مرتبط بالقوميات الأوروبية، والديانة أو الثقافة المسيحية أحد ركائزها، فاليهود ظلَّوا في متموضعين في هوامش البَيَاض. – قبل الفترة التي لم تُوظَّف فيها أيُّ نساءٍ سود، لم يكن هنالك، في نظر المحكمة، أيُّ تمييزٍ جنسي يمْكن لنظام الأقدمية، وفقًا لذلك، أن يحافظ عليه.

بعد رفضها النظر في ادعاء التمييز الجنسي، رفضت المحكمة ادعاءَ التمييز العرقي وَوَصَّت دمجه في قضيّةٍ أخرى فيها ادعاءُ تمييزٍ عرقي ضد رب العمل نفسه.[10] ردَّت المُدَّعِيات بأنَّ دمجًا كهذا سيناقض هدف قضيّتهن لأن ادعاءهن ليس مستندًا على العرق فحسب، بل هي قضيةٌ متعلقة تحديدًا بالنيابة عن نساءٍ سود تزعمن تعرضهن لتمييزٍ عرقي وجنسي أيضًا. ولكن كان ردُّ المحكمة كالتالي:

لا يشير التاريخ التشريعي المتعلق بالباب السابع إلى أنَّ هدف التشريع هو تأسيس «النساء السود» كفئة جديدة يكون لها مكانٌ أعلى، مثلًا، من الذكر الأسود. إن إمكانية تأسيس جماعات جديدة من الأقليات المحمية بشكلٍ لا تحكمه إلّا قوانين التبديل والدمج الرياضية، يتيح المجال لفتح صندوق باندورا8صندوق باندورا: في الميثولوجيا الإغريقية، هو صندوق حُمِل بواسطة باندورا يتضمن كل شرور البشرية. مبتذل.[11]

بالتالي، يبدو أنَّ المحكمة استنتجت أنَّ مجلس الشيوخ إمّا لم يعتقد بإمكانية التمييز ضد النساء السود بصفتهن «نساء سود» أو لم ينوي حمياتهن في حال حدث هكذا تمييز.[12] إنَّ رفضَ المحكمة في قضية «ديغرافينريد» الإقرار بأنَّ النساء السود يواجهن تمييزًا عرقيًا وجنسيًا مندمجًا يوحي بأنَّ حدودَ عقيدة التمييز الجنسي والعرقي تَرسُمها على التوالي تجارب النساء البِيْض والرجال السود. وفق هذا المنظور، ليست النساء السود محميات إلّا بقدر تصادف تجاربهن مع تجارب إحدى المجموعتين أعلاه،[13] وحيث تتمايز تجاربهن، لا يجب أن تتوقع النساء السود أيَّ حماية طالما تَسُوْد مناهجٌ تمحو تمامًا مشاكل التقاطعية، مثل المنهج المتخذ في قضية «ديغرافينريد».

2. «مور ضد هيوز هيليكوبتر المتحدة».

تمثل قضية «مور ضد هيوز هيليكوبترز المتحدة»[14] طريقةً أخرى لفشل المحاكم في فهم ادعاءات النساء السود أو الإقرار بها وإدراكها. قضية «مور» قضيةٌ اعتيادية تشابه عددًا من القضايا الأخرى حيث رفضت المحاكم التصديق بالإناث السود بصفتهن مُمَثِّلاً عن الفئة في قضايا التمييز العرقي والجنسي.[15] في قضية «مور»، زعمت المدَّعِية أن رب العمل، هيوز هيليكوبتر، مارس تمييزًا عرقيًا وجنسيًا في الترقيات إلى مناصب الحِرف عالية المستوى والوظائف الإشرافية. قدَّمَت مور أدلّةً إحصائية تؤسس وجود فرقٍ معتبر بين الرجال والنساء، وفارقًا أقل بعض الشيء بين الرجال السود والبِيْض في الوظائف الإشرافية.[16]

تأكيدًا لرفض المحكمة التصديق بِـ مور كممثلة عن الفئة لشكوى التمييز الجنسي بالنيابة عن كل النساء في هيوز، أشارت محكمة الاستئناف للدائرة التاسعة تأييدًا:

. . . لم تزعم مور أبدًا أمام لجنة تكافؤ فرص العمل أنّها مُيِّزَ ضدها بصفتها أنثى، بل فقط بصفتها أنثى سوداء . . . . أثارَ ذلك شكوكًا معتبرة حول قدرة مور على تمثيل الموظَّفين من الإناثِ البِيْض على نحوٍ لائق.[17]

يكشف منطق المحكمة المثير للفضول في قضية «مور» ليس فقط ضيق منظور عقيدة مناهضة التمييز وفشلها في اعتناق التقاطعية، بل أيضًا مركزيّة تجارب الأنثى البيضاء في تصور التمييز الجندري. أحد الاستنتاجات الممكن استنباطها من تصريح المحكمة بأنَّ زعمَ مور لا يتضمن زعمًا بوجودِ تمييزٍ «ضد الإناث»، هو أنَّ التمييز ضد النساء السود يشكل شيئًا أقلَّ من التمييز ضد النساء. ولكن الأرجح هو أنَّ المحكمة قصدت الإيحاء بأنَّ مور لم تزعم أنَّ كلَّ الإناث مُيِّزَ ضدّهن بل فقط الإناث السود. ولكن حتى في هذا التصوير الثاني، منطق المحكمة إشكاليٌّ فيما يتعلق بالنساء السود. يبدو أنَّ المحكمة رفضت محاولة مور تمثيل كلِّ الإناث لأنَّ محاولتها تحديد عرقها نُظِرَ لها كشيءٍ مخالفٍ للزعم المعياري بأنَّ ربَّ العمل مُمِيزٌ ببساطة «ضد الإناث».

فشلت المحكمة في أن ترى أن غياب المؤشر العرقي لا يعني بالضرورة أن الادعاء المرفوع ادعاءٌ أشمل. قد لا يكون رفع امرأةٌ بيضاء ادعاءً عن وجود تمييزٍ ضد الإناث أفضلَ مكانةً لتمثيل كل النساء من أنثى سوداء تريد رفعَ ادعاءِ تمييزٍ بصفتها أنثى سوداء وترغب بتمثيل كل الإناث. الصيغة التي فضلتها المحكمة «ضد الإناث» ليست بالضرورة أشمل – بل أنها تبدو كذلك فحسب لأن التنوعات العرقية للادعاء ليست محددة.

يكشف تفضيل المحكمة «ضد الإناث» بدلًا من «ضد الإناث السود» تأسيسًا ضمنيًا لتجربة الإناث البِيْض في التصور العَقَدي للتمييز الجنسي. بالنسبة للنساء البيض، ادعاءُ التمييز الجنسي ليس إلّا تصريحًا بأنه لولا الجندر، لما مُيِّزَ ضدّهن. فلا حاجة لديهن لتحديد تمييزهن كتمييزٍ ضد الإناث البِيْض لأن عرقهن لا يساهم في التمييز الذي يرغبن في الانتصاف منه. تأخذُ النظرة للتمييز المشتقة من هذا الأساس الامتيازَ العرقي كمُعطى ضمني.

بالتالي فالتمييز ضدَّ أنثى بيضاء هو الادعاء المعياري للتمييز الجنسي؛ وتبدو الادعاءات التي تنحرف عن هذا المعيار وكأنها تقدّم ادعاءً هجينًا على نحوٍ ما. والأهم من ذلك هو أن ادعاءات الإناث السود، بسبب النظر إليها كادعاءات هجينة، لا يمكن لها أحيانًا أن تمثل صاحباتِ دعوى التمييز الجنسي «النقي». إنَّ أثرَ هذه المنهجية هو وضعُ المدَّعِيات السود في تعارضٍ مع الإناث البيض، وذلك لأن السياسة أو الممارسة المَرافَع ضدها والتي تميز بوضوح ضد كل الإناث لها آثارٌ أشد على الإناثِ السود.

تبيّن قضية «مور» أحد حدود المنظور الانتصفاي والنظرة المعيارية لِقانون مناهضة التمييز. إنَّ رفضَ السماح لفئة محرومة تعدّديًّا بتمثيل أخريات قد تكنَّ أحاديات الحرمان لهو أمرٌ يقوّض الجهود الساعية لإعادة هيكلة وتوزيع الفرص، وتُختَزل الحلول الانتصافية في تعديلاتٍ صغيرة في هرمية ثابتة. نتيجة لذلك، تبطلُ المنهجياتِ «التصاعدية»9المنهج التصاعدي (bottom-up approach): دمج العيّنات الموجودة معًا لإنشاء عيّنة أضخم وبذا تكون العيّنة الناشئة هي عبارة عن تجميع للسمات الفرعية الخاصة بالعناصر الأصلية. وفي هذا السياق، يعني دمج كل الفئات المعنية معًا لإنشاء فئة أكبر لا تُفتَرض معيارية أحدها قِبال الفئات الأخرى، ونَقيضُه المنهج التنازلي، أنظر أدناه. – تلك التي تدمج كل المميَّز ضدهم/ن لأجل تحدي منظومة توظيفٍ كاملة – حدودُ الرؤية للضير وضيقُ منظور الانتصاف المتوفر. لو سُمِحَ بالتمثيل التقاطعي «التصاعدي» روتينيًا، فقد تقبل الموظفات والموظفون باحتمال وجود مكاسب في التحدي الجماعي للهرم بدلًا من قيام كل فرد متعرضة للتمييز بالسعي لحماية مصدر امتيازها داخل هذا الهرم. لكن طالما تنبع عقيدة مناهضة التمييز من افتراض أنَّ أنظمة التوظيف ليست بحاجة إلا لتعديلاتٍ صغيرة، فَفُرَصُ التّقَدُّم للموظفات والموظفين المحرومات والمحرومين ستكون محدودة. سيكون من الأفضل للموظفات والموظفين ذوي الامتيازات النسبية حماية امتيازهم الفردي بينما تتنافسن مع بعضٍ على المزيد. نتيجةً لذلك، تُعزَلُ النساء السود فعليًا ولا يتلقين أي دعم – والنساء السود، بسبب تقاطعاتهن، تشكلن صنفُ الموظفات/ـين الأقدر على مواجهة كافة أشكال التمييز.

في قضية «مور»، أدى رفضُ المحكمة محاولة الادّعاء بتمثيل كل السود وكل الإناث لتكليفِ مور مهمة تعزيز مزاعم التمييز العرقي والجنسي بأدلة إحصائية على التمييز ضد الإناث السود حصرًا.[18] ولأنها لم تكن قادرة على تمثيل النساء البِيْض أو الرجال السود، لم يكن بإمكانها استخدامُ إحصائيات التمييز الجنسي في شركة هيوز، أو استخدام إحصائيات المتعلقة بالتمييز العرقي. إن إثبات ادعاءها باستخدام إحصائياتٍ حول النساء السود حصرًا لم يكن مهمّةً بسيطة، نظرًا لكونها ترافع في قضية تستند إلى نظرية التباين في التأثير للتمييز.[19]

شددت المحكمة حصرها للمجموعة الإحصائية المعنية بالنساء السود اللاتي قررت المحكمة نفسها أنهن مؤهلات لملئ الوظائف العليا الشاغرة والمناصب الإشرافية.[20] وفق المحكمة، لم تثبت مور وجود أي امرأة سوداء مؤهلة في وحدة المفاوضات أو في المجموعة العامة للعمال لأيٍّ من الصنفين الوظيفيين.[21] وأخيرًا، صرحت المحكمة أنها حتى لو قبلت بزعم مور بأن نسبة الإناث السود في المناصب الإشرافية يجب أن تعادل نسبة الإناث السود في مجموعة الموظفين والموظفات، فلن تجد المحكمة هنا أثرًا تمييزيًا.[22] لأن ترقية امرأتين سود وحسب إلى مناصب إشرافية سيحقق التوزيع المتناسب المتوقع للنساء السود في ذلك الصنف الوظيفي، امتنعت المحكمة «عن الموافقة بأن قضية بديهية للتباين في التأثير قد أُثبِتَت».[23]

لم يترك حُكْم المحكمة في زعم مور المتعلق بالجنس والعرق إلا عينة إحصائية كانت أصغر من أن تتمكن مور من إثبات تبيان وجود تمييز في ظل نظرية التباين في التأثير، حتى لو أثبتت وجود نساء سود مؤهلات. تبين قضية «مور» طريقةً أخرى تمحو فيها عقيدة مناهضة التمييز التجاربَ المختلفة التي تمر بها النساء السود، ونتيجةً لذلك تُعدُّ شكواهن بالتمييز لا أساس لها.

3. «باين ضد ترافينول».

في بعض قضايا التميز العرقي، واجهت مُدَّعِيات إناث سود صعوبةً أيضًا في سعيهن لمصادقة المحكمة عليهن كممثلات فئة. تنبع هذه المشكلة عادةً في حالاتٍ حيث تشير الإحصائيات لوجود تفرقة معتبرة بين العمّال السود والبِيْض، وتفرقة إضافية بين الرجال السود والنساء السود. رفضت المحاكم في بعض القضايا[24] المصادقة استنادًا إلى منطق يماثل منطق قضية «مور»: خلقت التفرقة الجنسية بين الرجال السود والنساء السود تضاربَ مصالحٍ شديد بحيث لا يمكن للنساء السود أن يمثلن الرجال السود على نحوٍ لائق. في أحد هذه الحالات، «باين ضد ترافينول»،[25] زعمت مدّعيتان إناث سود بوجود تمييز عرقي وَرَفعتا دعوى جماعية بالنيابة عن كل الموظفين والموظَّفات السود في معمل صيدلي.[26] لكن المحكمة رفضت السماح للادعاء بتمثيل الذكور السود وقبلت بطلب الدفاع باقتصار الفئة على النساء السود فقط. في النهاية، استنتجت محكمة المقاطعة وجود تمييزٍ عرقي شديد في المصنع ومَنَحَت مستحَقاتٍ وأقدميّة بنّاءة للنساء السود فقط. لكن، رغم العثور على تمييزٍ عرقي عام، رفضت المحكمة توسيع الانتصاف ليشمل الرجال السود خوفًا من أن تعارض المصالح لن يُتصدى له على نحوٍ لائق؛[27] صادقت محكمة الاستئناف للدائرة الخامسة على ذلك القرار.[28]

يلاحظ أن حظَّ الادعاء في قضية «ترافينول» كان أوفر من حظ الادعاء في قضية «مور» رغم تشابه الأوضاع: لم يحرمن من استخدام الإحصائيات المعنية التي تبيّن النسق العام للتمييز العرقي لعدم وجود رجالٍ مجموعتهن لا أكثر. لكن محاولة الادعاء تمثيل كل الموظفين والموظفات السود، مثل محاولة مور لتمثيل كل النساء الموظفات، فشلت نتيجة ضيق منظور المحكمة للمصالح الجماعية.

رغم أن «ترافينول» كانت انتصارًا جزئيًا للنساء السود، فهذه القضية تحديدًا تبين كيف تخلق عقيدة مناهضة التمييز عمومًا معضلةً للنساء السود. إنها تجبرهن على اختيار محدودٍ في صياغة الجوانب التقاطعية لحالتهن التبعية، وبالتالي المخاطرة بقدرتهن على تمثيل الرجال السود، أو تجاهل هذه التقاطعية لأجل الإدلاء بدعوى لا تؤدي لإقصاء الرجال السود. عندما يُنظَر للتبعات السياسية لهذه العضلة، لا عجب في أن العديد في جماعة10الجماعة (community): تُترَجم عادة إلى «المجتمع المحلي» أو «الجماعة»، وتشير عادةً إلى المجتمع الذي يقطن منطقة أو مكانًا محددًا، أو فئة تجمعها سِمة معينة، مثل «جماعة النسوية» و«جماعة السود»، أو «الجماعة القومية» (أي المنتمين لقومية محددة)، أو «المجتمع الدولي». السود ينظرون للصياغة المحددة لمصالح النساء السود كأمرٍ تقسيمي خطير.

باختصار، برهنت العديد من المحاكم عجزها عن التعامل مع التقاطعية، رغم تباين الأسباب. في «ديغرافينريد»، رفضت المحكمة الإقرار بإمكان التمييز المركب ضد النساء السود ونظرت في دعواهن باستخدام توظيف النساء البِيْض كسندٍ تاريخي. نتيجةً لذلك، يُعتَّم تجارب التوظيف للنساء البِيْض على التمييز الفريد الذي مرت به النساء السود.

في المقابل، أصرت المحكمة في قضية «مور» على أن امرأة سوداء لا يمكن لها استخدام إحصائيات تبين التفرقة الجنسية الكلية في الوظائف الإشرافية والمناصب العليا لأنها لم تقدم دعوى التمييز بصفتها امرأة، بل «فقط» بصفتها امرأة سوداء. لن تنظر المحكمة في فكرة أن التمييز الذي تمر به النساء السود هو حقًا تمييزٌ جنسي – يمكن إثباته عبر إحصائيات التباين في التأثير على النساء.

أخيرًا، أصرَّت محاكم مثل محكمة قضية «ترافينول» على أن النساء السود لا يمكن أن يمثلن كامل فئة السود بسبب صراعات فئوية مفترضة في الحالات حيث الجنس يزيد من حرمان النساء السود. ونتيجةً لذلك، قد لا يسمح للرجال السود بمشاركة الانتصاف في الحالات القلة حيث سُمِح للنساء السود باستخدام الإحصائيات الكلية لتبيان معاملة متباينة عرقيًا.

لربما يبدو للبعض أن ما قدمته هو انتقاداتٌ غير متسقة لكيفية معاملة النساء السود في قانون مناهضة التمييز: يبدو أنني أقول إنه في حالة، دعوى النساء السود رُفِضَت وتجاربهن يُعتَّم عليها لأن المحكمة رفضت الإقرار بأن تجربة التوظيف للنساء السود يمكن أن تكون مختلفة عن تجربة النساء البِيْض، بينما في حالات أخرى، أوذِيَت مصالح النساء السود لأن دعوى النساء السود نُظِرَ لها كدعوى غير متمايزة عن دعوى أيٍّ من النساء البِيْض أو الرجال السود، حتى أنَّ المحكمة رفضت تمثيلَ الإناث السود للفئة الأوسع. يبدو أنني أقول إن النساء السود مثل غيرهن ومن المؤذي لهن معاملتهن معاملةً مختلفة، أو إنهن مختلفات ومن المؤذي لهن معاملتهن معاملة مماثلة. لكن ليس بإمكاني جمع الاثنين.

هذا التناقض الظاهري ما هو إلا تمظهرٌ آخر للحدود المفاهيمية للتحليلات أحادية القضية التي تتحداها التقاطعية. النقطة هي أن النساء السود يمكن أن يتعرضنَ لتمييزٍ بعددٍ من الأشكال، وأن التناقض ينبع من افتراضنا أن ادعاءهن الإقصاء يجب أن يكون أحادي الاتجاه. فللنظر إلى هذا التشبيه: سيارات تعبر في تقاطع، حيث السيارات تأتي وتذهب من كل الاتجاهات الأربعة. التمييز، مثل السيارات في تقاطع، قد يأتي من أي اتجاه وقد يذهب في أي اتجاهٍ آخر. إن جرى حادثٌ في التقاطع، يمكن أن تسببه سياراتٌ قادمة من أي اتجاه، وأحيانًا منها كلها. بالمثل، إنْ تضررت امرأة سوداء لأنها في تقاطع، يمكن أن تكون إصابتها نتيجةَ التمييز الجنسي أو التمييز العرقي.

القرارات القضائية التي تبني إمكان العلاج التقاطعي على برهنة الاعتراف بالنساء السود تحديدًا كفئة، لا تختلف عن قرار طبيب يعالجُ مصابًا حادث سير ألا يعالج الإصابة إلا إنْ اعترف بها التأمين الطبي. بالمثل، عدم توفير انتصافٍ قانوني إلا حين تبرهن النساء السود أن دعواهن مستندة على العرق أو الجنس يشابه رفض استدعاء سيارة الإسعاف قبل أن يُكشَف عن هوية السائق المسؤول عن الإصابات. لكنه ليس من السهل دائمًا إعادة تصوّر الحادث: أحيانًا علامات الانزلاق والإصابات لا تشير إلا إلى أنهما حدثا بتزامن، مما يحبط الجهود الساعية لتحديد أي السائقين سبب الضرر. في هذه الحالات، يبدو أن الميل العام هو ألا يحمَّل أيٌ من السائقين المسؤولية، وألا يعالج أحد، وعلى الأطراف المعنية فقط العودة إلى سياراتها ومغادرة المكان.

لكي نعود إلى مستوى غير مجازي، أنا أقول هنا إن النساء السود يمكن أن يعانين من التمييز بطرقٍ متشابهة مع تلك التي تمر بها النساء البِيْض والرجال السود وبطرقٍ مختلفة عن الاثنين. تعاني النساء السود أحيانًا من تمييزٍ يشابه تجارب النساء البِيْض؛ وأحيانًا تتشابه تجاربهن مع الرجال السود. مع ذلك، كثيرًا ما تشكل تجاربهن تمييزًا مضاعفًا – الآثار المركبة للممارسات التي تميز استنادًا إلى العرق واستنادًا إلى الجنس. وأحيانًا، تشكل تعانين من التمييز بصفتهن نساء سود تحديدًا – وليس كمجموعٍ للتمييز العرقي والجنسي، بل بصفتهن نساء سود.

تجارب النساء السود أوسع من التصنيفات العامة التي يوفرها خطاب التمييز. مع ذلك، الإصرار المستمر على وجوب تنقية مطالب وحاجات النساء السود عبر التحليلات التصنيفية التي تعتم تمامًا تجاربهن يضمن أن حاجاتهن لن يُتصدى لها إلا ما ندر.

ب. أهمية المعالجة العَقَدية للتقاطعية

قضايا «ديغرافينريد»، و«مور»، و«ترافينول» هي تمظهراتٌ عَقَدية لِمُقاربةٍ سياسية ونظرية شائعة تجاه التمييز تهمِّشُ النساء السود. لعجز المحاكم، بل ومفكّرات ومفكّري النسوية والحقوق المدنية، عن فهم أهمية تجارب النساء السود التقاطعية فقد عاملن النساء السود بطريقةٍ تنكر تَرَاكُبيّة وضعهن ومركزية تجاربهن لفئتيهما الأوسع، النساء والسود. تُعْتَبر النساء السود إما أقرب إلى النساء أو أقرب إلى السود، والطبيعة المركبة لتجربتهن إما تُمتَص في التجارب الجمعية لأحد المجموعتين أو تعتبر مختلفةً اختلافًا مستحيل التشابه، وحينها ينّحي سوادُ أو أُنْثويةُ النساء السود أحيانًا حاجاتهن وآراءهن إلى هوامش أجندات التحرر النسوي وتحرر السود.

بينما يمكن الجدال أن هذا الفشل يمثل غياب الإرادة السياسية لشمل النساء السود، اعتقد أن ذلك يعكس قبولًا مُقلقًا وغير ناقد للطرق المهيمنة للتفكير بالتمييز. انظر للتعريف الأول للتمييز الذي يبدو أنه مستخدم في قانون مناهضة التمييز: التمييز المُضر يَنْتُج من تعريف فئةٍ أو تصنيف محدد؛ إما أنّ المُمَيِّز يعرّف هذا التصنيف عمدًا، أو هي عملية مُتبنَّاه تَحْرُم بشكلٍ ما كلّ أعضاء هذا التصنيف.[29] وِفق هذا الرأي المهيمن، يعامِل المُمَيِّز جميع الناس المنتمين للتصنيف العرقي أو الجنسي بالمثل. أي تنوع تجاربي11تجاربي: أي من تجارب الحياة اليومية. أو إحصائي في وسط هذه المجموعة يعني إما أن هذه المجموعة لا تواجه تمييزًا أو أن هنالك تضارب مصالح تنفي إمكانية رفع أي دعوى مشتركة.[30] نتيجةً لذلك، لا يمكن عمومًا دمج هاذين التصنيفين. يضاف على ذلك أنَّ العرق والجنس لا يكتسبان أهمية إلا بعملهما الصريح على حرمان الضحية؛ ولأن منح الامتياز للبياض أو الذكورة أمرٌ مضمر، فهو عمومًا لا يُدرَك أبدًا.

وراء مفهوم التمييز هذا تكمن نظرةٌ تقول إن الضرر الذي يتصدى له قانون مناهضة التمييز هو استخدام العرق أو الجندر كعوامل تتدخل بعملية اتخاذ قرار كانت، لولاهما، قراراتٍ منصفة أو محايدة. لا ينبعُ هذا التعريف المستند إلى العملية من التزامٍ تصاعدي لتحسين الظروف الجوهرية لمن يمسهن الضرر نتيجة تفاعل عوامل متعددة. بدلًا من ذلك، الرسالة المسيطرة لقانون مناهضة التمييز هي أنه سيضبط تنظيم الحدودَ الضيقة التي يتدخل فيها العرق أو الجنس في عملية تحديد النتائج. هذا الهدف الضيق يمر عبر الاستراتيجية التنازلية12المنهجية التنازلية (top-down): تعني الابتداء من العيّنة الكليّة وتفكيكها للنظر في مكوِّناتها وأجزائها. وفي هذا السياق، تعني النظر في «المرأة» أو «العنصرية الجنسية» الخالصة، مع افتراض النساء البِيْض كالمعيار أو الفئة الأساسية، ومن ثم تفكيك العينة لرؤية أحد مكوّناتها، «المرأة السوداء» حيث تُصنَّف كفئة فرعية للمرأة وللسود. التي تستخدم تحليل «لَوْلَائي» انفرادي للتحقق من آثار العرق أو الجنس. بسبب ضيق منظور قانون مناهضة التمييز، يُعرَّف التمييز الجنسي والعرقي بتجارب أولئك الذين لولا خصالهم/ن العرقية أو الجنسية، لكُنَّ ذوي وذوات امتيازات. بعبارة أخرى، يميلُ نموذج التمييز الجنسي للاستناد إلى تجارب النساء البِيْض؛ يميلُ نموذج التمييز العرقي للاستناد إلى تجارب أكثر السود امتيازًا. بالتالي، تضيق المفاهيم المعنية بما يشكل تمييزًا عرقيًا وجنسيًا حتى تقصي الكل ما عدى مجموعةٍ صغيرة من الحالات، ليست منها حالاتُ التمييز ضد النساء السود.

إذا كان هذا التوصيف العام دقيقًا، يمكن للتشبيه التالي إفادتنا في وصف كيفية تهميش النساء السود في التفاعل ما بين قانون مناهضة التمييز والأهرام العرقية والجندرية: فلنتخيل سردابًا يحتوي على كل المحرومين والمحرومات استنادًا إلى العرق و/أو الجنس، و/أو الطبقة و/أو الميول الجنسي و/أو العمر و/أو القدرة الجسدية. يُرصَف هؤلاء الناس فوق بعضهم البعض – قدما أحدِهم على كَتِفي الآخر. في القاع المحرومات والمحرومين بكلِّ هذه العوامل. وفي الصف الأعلى أولئك الذين ليسوا محرومات أو محرومين إلّا بعاملٍ واحد، رؤوسهن/م تلامس السقف، وهذا السقف هو الأرضية التي يعيش عليها أولئك الذين ليسوا محرومين بسبب أيٍّ من هذه العوامل. من أجل انتصاف بعض جوانب هذه الهيمنة، أولئك الذين يعيشون فوق هذا السقف لا ينتشلون من السرداب إلّا مَنْ يمكن لهـ/ـا القول إنّهـ/ـا «لَولا» هذا السقف، لكانـ/ـت هو أو هي أيضًا في الطابق العلوي. تُفتَح بوابةٌ صغيرة يمكن أن يعبر من خلالها من هن/م في الصف الأقرب للسقف. لكن هذه البوابة الصغيرة لا تتوفر عمومًا إلا لأولئك الواقفين – بسبب أحادية عبئهم، وبسبب مكانتهم ذات الامتياز مقارنةً بمن هن وَهُمْ أسفلهم – في صفٍّ يسمح لهم بالعبور. تُتْرَكُ أولئك ذوات الأعباء المضاعفة في القاع، إلا حالَ تمكنهن من الالتصاق بطريقةٍ ما بالمجموعات المسموح لها العبور من هذا الباب الضيق.

حين نترجم هذا التشبيه لوصف حال النساء السود، تظهر المشكلة في حرمانهن إمكانية توفير الحماية إلا بِبَيان تماثل تجاربهن مع تلك التجارب التي تنعكس في عقيدة مناهضة التمييز. لو لم يمكن للنساء السود القول إنهن سيعاملن قطعًا بطريقة مختلفة «لولا» عرقهن أو «لولا» جندرهن، لا تُرسَل لهن دعوة للتسلق والوصول إلى تلك البوابة الصغيرة، بل مصيرهن البقاء في الهامش غير المحمي حتى لحظة امتصاصهن في أحد التصنيفين المحميين الأوسع، العرق والجنس.

رغم ضيق منظور هذا الفهم المهيمن للتمييز وميله لتهميش تجاربِ فئاتٍ لا يمكن وصفها داخل حدوده الضيقة، صُدِّقَ على هذا المنهج كالإطار اللائق للتصدي لعددٍ من المشاكل. في جزءٍ كبيرٍ من النظرية النسوية، وإلى حدٍ ما في السياسات المناهضة للعنصرية العرقية، هذا الإطار ينعكس في الإيمان بأن التمييز الجنسي والعرقانية يمكن مناقشتهما نقاشًا معتبرًا دون الانتباه لحياة وتجارب من هن لسنَ ذوي امتيازاتٍ عرقية، أو جندرية، أو طبقية. كنتيجةٍ لذلك، نُظِّمَت النظرية النسوية والسياسات المناهِضة للعنصرية العرقية، جزئيًا، حول فهم العرقانية بأنها ما يتعرض له السود من الطبقة الوسطى أو الرجال السود، وفهم التمييز الجنسي بأنها ما يحصل للنساء البِيْض.

بالنظر إلى المواضيع التاريخية والمعاصرة في كل من جماعات النسوية والحقوق المدنية، يمكن أن نجد أدلة كافية لتبيان أن قبول هذين الجماعَتَين بالإطار المهيمن للتمييز أعاق تطوير نظرية وممارسة لائقتيْن للتصدي لمشاكل التقاطعية. إنَّ تبني الإطار الأحادي القضية للتمييز لا يهمش فقط النساء السود في ذات الحركات التي تدعي أنهن جزءٌ من أعضائها، بل يزيد من صعوبة تحقيق ذلك الهدف صعب المنال، هدفُ إنهاء العرقانية والأبوية.

ثانيًا: النسوية والنساء السود: «أولسنا نساءً؟»

من الغريب رؤية استعارة النظرية والإرث النَسَوِيَيْن من تاريخ النساء السود رغم العجز النسبي للممارسة السياسية والنظرية النسوية عن التصدي الكافي لقضايا النساء السود. على سبيل المثال، «أَوَلستُ امرأة» أصبحَ يمثل شعارًا سائدًا في الخطاب النسوي،[31] رغم انعدام التقدير اللائق للدرس المستفاد من هذه الخطبة، وذلك لأن سياقها يندر النظر فيه. أود أن أسرد جزءً من قصة الخطبة لأنها تُأسّس بعض المواضيع التي اتسمت بها المعالجة النسوية للعِرق وتبين أهمية شمل تجارب النساء السود كمصدرٍ مثري لانتقاد الأبوية.

في 1851، سألت سوجورنر تروث13سوجورنر تروث (1797 – 1883): ناشطة أفريقية أمريكية نسوية وشخصية بارزة في حركة إلغاء العبودية في القرن الثامن عشر وأحد أبرز شخصيات النسوية السوداء الأوائل. عرفت سوجورنر بخطابها «أولست امرأة؟» الذي ألقته في مدينة آكرون، في ولاية أوهايو، في التاسع والعشرين من شهر مايو سنة 1851. يعد الخطاب من أوائل النصوص التي نادت بنظرة (عُرِّفت لاحقًا بمصطلح) التقاطعية لمعاناة واضطهاد النساء، لوجود تباين بين الاضطهاد الموجه للنساء البيض عن ذلك الموجه للنساء السود. (المصدر: ويكي جندر). في خطبةٍ ألقتها، «أولستُ امرأة؟» متحدِّيةً التصوير العنصري الجنسي الذي استخدمه النُقَّاد الذكور لتبرير حرمان النساء من حق التصويت.[32] مشهد الخطبة كان مؤتمر حقوق النساء في آكرون، ولاية أوهايو؛ قاطع ذكورٌ بِيْض المؤتمر، مستخدمين صورًا نمطية لـ «الأنوثة» (womanhood)، وجادلوا أنَّ النساء أضعف وأرقُّ من أن يتحملن مسؤوليات النشاط السياسي. عندما وقفت سوجرونر تروث لتلقي، حاولت العديد النساء البِيْض إسكاتها، خوفًا من أن كلامها سيشتت الانتباه عن حق النساء في التصويت ويوجهه للدعوة لتحرير المُستعبَدين. حالما سُمِحَ لها بالحديث. قصت تروث فظائع الاستعباد من تجربتها الشخصية وتأثير الاستعباد على النساء السود تحديدًا:

أنظروا إلى ذراعي! لقد حرثت وزرعت وحصدت، ولا يمكن لرجلٍ أن يتفوق علي – أولست امرأة؟ يمكنني العمل والأكل بقدر ما يأكل الرجل – إن تسنى لي ذلك – بل وأتحمل ضرب السياط أيضًا! أولست امرأة؟ لقد أنجبتُ ثلاثة عشر طفلًا، ورأيت أغلبهم يُباعون عبيدًا، وحين صرخت وبكيت بكاء الأم على أطفالها، لم يسمع صرختي وبكائي إلا عيسى – أولستُ امرأة؟[33]

باستخدامها حياتها الشخصية للكشف عن التناقض بين الخرافات الأيديولوجية المعنية بـالأنوثة وحقيقة معيشة النساء السود، ردَّت تروث ردًّا جبّارًا على من يزعمون أن النساء حتمًا أضعفُ من الرجال. غير أن تحدي تروث الشخصي لتماسك تقديس الأنوثة الحقّة (true womanhood) لم يكن مجديًا إلا بقدر رغبة النساء البِيْض في رفض المحاولات العرقانية لعقلنة وتبرير هذا التناقض، بالقول إن النساء السود شيءٌ أقل من النساء الحقيقيات، فليس لمعيشتهن وتجاربهن اتصالٌ بـالأنوثة الحقّة. في القرن التاسع عشر، بالتالي، لم يكتفي تحدي النسوية السوداء لهذا التناقض بالهجوم على الأبوية فحسب، بل كان تحدى النسويات البِيْض الراغبات بتبني تاريخ النساء السود بأن تسحبن استثمارهن في البياض.

لم ترث النسويات البِيْض المعاصرات تحدي تروث للأبوية، بل ورثن تحدي تروث لأسلافهن. حتى هذا اليوم، يصعبُ على النساء البِيْض التضحية بامتيازهن العرقي لتقوية النسوية مما يجعلهن عُرضَةً لهجمة سؤال تروث. عندما تزعم الممارسةُ السياسية والنظرية النسوية أنها انعكاسٌ لتجارب النساء وطموحات النساء ولا تشمل أو تخاطب النساء السود، فعلى النساء السود أن تسألن: «أولســنا نساءً؟» إن كنّا كذلك، فكيف يمكن الزعم إنَّ «النساء كذا» أو أنَّ «النساء تعتقدن بكذا» أو أنَّ «النساء بحاجة إلى كذا» إن لم تنطبق هذه المزاعم أو تستجيب لحاجات ومصالح ومعيشة النساء السود؟

تضمحل قيمة النظرية النسوية عند النساء السود لانطلاقها من سياقٍ عرقي أبيض، وهو أمرٌ لا يُقَرُّ به إلا ما ندر. والقضية ليست قضية إغفال النساء المُلوَّنات14النساء الملوَّنات (women of color): الترجمة الحرفية للعبارة هي «النساء ذوات اللون». عبارة تشير إلى النساء المنتميات إلى ما يسمى بـ «الأقليات العرقية». صيغت العبارة في اللغة الإنجليزية

1) كردٍّ على الوصف العرقاني التاريخي الذي قلل من بَشَرية هذه «الأقليات»، باستخدامه عبارة «الملوَّنون» (coloreds). في الصيغة الإنجليزية، يُقدَّم الوصف المؤكد على بَشَرية هذه الجماعات بالقول «الأناس ذوو اللون» (people of color) و«النساء ذوات اللون» (women of color).

2) كإطارٍ وحدوي لنساء الأقليات النشطات في الحراك النسوي المناهض للعنصرية العرقية.
فحسب، بل قضية تعزيز إقصائهن بحديث النساء البِيْض وكأنّهن هن النساء، وصوتهن وحده هو صوتُ النساء. تستعيرُ ذاك الصوت الكوني15الكونية (universality): في الفلسفة، تعني الكونية وجودَ حقائق كونية لا تختلف مع تغير الأماكن والأزمان، ويُمكِن اكتشافها. أقربُ مثالٍ على ذلك هو «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، والفكرة هي أنها ليست حقوقًا ناتجة عن منظورٍ أيديولوجي محدد، بل هي حقائق مُكتَشفة، متأصلة كونية في البشر لا تختلف مع الأماكن والزمان. وفي هذا السياق: الأرجح أن المقصود هو أن «الصوت الكوني» الذي يتحدث باسم الحقيقة، يستند في الواقع إلى معيشة فئاتٍ اجتماعية (ذاتية) محددة. المعتمد – صوتُ الذاتية الذكرية البيضاء المتخفي وراء موضوعية[34] غير عرقية وغير مُجَنْدَرة – نساءٌ لولا جندرهن لشارَكنَهُ ذات السمات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. يتكررُ إغفالُ النظريةِ النسوية دورَ العرق عند محاولتها وصف تجارب ومعيشة النساء من خلال تحليل الأبوية أو الجنسانية أو مجالات الأيديولوجيا الأخرى. بالتالي، تتجاهل النسويات كيفية عمل عرقهن على التخفيف من بعض جوانب العنصرية الجنسية، بل وأضف على ذلك تجاهلهن ما يمنحه من امتيازات على حساب النساء الأخريات ومساهمته في إخضاع هؤلاء النساء الأخريات.[35] والنتيجة هي بقاءُ النظرية النسوية نظريةً بيضاء، ولا تُدرَك القدرة الكامنة في النسوية على توسيع وتعميق تحليلها ليتصدى لقضايا نساءٍ لا امتيازَ لديهن.

نجد أحد الأمثلة على الاقتصار البنيوي لبعض النظريات النسوية على معيشة وتجارب النساء البِيْض في أدبيات المجاليْن المنفصليْن. نقدُ أيديولوجيا المجاليْن المنفصليْن، وتشكيلها وتقييدها دور النساء في المنزل وفي الحياة العامة، موضوعٌ مركزي في الفكر القانوني النسوي.[36] حاولت النسويات فضح وتفكيك أيدلوجية المجاليْن المنفصليْن عبر تعريف ونقد الصور النمطية الاعتيادية المستخدمة لتبرير الأدوار الاجتماعية المتفاوتة المناطة بالرجال والنساء.[37] لكن هذه المحاولة لتفنيد التبريرات الأيدلوجية لتبعية النساء لا تقدم أدنى فكرة عن التبعية التي تخضع لها النساء السود. لأن الأسس الحياتية التي بنيت عليها الكثير من الأفكار النسوية هي أسسٌ بيضاء؛ الأطروحات النظرية المُشتقَّة منها إما مفرطة التعميم أو خاطئة بالمرة.[38] نجد أطروحات شائعة في هذه الأدبيات، مثل: «يُعَلَّم الرجال والنساء على رؤية الرجال كمستقلّين، قادرين، وأقوياء؛ يُعَلَّم الرجال والنساء على رؤية النساء كعالات، عاجزاتٍ، وضعيفات الحيلة».[39] لكن هذه «الملاحظة» تغفل الاختلافات التي يخلقها تعارضُ التيارات العرقانية والعنصرية الجنسية. يعيش الرجال السود والنساء في مجتمعٍ يخلق أعرافًا وتوقعاتٍ مستندةً إلى الجنس، تعمل العرقانية بتزامنٍ على حرمانهم الوصول إليها؛ لا يُنظَر للرجال السود كأقوياء، ولا يُنظَر للنساء السود كضعيفات حيلة. يجب أن ينطلق أي جهد لتطوير شرح أيديولوجي للهيمنة الجندرية في مجتمع السود من فهم كيفية عمل تيارات القوى المتعارضة على تأسيس المعايير الجندرية وفهم كيفية عمل تبعية السود على تعثير أي اقترابٍ لهذه المعايير. لذلك، لربما يمكننا البدء في رؤية سبب ملاحقةُ صورةِ الأم الحاكِمة (الماتريارك)[40] النمطية النساءَ السود بصفتها حالة مرضية، أو سبب وجود من يطمحون، في حركة تحرر السود، لخلقٍ متعّمد لمؤسسات أبوية وبناء تقاليد أبوية.[41]

لاستنادِ التعريفات الأيديولوجية والوصفية للأبوية عادةً على التجربة الأنثويّة البيضاء، قد تقع النسويات، وغيرهن ممن يستمد من الأدبيات النسوية، في الافتراض القائل إن النساء السود معفيّات من الأعراف الأبوية، لكون دورهن في الأسرة وغيرها من مؤسسات السود لا يماثل دائمًا التمظهرات المألوفة للأبوية في جماعة البِيْض. على سبيل المثال، عملت النساء السود تقليديًا خارج المنزل بأعداد تفوق بكثير معدل مشاركة النساء البِيْض في سوق العمل.[42] قد يؤدي تحليلٌ للأبوية يسلط الضوء على إقصاء النساء البِيْض من أماكن العمل إلى الاستنتاج بأن النساء السود لا تثقلهن هذا التوقعات المستندة إلى الجندر. مع ذلك، فهذا التضارب بين اضطرار النساء السود للعمل والمعايير الرافضة لعمل النساء يخلق بحد ذاته مشاكل في العلاقات الحميمية ومشاكلَ شخصية وعاطفية في حياة هؤلاء النساء السود. بالتالي، لا تقتصر أعباء النساء السود على تحمّل عبء المسؤوليات غير الأنثوية تقليديًا، بل ويضاف عليها تفسيرُ جماعة السود اتخاذهن هذه الأدوار أحيانًا بأنه إما فشلٌ لدى النساء السود في الارتقاء لهذه المُثُل والمعايير أو تمظهُرٌ آخر على الكوارث التي ألحقتها العرقانية بِجَماعة السود.[43] هذه أحد الجوانب العدة للتقاطعية التي لا يمكن فهمها عبر تحليلٍ للأبوية تعود جذوره لتجارب البِيْض.

نجدُ أحد الأمثلة على كيفية تعتيم النظرية النابعة من سياق البِيْض على تعدد أبعاد حياة النساء السود في الخطاب النسوي عن الاغتصاب. أحد المسائل السياسية المركزية في الأجندة النسوية هي مشكلة الاغتصاب المتفشية. يتضمنُ جزءٌ من الجهد الفكري والسياسي للتحشيد حول هذه المسألة نقدًا تاريخيًا للدور الذي لعبه القانون في تأسيس حدود الجنسانية المعيارية وفي ضبط السلوك الجنسية للإناث.[44] يمكننا رؤية تشريعات المعرفة الشهوانية وقوانين الاغتصاب المبكرة في ضمن هذا الخطاب لتبيان أن هدف تشريعات الاغتصاب تقليديًا لم يكن حماية النساء من الإكراه الحميمي بل حماية وحفظ المصلحة شبه التَملُّكية في عفة الإناث.[45] رغم انتقادِ النسوياتِ الصحيح لهذه الأهداف، فَوصفُ قوانين الاغتصاب بأنها تعكس تحكم الذكور على جنسانية الإناث لهو، بالنسبة للنساء السود، شرحٌ مفرط التبسيط بل وغير ملائم بالمرة.

لا تعكسُ التشريعات المتعلقة بالاغتصاب بشكلٍ عام تحكم الذكور بجنسانية الإناث، بل الضبط التنظيمي مِن قِبل الذكور البِيْض لجنسانية الإناث البِيْض.[46] تاريخيًا، لم يكن هنالك أي جهدٌ مؤسسيّ البتة للضبط التنظيمي لعفة الإناث السود.[47] بل إن المحاكم في بعض الولايات وصلت للقول لهيئة المحلَّفين أنّ النساء السود، خلافًا للنساء البِيْض، لا يجب افتراض عفّتهن.[48] ورغم صحة القول إن محاولة الضبط التنظيمي لجنسانية النساء البِيْض وَضَع النساء غير العفيفات خارج حماية القانون، فالعَرْقانية تُرجِع للمرأة البيضاء عِفَّتها حينما يكون المُعتدي المزعوم رجلٌ أسود.[49] لا يتوفر إرجاعٌ للعفة كهذا للنساء السود.

يميلُ التركيز المنفرد على الاغتصاب كتمظهر قوة الذكر على جنسانية الأنثى إلى التعتيم على استخدام الاغتصاب كسلاحٍ في الإرهاب العَرْقاني.[50] حين يَغتصِبُ الذكورُ البِيْض النساءَ السود، لا يُغتصبنَ عمومًا بصفتهن نساءً فقط، بل كنساءٍ سود تحديدًا: كونهن إناث يُعرِّضُهن جنسيًا للسيطرة العرقية، وكونهن سود يحرمهن من أي حماية ممكنة.[51] يعزِّزُ النظامُ القضائي قوةَ الذكر الأبيض هذه حيث الإدانة الناجحة لرجلٍ أبيض بجريمة اغتصاب امرأة سوداء كان أقرب للمستحيل.[52]

الخلاصة هي أن توقعات العفة العنصرية جنسيًا وافتراضات الانحلال الجنسي العنصرية عرقيًا تمتزج لتخلق حزمة متمايزة من المسائل التي تواجه النساء السود.[53] هذه المسائل يندر ما تتطرق لها لأدبيات النسوية ولا هي بارزة في الممارسة السياسية المناهِضة للعرقانية. إن الإعدام الغوغائي16الإعدام الغوغائي (lynching): عملية إعدام خارج إطار القضاء بواسطة مجموعة. في تاريخ الولايات المتحدة، كان الإعدام الغوغائي سلاحًا لإرهاب السود، حيث يجري عادةً بالشنق وتشويه الجثة وعرضها في الشارع على مرأى الناس. حادثة الإعدام الغوغائي ومن ثمّ فتى أسود ذو 14 عامًا اسمه إيمِت تِل وبعدها التمثيل بجثته، بذريعة تحرشه بِالصَفير بامرأة بيضاء، كان لها وقعٌ كبير على جماعة السود في حركة الحقوق المدنية. كانت تُهَم الاغتصاب يُنظَر لها بالريبة في جماعة السود لتكرر استخدام النساءَ البِيْض ادعاء الاغتصاب لتبرئة الذات من تهمة ممارسة الجنس الرضائي مع رجلٍ أسود. للذكور السود، وهي ممارسةٌ مؤسسية يشرعنها الضبطُ التنظيمي لجنسانية النساء البِيْض، احتلت تاريخيًا وحاضرًا الأجندة السوداء حول الجنسانية والعنف. نتيجةً لذلك، تَعْلَق النساء السود بين جماعة السود الذي، لربما على نحو مفهوم، ينظر بعين الشك للحالات القضائية المتعلقة بالعنف الجنسي، وجماعة نسوية تعزز هذه الشكوك بتركيزها على جنسانية الأنثى البيضاء.[54] تعزِّزُ هذا الشك أيضًا حقيقةٌ تاريخية، وهي أن حماية جنسانية الأنثى البيضاء لطالما كانت ذريعةً لإرهاب جماعة السود. وحتى يومنا هذا، هنالك خوفٌ من أن الأجندة المناهضة للاغتصاب قد تقوِّض أهداف مناهَضة العرقانية. هذه المعضلة النظرية والسياسية النموذجية يخلقها تقاطع العرق والجندر هذا: النساء السود عالقاتٌ بين تياراتٍ أيديولوجية وسياسية تندمج لتخلق أولًا التجارب المعيشية للنساء السود ومن ثم تدفنها.

ثالثًا: حينما وأينما أدخل: دمج تحليلٍ للعنصرية الجنسية في الممارسة السياسة لتحرر السود

صاغت آنا جوليا كوبر17آنا جوليا كوبر (1858 – 1964): كاتبة، وعالمة اجتماع، ومتحدثة، وناشطة نسوية من أبرز الناشطات في حركة تحرر السود. في 1924، أصبحت كوبر رابع امرأة أمريكية سوداء تحصل على شهادة الدكتوراه. يعدّ كتابها صوت من الجنوب من امرأة سوداء جنوبية (1892) من كلاسيكيات النسوية السوداء>، وهي نسوية سوداء عاصرت القرن التاسع عشر، عبارةً ما تزال نافعةً في تقييم الحاجة لإلحاق تحليلٍ بيّن للأبوية في جهود التصدي للسيطرة العرقية.[55] تكررت انتقاداتُ كوبر لقيادات السود والمتحدثين باسم السود لكونهم يزعمون التحدث باسم العرق كله، بينما كلامهم لا يشتمل النساء السود. ردَّت كوبر على مقولة مارتِن ديلَيني، «أينما يسمح لي بالدخول، يدخل العرق معي»، بالقول: «لا يمكن إلا للمرأة السوداء القول: حينما وأينما أدخل . . . حينها فقط يدخل عرق النيغرو18النيغرو (Negro): في اللغة الإنجليزية، أشارَ المصطلح إلى مجموعات بشرية تاريخية زُعِمَ انتماؤها لعرق النيغريون (Negroid)، وكان ذلك في فترة انتشار ما سُمِّيَ بالعلوم العرقية، قبل أن يُثبَت أن لا سند لهذه التصنيفات من الصحة. واليوم يُعتبَر المصطلح عمومًا مصطلحًا ازدرائيًا، وإن كان في فترة استُخدِم مِنْ قِبل السّود لوصف الذات. اعتمادُ هذا المصطلح سببه هو العمل التاريخي لمحو الهوية التاريخية للمُستعبَدين المستوردين من أفريقيا، وتجربتهم المشتركة تحت نيّر الاستعباد والعرقانية أدت إلى خلق هوية جامعة، ابتدأت باستخدام مصطلح نيغرو ولاحقًا «أسود» (Black) مع حركة القوّة السوداء (Black Power Movement) الذي أصبح المصطلح المفضّل. بأكملِه معي».[56]

تذكرني كلمات كوبر بتجربة شخصية مررت بها. كنت خارجةً مع زميليْن سود رجال من مجموعة دراسية شكلناها أثناء سنتنا الأولى في كلية القانون، إحداهما خريجٌ من كلية هارفرد، وقد حدثنا مرارًا عن نادٍ رجالي حصري راقي، أعضائه منهم عددٌ من رؤساء أمريكا السابقين وغيرهم من الذكور البِيْض النافذين. وزميلي هذا واحدٌ من قلة قليلة من أعضاء النادي السود. احتفالًا بإنهاء امتحانات سنتنا الأولى، عزمنا صديقنا لنشرب معًا في النادي. وصلنا ومِلْؤنا القلق تحسبًا لرؤية مكان سحري كهذا. طرقنا الجرس النحاسي للبوابة الكبيرة معلنين وصولنا. لكن دخولنا العظيم قاطعه خروج صديقنا بخلسة من وراء الباب وهمس لنا أنه نسي تفصيلًا مهمًا جدًا. وقفت شعيراتنا، فنحن السود تدربنا وتَعلّمنا توقُّعَ حاجزٍ إضافي دائمًا، حتى لو كانت كوتا غير رسمية لا تسمح بدخول أكثر من أسودٍ واحد للمكان. لكن التوتر انكسر حين أخبرنا أنـنا لن يتم إقصاؤنا بسبب العرق، لكنَّـني عليَّ الدخول من الباب الخلفي لأنني أنثى. فكرت بالاعتراضِ بالإشارة إلى أنّ إهانتي وإقصائي كأنثى لا يمكن تبريرها ولا يختلف ألمها عن لو فُرِضَ علينا جميعًا الدخول من الباب الخلفي لأننا سود. لكن لشعوري بعدم وجود إجماع عام حول هذا الفَرَض، ولاعتقادي أن الدخول في أمرٍ كهذا سَيَضَعُنا كلنا في خطر بشكلٍ ما بسبب عرقنا، فشلت في مواجهة ما مررت به. فعلى كل حال، كان النادي على وشك الترحيب بأول ضيوفه السود – رغم أن إحداهم عليها الدخول من الباب الخلفي.[57]

لربما لا تكون هذه القصة أفضل مثالٍ لفشل جماعة السود في التصدي الجاد للمشاكل المتعلقة بتقاطعية النساء السود. ستكون القصة أنسب لو أن النساء السود، والنساء السود فقط، وجب عليهن الدخول من الباب الخلفي للنادي ولو أن التقييد هذا أتى من داخل جماعة السود لا من خارجها. لكن هذه القصة تعكس فعلًا انخفاض اليقظة السياسية والعاطفية تجاه العوائق التي تواجهها النساء السود للتمتع بالامتيازات التي اكتُسِبَت على أساس العرق، لكنها ما تزال تُمنع على أساس الجنس.[58]

تبين هذه القصة أيضًا ترددًا وسط النساء السود حول درجة رأس المال السياسي والاجتماعي الواجب استخدامه لتحدي العوائق الجندرية، خصوصًا حين تكون هذه التحديات تتعارض مع الأجندة المناهضة للعرقانية. مع تعدد أسباب عدم احتساب الجندر بصريح العبارة في تحليلات تبعية السود الأمريكيين، ومن بينها أسبابٌ معادية للنسوية، فأحد الأسباب المركزية هو أن العرق ما يزال يراه الكثير بصفته القوة الاعتراضية الأساسية في حياة السود.[59] إن سلّمنا بِخَلْقِ التجربةِ المعيشية الاجتماعية للعرق هويةً جمعية أساسيًا ومعها إحساسٌ مشترك بالتعرض لهجمة جماعية، عندها يمكننا أن نفهم فهمًا أفضل بعض أسباب عدم احتساب النظرية والممارسات السياسية النسوية السوداء بشكلٍ رئيس في الأجندة السياسية للسود.[60]

لست أقصد أنّ الأمريكيين الأفارقة منخرطون في نضالٍ أهم. رغم أن بعض الجهود المعارِضة للنسوية السوداء تستند إلى هذا الفَرَض، فإن فهمًا أكمل لمشاكل المجتمع الأسود سيكشف أن التبعية الجندرية تساهم مساهمةً كبيرة في فقر كثرةٍ كثيرة من الأمريكيين الأفارقة ويجب بالتالي التصدي لها. يضاف على ذلك أن النقد السالِف للأطر أحادية المنظور يشُكِلُ أي زعمٍ بإمكانية التمييز بين النضال ضد العرقانية والنضال ضد العنصرية الجنسية، ناهيك عن تقديم الأول على الثاني. لكن من الصحيح أن الممارسة السياسية للآخر19الآخر (otherness): في الفلسفة، «الآخر» أو «الآخر المُشكِّل» تشير إلى الإنسان الآخر، باختلافاته عن «الذات»، يكون مشكِّلًا لتصور الشخص لذاته؛ الآخر مختلفٌ ومعاكِس للنفس أو لنا نحن. وفي علم الاجتماع، يٌستخدَم مصطلح الآخر و«الكيان الآخر» و«التحويل إلى الآخر» لفهم منهجية الإقصاء التي تتعرض لها بعض الفئات الاجتماعية بصفتهم «الآخرين» الذين يتصفون بصفات مختلفة (وبالتالي دونية) ما يجعل اختلاط النفس معهم مستحيلًا. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، قد يُوصَف فرد مولود فيها وعاش طول عمره فيها بـ «المهاجر من الجيل الثالث» لمجرد كونه جدّيه مهاجريْن من أمريكا اللاتينية أو من آسيا، فهو رغم أن كامل حياته في بلد معين ولا يعرف غيره يٌعتبَر «مهاجر» (خارجي)، بينما إبن المهاجر الأوروبي لا يُصنَّف عادةً كـ «مهاجر». العرقي التي تمر بها النساء السود مع الرجال السود تكفُّ الوعي النسوي الأسود عن محاكاة تطور النسوية البيضاء. بالنسبة للنساء البِيْض، دَخلَ خلقُ وعي متمايزٍ عن الرجال البِيْض ومعارضٍ لهم بشكلٍ رئيس في تكوين الممارسة السياسية النسوية البيضاء. تعيش النساء السود، مثل الرجال السود، في مجتمع عُرِّفَ وأُخضِعَ باللون والثقافة.[61] رغم أن الأبوية تَجْري بوضوح داخل جماعة السود، مُدخِلةً مصدرًا آخر أيضًا للسيطرة التي تُخضَع لها النساء السود، فالسياق العرقي التي تجد النساء السود أنفسهن فيه يصعّب من خلق وعيٍ سياسي معارضٍ للرجال السود.

فمن الصحيح أن التجارب المتمايزة للآخر العرقي تعمل ضد تطوير وعي نسوي معارِض، لكن منطق الجماعة العرقية يعزز أحيانًا أولوياتٍ دفاعية تهمش النساء السود. بالتالي ترجئ المصالح الخاصة بالنساء السود إلى الهامش في نقاشات السياسات العامة حول الحاجات المزعومة لجماعة السود. الجدل حول فيلم «اللون الأرجواني» 20اللون الأرجواني (The Color Purple): فيلم دراما أنتج في الولايات المتحدة وصدر في سنة 1985، من إخراج ستيفن سبيلبرغ. يوضح ما نتحدث عنه. إن الخوف المحرّك لكثيرٍ من الاحتجاج الذي ظهر هو أن الفيلم أكد الصورة النمطية السلبية حول الرجال السود بِعَرضه التعنيفَ المنزلي في الأسرة السوداء.[62] غَلَب الجدل حول ما إذا كان من اللائق تقديمُ صورةٍ كهذه على الشاشة على مسألة العنصرية الجنسية والأبوية في المجتمع الأسود. رغم الإقرار أحيانًا بأن المجتمع الأسود ليس منيعًا ضد التعنيف الأسري وغيره من تمظهرات الإخضاع الجندري، شعرَ البعض أنه بسبب غياب صورٍ إيجابية للذكر الأسود في الإعلام، فإنَّ عرض صورٍ كهذه لا يقوم إلا بتعزيز الصورة النمطية العرقانية.[63] بدى عندها أن النضال ضد العرقانية يفرض إخضاع جوانب معينة من التجربة المعيشية للأنثى السوداء للتبعية من أجل ضمان أمان جماعة السود الأوسع.

لن تكون طبيعة هذا الجدل غريبة على من يتذكر تحليل دانييل موينيهان لمشاكل أمريكا السوداء.[64] رسم موينيهان صورةَ أسرة سوداء منحلّة، متكهنًا بدمار رب الأسرة الذكر الأسود وَمتباكيًا على خلق شخصية الماتريارك (الأم الحاكِمة) السوداء. تلقت استنتاجاته نقدًا وسعًا من علماء الاجتماع الليبراليين[65] ومن قيادات الحقوق المدنية.[66] المفاجئ هو أنه رغم كثرة النقّاد الذين شخّصوا التقرير بالعنصرية العرقية لاستخدامه الأعمى للأعراف الاجتماعية البيضاء كالمعيار لتقييم الأسر السوداء، قِلَّةً منهم فقط أشاروا للعنصرية الجنسية البارزة في وصم موينيهان النساءَ السود بأنهن مريضات لـ «فشلهن» في الرقي للمعيار الأنثوي الأبيض للأمومة.[67]

يمكن أن نجد النسخ الأحدث للتحليل الموينيهاني في البرنامج التلفزيوني الخاص لِمويرز، «الأسرة السوداء المضمحلة»،[68] وبقدرٍ أقل، برنامج ويليام جوليوس ويلسون، «المحرومون حقًّا».[69] في «الأسرة السوداء المضمحلة»، يقدم مويرز مشكلةَ الأسرة التي ترأسها النساء كمشكلة جنسانية مُنحَلَّة، ناجمة جزئيًا عن سياسات حكومية دفعت لهدم الأسرة.[70] كان موضوع التقرير هو أن دولة الرعاية الاجتماعية عززت تدهور الأسرة السوداء بجعل دور الذكر الأسود لا نفع له. الاستنتاج الملازم لمنظور مويرز هو أن الرعاية الاجتماعية مُخلِّة وظيفيًا لأنها أتاحت للنساء الفقيرات هجرَ رجالٍ، لولا الرعاية الاجتماعية، لَكُنَّ مُتَّكِلاتٍ عليهم.

فشل أغلب المعلّقين الذين انتقدوا البرنامج في طرح الإشكالات التي لربما كشفت الافتراضات الأبوية التي شكلت الأساس للجزء الأكبر من تقرير مويرز. لم يركِّزوا إلا على أبعاد المشكلة الواضح كونها عنصرية عرقيًا.[71] ويقع اللوم نفسه على النسويات البِيْض. نَدُرَ الرد – إن وُجِد – على تقرير مويرز من جهة جماعة النسويات البِيْض. لربما افترضت النسويات خطأً أن المشاكل التي يسلط عليها التقرير مشاكل عرقية، وليست جندرية، لأنه يركز على جماعة السّود. مهما كان السبب، فالنتيجة هي استمرار الجدل حول مستقبل توجه الرعاية الاجتماعية وسياسات الأسرة دوَن مساهمةٍ نسوية معتبرة. لم يقتصر غياب نقدٍ نسوي قوي لنموذج مونيهان/مويرز فقط على إعاقة مصالح النساء السود، بل وآذى مصالح الأعداد المتزايدة من ربّات الأسر من النساء البِيْض، اللاتي يعانين اقتصاديًا.[72]

قام برنامج ويليام جوليوس ويلسون «المحرومون حقًّا» بتغييرٍ كبير في النبرة الأخلاقية لهذا الجدل عبر تأطير المسألة في إطار قلة الرجال السود الصالحين للزواج.[73] وفق ويلسون، لا يمكن انخفاض زيجات السود إلى ضعف الحافز أو إلى عادات العمل السيئة أو انعدام المسؤولية، إنما أسبابه اقتصادية بنيوية طردت العمالة غير الحِرفية السوداء من القوى العاملة. تمثل منهجية ويلسون خطوةً متجاوزة لمنهجية مونيهان/مويرز برفضها محاولتهم مَرْكَزة التحليل على أخلاقيات جماعة السود. لكنه هو أيضًا اعتبر انتشار الأسر التي ترأسها النساء بحد ذاته شيئًا مختلًّا وظيفيًا، وفشل في تقديم تفسير كامل لسبب عيش هذه الأسر حياةً بائسة. ولأن التقرير يفتقر لتحليل طرق عمل بُنيَتْي الاقتصاد والقوى العاملة على إخضاع مصالح النساء، وخصوصًا النساء السود المُنجِبات،[74] يقول ويلسون إن الإصلاح يبدأ بإيجاد طرقٍ لإرجاع الرجال السود إلى الأسرة. في منظور ويلسون، علينا أن نغير البنية الاقتصادية لنقدم وظائف سوداء للرجال السود. لعدم تقديمه أي نقدٍ للعنصرية الجنسية، لا يبحث ويلسون في إعادة التنظيم الاقتصادية أو الاجتماعية التي تمكّن وتعزز مباشرةً هؤلاء الأمهات العازبات السود.[75]

لست أقول في نقدي هذا إنَّ توفير وظائف للرجال السود أمرٌ غير مرغوب به؛ إنه ضروريٌ حقًا ليس فقط للرجال السود أنفسهم، بل لكل جماعتنا، فجماعة السود تعاني من كسادٍ وتشكيلةٍ من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المصاحِبة لِلنِسب العالية للتعطيل. ما دمنا نفترض أن إعادة التنظيم الاجتماعية التي ينادي ويلسون بها ممكنة، فلماذا لا نزيد من عدد خيارات النساء السود؟[76] يجب أن تَحتسب أيُّ أجندة سياسية ونظرية أكمل للطبقة التابعة السوداء الهمومَ الخاصة والمحددة للنساء السود، فأسرهن تَحتل قاع السلم الاقتصادي. إن أردنا التمكن من التصدي مباشرةً لحاجاتِ النساء السود وحاجات أسرهن، فالطريقةُ الوحيدة هي وضعهن في مركز التحليل.[77]

رابعًا: توسيع النظرية النسوية والممارسة السياسية المناهضة للعرقانية عبر اعتناق التقاطع

إن شُرِع في جهودٍ حقيقية لتحرير السود من قيود وظروف التبعية العرقية، فالنظريات والاستراتيجيات التي تزعم الحديث عن حاجات المجتمع الأسود يجب أن تشمل تحليلًا للعنصرية الجنسية والأبوية. بالمثل، يجب أن تشمل النسوية تحليلًا للعرق إن أَمِلَت بالتعبير عن طموحات النساء غير البِيْض. لا يمكن لا للممارسة السياسية لتحرر السود ولا للنظرية النسوية أن تتجاهل التجارب التقاطعية لأولئك اللاتي تزعم الحركتان تمثيلهن. لشمل النساء السود، يجب أن تبتعد كلُ حركةٍ منهما عن منهجيتها السابقة حيث التجارب المعيشية ليست مهمة إلا إذا ارتبطت بأسباب واضحة جدًا (مثل: اضطهاد السود ذو أهمية حين يستند فقط إلى العرق، واضطهادُ النساء ذو أهمية فقط حين يستند إلى الجندر). إن ممارسة كلٍّ من الحركتين يجب أن تتركز على الفرص المعيشية والظروف المعيشية للأناس الذين يجب الاهتمام بهم دون أن يحدَّ ذلك مصدرُ صعوباتهن/م.

أشرت سابقًا إلى أن الفشل في اعتناق تعقيد التركيبة الاجتماعية ليس مسألة إرادة سياسية فحسب، بل هو نتيجةٌ لتأثير طريقةٍ معينة للتفكير في التمييز، طريقةٌ تشكّل بنية الممارسة السياسية حيث النضالات تُصنَّف كمسائل أحادية. أضف على ذلك أن هذه البنية تستورد منظورًا وصفيًا ومعياريًا للمجتمع يعزز الوضع الحالي.

لربما من المفارقة أن تتبنى المهتمات والمهتمين بتخفيف بلاءات العرقانية والعنصرية الجنسية منهجيةً «تنازلية» تجاه التمييز. إنْ بدأت جهودهن بدلًا من ذلك بالتصدي لحاجات ومشاكل أولئك الأشد حرمانًا، وبإعادة هيكلة وإعادة صنع العالم حيث ذلك ضروري، فمن هن وهم محرومات ومحرومون أحاديًا سينتفعون من ذلك أيضًا. بل ويبدو أنّ وضع من هن مهمَّشات ومهمَّشون، حاليًا، في المركز هي أنجع طريقة لمقاومة الجهود الساعية للتفرقة بين هذه التجارب وتقويض العمل الجماعي الممكن إنشاؤه.

ليس من الضروري الاعتقاد بأنَّنا سنصل غدًا لتوافقٍ سياسي على التركيز على حياة الأشد حرمانًا لكي نضع خطاب التمييز في مركز التقاطع. من الكافي الآن أن جهدًا كهذا سيشجعنا على النظر إلى ما وراء التصويرات السائدة للتمييز، وتحدي ذلك الرضى عن الذات، وتحدي والقبول بالوضع الحالي الذي نتج عن قناعةٍ بفعالية هذا الإطار الأحادي. عندها قد نتمكن من تطوير لغة ناقدة للمنظور المسيطر توفر لنا أسسًا ما لتوحيد نشاطنا. يجب أن يكون هدفُ هذا النشاط تسهيلُ شمل الفئات المهمَّشة الممكن لها القول: «حيث أدخل، كلنا ندخل».

المصدر: المنتدى القانوني لجامعة تشيكاغو


ملاحظات:

[1] غلوريا ت هُل، وآخرون، تحرير، كُلُّ النساء بيض، كل السود رجال، لكن بعضنا شجعان.

Gloria T. Hull, et al, eds, All the Women Are White, All the Blacks are Men, But Some of Us are Brave.

[2] للاستزادة من أدبيات تطرح منظورًا نسويًا أسود للقانون، أنظر:

جودي سكيلز-ترينت، النساء السود والقانون: إيجاد مكاننا، طلبُ حقوقنا (أصوات التجربة: أجوبة جديدة لخطاب الجندر).

Judy Scales-Trent, Black Women and the Constitution: Finding Our Place, Asserting Our Rights (Voices of Experience: New Responses to Gender Discourse).

 ريجينا أوستن، مقيّدٌ بالياقوت!

Regina Austin, Sapphire-Bound!

أنجيلا هاريس، العرق والجوهرانية في النظرية القانونية النسوية.

Angela Harris, Race and Essentialism in Feminist Legal Theory.

بوليت م كلادويل، قطعة شعر.

Paulette M Cladwell, A Hair Piece.

[3] نجد التمظهر اللغوي الأكثر شيوعيًا لهذه المعضلة التحليلية في الاستخدام الشائع لعبارة «السود والنساء». رغم صحة أن بعض الناس يقصدون شمل النساء السود إما في «السود» أو «النساء»، فسياق استخدام العبارة يوحي واقعًا بعدم وضع النساء السود في الحسبان. أنظر مثلًا: إليزابيث سبيلمان، المرأة غير الضرورية. (في نقاشٍ لمقال عن السود والنساء في الجيش حيث «لا يُصرَّح بالهوية العرقية لأولئك المعرَّفات كـ ‹نساء› إلا عند الإشارة للنساء السود، وعندها يتبين صراحةً أن تصنيف النساء لا يشمل النساء السود»). لشمل النساء السود صراحةً، يبدو أن العبارة المفضّلة هي «السود والنساء البيْض» أو «الرجال السود وكل النساء».

Elizabeth Spelman, The Inessential Woman.

[4] قانون الحقوق المدنية لعام 1964، قانون الولايات المتحدة، المجلد 42. القسم 2000 إي، وما يليه، مع تعديلات (1982).

[5] الملحق الفدرالي. المجلد 413. ص 142. (محكمة الولايات المتحدة المحلية لمنطقة ميزوري الشرقية 1976)

[6] السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 708. ص 475 (الدائرة التاسعة 1983).

[7] السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 673. ص 798 (الدائرة الخامسة 1983).

[8] «ديغرافينريد». الملحق الفدرالي. المجلد 413. ص 143. (محكمة الولايات المتحدة المحلية لمنطقة ميزوري الشرقية 176)

[9] المصدر السابق، ص 144.

[10] المصدر السابق، ص 145. في «موسلي ضد جينيرال موتورز»، واستنادًا إلى العنوان السابع من قانون الحقوق المدنية، انتصر الادعاء في زعمه بوجود تمييز عرقي واسع في مصنع جينيرال موتورز في سينت لويس، لكن تحدي نظام الأقدمية الذي جرى في «ديغرافينريد» لم يُبَت فيه في قضية «موسلي».

[11] المصدر السابق، ص 145.

[12] من المثير للاهتمام أنه لم تكتشف أي قضية حيث منعت المحكمة محاولةَ ذكر أبيض من تقديم قضية تمييز عكسي على أسس مشابهة – أي على أساس أن مزاعم الجنس والعرق لا يمكن دمجها، لأن مجلس الشيوخ لم ينوي حماية الفئات المركبة. حقيقةً لا تختلف حال الذكور في قضايا التمييز العكسي الاعتيادية عن الادعاء المُحبَط في قضية «ديغرافينريد»: إنْ طُلِبَ من الذكور البِيْض تقديم مزاعمهم بانفصال، لا يمكنهم إثبات وجود تمييز عرقي لأن النساء البِيْض لا يتعرضن لتمييز، ولا يمكنهم إثبات وجود تمييزٍ جنسي لأن الذكور السود لا يتعرضون لتمييز. رغم ذلك، فالمحاكم لا تقر بالطبيعة المركبة لأكثرية قضايا التمييز العكسي. إذن، فدعاوى النساء السود تثير مباشرةً مسألة التمييز المركب بينما قضايا «التمييز العكسي» الخاصة بالذكور البِيْض لا تثير تلك المسألة، وذلك يدل على أن مفهوم التركُّب مشروطٌ بشكلٍ ما بمعيار ضمني ليس حياديًا، المعيارُ هو الذكر الأبيض. بالتالي، يُنْظَر للنساء السود كفئة مركبة لِبُعْدِهن بخطوتين عن المعيار الذكر الأبيض، بينما الذكور البِيْض لا ينظر لهم كفئة مركبة لأنهم يُمثلون المعيار على نحوٍ ما.

[13] لست أعني هنا أن كل المحاكم تعاملت مع قضاياها مثل ما جرى في قضية «ديغرافينريد». في الواقع، استنتجت محاكم غيرها أن النساء السود محميّات ضمن المادة السابعة. أنظر مثلًا قضية «جيفريز ضد رابطة عمل جماعة هاريس». السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 615. ص 1025 (الدائرة الخامسة، 1980). لست أقصد هنا أن حقيقةَ التعامل مع دعاوى النساء السود كدعاوى شاذة تعني بحد ذاتها أن عقيدة التمييز الجنسي متمركزة حول تجارب النساء البِيْض، فحتى تلك المحاكم التي أقرَّت بحماية النساء السود سلَّمت هي أيضًا بأن دعاوى النساء السود تثير مسائل لا تثيرها مزاعم التمييز الجنسي «المعيارية». أنظر إيلين و شوبين، التمييز المركب: التفاعل بين العرق والجنس في التمييز الوظيفي، مجلة القانون لجامعة نيو يوك. العدد 55. ص 793، 803-804 (1980) (تنتقد فيه استخدام منهجية تحليل «الجنس بالإضافة إلى» في قضية «جيفريز» لخلق فئة ثانوية من النساء السود).

Elaine W Shoben, Compound Discrimination: The Intersection of Race and Sex in Employment Discrimination.

[14] السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 708. ص 375.

[15] أنظر: قضية «مور ضد الرابطة الوطنية لتجار الضمانات». سجل قرارات التوظيف. المجلد 27 (كومرس كليرنغ هاوس). ص 32238 (محكمة الولايات المتحدة المحلية لمقاطعة كولومبيا، 1981) وانظر أيضًا: قضية «إيدموندسون ضد سيمون». سجل قرارات الأحكام الفدرالية. المجلد 86. ص 375. (محكمة الولايات المتحدة المحلية للمنطقة الشمالية من إلينوي، 1980). (حيث رفضت المحكمة الإقرار قانونيًا بعدم إمكان أنثى سوداء تمثيل مصالح السود والإناث معًا دون تضارب مصالح).

[16] السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 702. ص 479. ما بين يناير 1976 ويونيو 1979، الثلاث سنوات التي تزعم فيها مور أنها تعرضت لتجاهلٍ في الترقيات، تراوحت نسبة الذكور البِيْض الذين يحتلون مناصب إشرافية من الدرجة الأولى ما بين 70.3% و76.8%؛ والذكور السود ما بين 8.9 و10.9%؛ والنساء البِيْض بين 1.8 و3.3%؛ والإناث السود بين 0 و2.2%. تراوحت نسبة الذكور للإناث في الرتب الخمس الأعلى ما بين 100% لـ 0% في 1976 و98% لـ 1.8% في 1979. كانت نسبة البِيْض للسود 85% لـ 3.3% في 1976، و79.6% لـ 8% في 1979. وكانت النسبة الكلية للرجال إلى النساء في المناصب الإشرافية ما بين 98.2 إلى 1.8% في 1976، و93.4 إلى 6.6% في 1979؛ كانت نسبة السود للبِيْض في تلك الفترة نفسها 78.6% لـ 8.9%، و73.6% لـ 13.1%.

كانت النسب أسوء فيما يتعلق بالترقيات للمناصب العمالية الخمس العليا. ما بين 1976 و1979، نسبة الذكور البِيْض في هذه المناصب تراوحت ما بين 85.3% و77.9%؛ الذكور السود ما بين 3.3% و8%؛ الإناث البِيْض ما بين 0% و1.4%، والإناث السود ما بين 0% و0%. بالمجمل، في 1979، 98.2% من الموظفين ذوي الرتب العليا كانوا من الذكور؛ 1.8% كنَّ من الإناث.

[17] السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 708. ص 480. (العريض مُضاف)

[18] المصدر السابق. ص 484-486.

[19] وفق نظرية التباين في التأثير التي انتشرت في تلك الفترة، على الادعاء تقديم إحصائيات تدل على وجود سياسة أو عملية تؤثر أثرًا متباينًا على من ينتمي أو تنتمي لفئة محمية. يمكن لرب العمل تفنيد الدليل بتبيان وجود ضرورة تجارية تعزز هذه القاعدة. يمكن للادعاء حينها الرد على محاولة التفنيد بتبيان وجود بدائل أخرى أقل تمييزًا. أنظر مثلًا، «غريغز ضد ديوك باور»، سجل الولايات المتحدة. المجلد 424 (1971)؛ «كونيكتيكت ضد تيل»، سجل الولايات المتحدة. المجلد 457. ص 440 (1982).

أحد المسائل الرئيسية في قضايا التباين في التأثير تتعلق بما إذا كان الأثر المثبت وجودة مهمًا إحصائيًّا. وأحد المسائل الناتجة تتعلق بكيفية تعريف الفئة المحمية. في العديد من القضايا، تفضل إناث سود في الادعاء استخدام إحصائيات تتضمن النساء البِيْض و/أو الرجال السود لتبيان كون السياسة المعنية فيها فعلًا تباين في التأثير ضد الفئة المحمية. إن كان الأمر كما كان في قضية «مور»، واستخدمَ الادعاء إحصائيات لا تشمل إلا النساء السود، فقد لا يكون هنالك عدد كافٍ من الموظفات السود لصياغة إحصائيات ذات عينة مهمة إحصائيًا.

[20] المصدر السابق، ص 484.

[21] دعّمت المحكمة استنتاجاتها فيما يتعلق بالوظائف العمالية عالية المستوى بإحصائياتٍ لمنطقة لوس أنجلوس المتروبولية، إذ دلت الإحصائيات على وجود 0.2% فقط من النساء السود في الأصناف الوظيفية المقارِنة. المصدر السابق، ص 485. ن 9.

[22] المصدر السابق، ص 486.

[23] المصدر السابق.

[24] أنظر: قضية «سترونغ ضد مؤسسة أركانساس بلو كروس أند بلو شيلد»، سجل قرارات القواعد الفدرالية. المجلد 87. ص 496 (محكمة الولايات المتحدة المحلية للمنطقة الشرقية من أركنسا، 1980)؛ وقضية «هامونز ضد شركة فولغر للقهوة» سجل قرارات الأحكام الفدرالية. المجلد 87. ص 600 (محكمة الولايات المتحدة المحلية للمنطقة الغربية من ميسوري، 1980)؛ وقضية «إيدموندسون ضد سيمون»، سجل قرارات الأحكام الفدرالية. المجلد 86. ص 375 (محكمة الولايات المتحدة المحلية للمنطقة الشمالية من إلينوي، 1980)؛ وقضية «فيونتش ضد مصرف الجمهورية الوطني في دالاس»، سجل قرارات الأحكام الفدرالية. المجلد 86. ص 375 (محكمة الولايات المتحدة المحلية للمنطقة الشمالية من تكساس، 1979)؛ وقضية «كولستون ضد شركة ماريلاند كَب». خدمة الأحكام الفدرالية. العدد 26. ص 940 (الولايات المتحدة المحكمة الجزئية للمنطقة الشمالية من ميسيسيبي، 1976).

[25] الملحق الفدرالي. المجلد 416. ص 248. (محكمة الولايات المتحدة المحلية لمنطقة ميزوري الشرقية 1976)

[26] القضية بدأت في 2 مارس، 1972، بعد أن رفعت ثلاث موظفات شكوى سعين فيها لتمثيل فئة أناسٍ ادُّعي تعرضهم لتمييزٍ عرقي على يد الدفاع. نتيجة لذلك، عدَّل الادعاء الشكوى لتتضمن ادعاء تمييزٍ جنسي. من أعضاء الادعاء الأساسي المُسمّى، كان أحدهم ذكرًا أسود واثنتين من الإناث السود. في الثلاث سنوات ما بين رفع الشكوى والمحاكمة، تلقّى الدعاء الذكر المُسمّى الوحيد إذنًا بالانسحاب لأسباب دينية. السابق، ص 250.

[27] كما بين رأي القاضي المخالِف في قضية «ترافينول»، لم لكن هنالك سبب لإقصاء الذكور السود من الانتصاف بعد أن قدم المستشار دليلًا كافيًا لدعم الاستنتاج بوجود تمييزٍ ضد الرجال السود. إن كان منطق إقصاء الذكور السود هو احتمال وجود خلافٍ بين الذكور السود والإناث السود، إذن «في تلك الحالة، ونعيد هنا صياغةَ قول مأثور، نجدُ الدليل على قدرة الادعاء على تمثيل مصالح الذكور السود في التمثيلِ نفسه» السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 673. ص 837-838.

[28] السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 637. ص 789. (الدائرة الخامسة 1982).

[29] في عقيدة مناهضة التمييز، حضورُ النية في التمييز يفرّق ما بين التمييز القانوني وغير القانوني. أنظر: قضية «واشنطن ضد ديفس»، سجل الولايات المتحدة. المجلد 426. ص 239-45 (1976) (إثباتُ النية في التمييز كان متطلبًا لإثبات مخالفة قانون الحماية المتساوية). لكن في ظل العنوان السابع، قالت المحكمة: يمكن اعتبار البيانات الإحصائية التي تثبت وجود تأثيرٍ غير متناسب أساسًا كافيًا لإثبات وقوع التمييز. أنظر قضية: «غريغز»، سجل الولايات المتحدة. المجلد 401. ص 432. ما زال من غير الواضح ما إذا كان التمايز بين التحليليْن سيظل قائمًا. أنظر قضية: «شركة ووردز كوف باكينغ ضد أنتونيو». سجل المحكمة العليا. المجلد 109. ص 2112-2123 (1989) (تبيان فروقاتٍ محضة ليس كافيًا ليؤسس الادعاء دعوى صريحة بوقوع تباين في التأثير). لقراءة نقاشٍ في المنظورات المعيارية المتنافسة وراء تحاليل النية والآثار، أنظر: آلان ديفيد فريمان، شرعنة التمييز العرقي عبر قانون مناهضة التمييز: مراجعة ناقدة لعقيدة المحكمة العليا، المجلة القانونية لمينيسوتا. العدد 62. ص 1039 (1978).

Alan David Freeman, Legitimizing Racial Discrimination Through Antidiscrimination Law: A Critical Review of Supreme Court Doctrine.

[30] لمثالٍ على ذلك، أنظر قضية: «مور». السجل الفدرالي: السلسلة الثانية. المجلد 708. ص 479.

[31] أنظر فيليس بالمر، التأنيث العرقي للفقر: النساء الملونات كنذيرٍ لمستقبل كل النساء، المجلة الربعية دراسات المرأة، العدد 11. ص 3-4 (خريف 1983) (يطرح مسألة لماذا «لم تؤسس النساء البِيْض في حركة النساء تحالفاتٍ فعالة ومستمرة مع النساء السود» بينما «في الوقت نفسه . . . أصبحت النساء السود بطلاتٍ لحركة النساء، وهي مكانةٌ يرمز لها الاستخدام المستمر لِسوجورنر تروث وكلماتها الشهيرة، ‹أولست امرأة؟›.»)

Phyliss Palmer, The Racial Feminization of Poverty: Women of Color as Portents of the Future for All women.

[32] أنظر: باولا غيدينغز، حينما وحيثما أدخل: أثرُ النساء السود على العرق والجنس في أمريكا. ص 54. (ويليام مورو وشركاه، الطبعة الأولى، 1984).

Paula Giddings, When and Where I Enter: The Impact of Black Women on Race and Sex in America.

[33] إلينور فليكسنر، قرنٌ من النضال: حركة حقوق المرأة في الولايات المتحدة. ص 91. (مطبعة بيلناب لمطبعة جامعة هارفرد، 1978).

Eleanor Flexner, Century of Struggle: The Women’s Rights Movement in the United States.

 أنظر أيضًا: بيل هوكس، أولست امرأة، ص 159-160 (مطبعة ساوث إيند).

bell hooks, Ain’t I a Woman.

[34] « ‹الموضوعية هي بحد ذاتها مثالٌ لتشيؤ فكر الذكر الأبيض». هول وآخرون، محررات، لكن بعضنا شجعان. ص XXV.

[35] مثلًا، تمكنت العديد من الإناث البِيْض اختراقَ معاقِلَ الذكرية البيضاء، لكن لم تفعلن ذل بإحداث أي تغيير أساسي في منظومة عمل الذكر مقابل عمل الأنثى، بل غالبًا عبر نقل مسؤولياتهن «الأنثوية» إلى النساء الفقيرات ونساء الأقليات.

[36] يتكرر نقاشُ النسويات لكيفية تعزيزِ الصور النمطية والمعايير المستندة إلى الجندر تبعيةَ النساء بتبرير عزلهن من الحياة العامة وتبجيل أدوارهن في المجال الخاص. تاريخيًا، لعب القانون دورًا في الحفاظ على هذه التبعية بتعزيزه عزل النساء من الحياة العامة الحدِّ من وصولهِ عن المجال الخاص. أنظر مثلًا، ديبراه ل رود، الارتباط والاندماج، مجلة القانون لجامعة نورثويسترن. العدد 81. ص 106 (1986)؛

Deborah L. Rhode, Association and Assimilation.

 فرانسيس أولسين، من الأبوّة الزائفة إلى المساواة الزائفة: الهجمات القانونية على جماعة النسوية، إلينوي 1869-1895، مجلة القانون لجامعة ميتشغان. العدد 84. ص 1519 (1986)؛

Frances Olsen, From False Paternalism to False Equality: Judicial Assaults on Feminist Community.

 مارثا مينو، تقدم: توليد العدالة وجندرها، مجلة قانون جامعة هارفرد. العدد 101. ص 10 (1987)؛

Martha Minow, Forward: Justice Engendered.

 نادين توب، إليزابيث م شنايدر، منظورات حول تبعية النساء دور القانون، في ديفد كيريز، محرر، سياسات القانون. ص 117-139 (بانثيون بوكس، 1982).

Nadine Taub and Elizabeth M Schneider, Perspectives on Women’s Subordination and the Role of Law, in David Kairys, The Politics of Law.

[37] أنظر الأعمال الواردة في الملاحظة رقم 36.

[38] يشكل هذا النقد توضيحًا منفردًا للزعم الأعم بأن النسوية استندت إلى تجربة النساء البِيْض من الطبقة الوسطى. على سبيل المثال، وضعت النصوص النسوية المبكرة، مثل نص بيتي فريدان، اللغز الأنثوي (و و نورتن 1963)، مشاكل بِيْض الطبقة الوسطى في مركز النسوية، وبالتالي ساهمت في رفض جماعة السود لها. أنظر: هوكس، أولست امرأة؟ ص 185-196 (تشير هوكس إلى النساء السود رفضن النسوية لأن أجندتها، أجندةُ الطبقة الوسطى البيضاء، تجاهلت هموم النساء السود).

[39] ريتشارد أ واسيرستروم، العرقانية، العنصرية الجنسية والمعاملة التفضيلية: مقاربة للموضوعات، مجلة قانون جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. العدد 24. ص 581، 588 (1977). اخترت هذا المصطلح ليس لأنه اعتيادي في أغلب الأقوال النسوية حول المجاليْن المنفصليْن؛ أغلب النقاشات واقعًا ليست ببساطة الكلمة الجريئة المطروحة هنا. أنظر مثلًا، توب وشنايدر، منظورات حول تبعية النساء ودور القانون، ص 117-139.

Richard A. Wasserstorm, Racism, Sexism and Preferential Treatment: An Approach to the Topics.

[40] مثلًا، صُوِّرَت الأسر السوداء بصورةٍ مَرَضية غالبًا بسبب تباعد النساء السود عن معيار الأنوثة المستند إلى الطبقة الوسطى البيضاء. نجد أسوء نسخ هذا المنظور في تقرير موينيهان الذي يعزّي مشاكل جماعة السود إلى بنية أسرية يزعمُ أنها مَريضة. لنقاشٍ حول هذا التقرير ونسخته المعاصرة، أنظر أدناه.

[41] أنظر: هوكس، أولست امرأة. ص 94-99 (حيث تناقش إعلاء الصور العنصرية جنسيًا في حركة تحرر النساء أثناء الستينات).

[42] أنظر عمومًا جاكلين جونز، عمل الحب، عمل الحزن: النساء السود، العمل، والأسرة من العبودية إلى الحاضر (بيسك بوكس، 1985)؛

Jaqueline Jones, Labor of Love, Labor of Sorrow; Black women, Work, and the Family from Slavery to the Present

أنجيلا ديفس، النساء، العرق، والطبقة (راندوم هاوس، 1981).

Angela Davis, Women, Race and Class.

[43] كما أشارت إليزابيث هيغينبوثام، «صُوِّرَت النساء الاتي يتكرر فشلهن في التوافق مع الأدوار الجنسية ‹اللائقة› كنساءٍ ناقصات، بل وأُشْعِرنَ بذلك – رغم اتصافهن، كنساء، بسمات يُقَرُّ بها كإيجابية حين يتصف بها الرجال في المجتمع الأوسع. توصم هؤلاء النساء بالعار لعدم انصياعهن للأدوار الجندرية المتوقعة، نتيجة النظر إليهن كتهديدٍ لمنظومة القيم». إليزابيث هيغينبوثام، مسألتان مُمثِّلتان في النصوص السوسيولوجية المعاصرة حول النساء السود، في هول، محررة، لكن بعضنا شجعان. ص 95 (الملاحظة 1).

Elizabeth Higginbotham, Two Representative issues in Contemporary Sociological Work on Black Women.

[44] أنظر عمومًا: سوزان براونميلر، رغمًا عنّا (سيمون وشاوستر، 1975)؛

Susan Brownmiller, Against Our Will.

سوزان إيتريش، اغتصاب حقيقي (مطبعة جامعة هارفرد، 1987).

Susan Estrich, Real Rape.

[45] أنظر: براونميلر، رغمًا عنا ص 17؛ أنظر عمومًا: إيتريش، اغتصاب حقيقي.

[46] أحد المعضلات النظرية المركزية للنسوية هي أن التجارب التي تُوصَف كتمظهرات لسيطرة الذكر على الإناث يمكن أنْ تكون واقعًا تمظهرات لتحكم الفئة المُسيطِرة بكل الفئات المُخضَعة، وهذه المعضلة يخفيها التصوير التعميمي لتجارب النساء البِيْض. تكمن أهمية ذلك في أن الرجال غير المهيمنين قد لا يشاركون أو يساهمون أو يجدون ارتباطًا مع التصرفات أو المعتقدات أو الأفعال المَعْنيّة، وقد يكونون هم أنفسهم ضحايا لقوة «الذكر». لكن في سياقاتٍ أخرى قد تشمل «سلطة الذكر» الرجال غير البْيِض، خصوصًا في سياقات المجال الخاص. ترتبط الجهود المعنية بمسألة متى تكون الهيمنة على النساء السود بصفتهن نساء ومتى تكون الهيمنة عليهن بصفتهن نساء سود ارتباطًا مباشرةً بمسألة متى تكون القوة ذَكَرية ومتى تكون ذكرية بيضاء.

[47] أنظر: نوت، الاغتصاب، العرقانية، والقانون، مجلة القانون النسائي لجامعة هارفرد. العدد 6. ص 103، 117-123 (1982) (تناقِش الأدلة التاريخية والمعاصِرة التي تدل على عدم افتراض عفة النساء السود عمومًا). أنظر أيضًا: هوكس، أولست امرأة. ص 54 (تبين استنادَ الصور التنميطية لأنوثة السود أثناء العبودية على خرافة أن «كل النساء السود منحلات أخلاقيًا وجنسيًا»)؛ بيفرلي سميث، صحة النساء السود: ملاحظات لفصل دراسي في هول، وآخرين، محررات، لكن بعضنا شجعان. ص 110 (تشير إلى أن «. . . الرجال البِيْض ولقرون برروا تعديهم الجنسي على النساء السود بادعاء أنهن خليعات، ودائمًا ‹مستعدات› لأي فعل جنسي»).

Beverly Smith, Black Women’s Health: Notes for a Course.

[48] لربما لا يكون القول التالي غريبًا إلا في صراحته: «لا شكَّ أن ما صرحت به بعض محاكمنا حول استثنائية افتقار الأنثى للعفة صحيحٌ فيما يتعلق بالمناطق السكنية ذات الأغلبية العرقية القوقازية، لكننا سنعمي أنفسنا تجاه الظروف الفعلية إن تبنينا هذه القاعدة للمناطق السكنية المأهولة بنسبةٍ عالية من عرقٍ آخر يغلب عليه الفساد الأخلاقي». «دالاس ضد الولاية»، مقتبس في نوت، مجلة القانون النسائي لجامعة هارفرد. العدد 6. ص 121.

متبنيًا هذا المنظور تحديدًا، صرح معلّقٌ في 1902: «أحيانًا أسمع بوجود امرأة نيغرو عفيفة، لكن هذه الفكرة خيالية بالنسبة لي . . . لا يمكنني تخيّل وجود مخلوق المرأة النيغرو العفيفة هذا». المرجع السابق ص 82. ما تزال هذه الصور حاضرة في الثقافة الشعبية. أنظر: بول غرِين، تقويم أحدث مفاجئات الموسيقى البوب، 1988. (متحدثًا عن ضجة حصلت في أواخر السبعينات حول أغنية لرولينغ ستونز تضمن السطر، «الفتيات السود لا يرغبن إلا بالنيك طوال الليل»).

Paul Grein, Taking Stock of the Latest Pop Record Surprises.

اتخذت معارضةُ هذه الصور النمطية السلبية أحيانًا شكلًا من أشكال المحافظة الجنسية. «ردة فعلٍ يائسة تجاه هذه الخرافة المسيئة هي محاولة . . . التماشي مع أكثر نسخ الأخلاقيات الأبوية تقييدًا». سميث، صحة النساء السود، في هول وآخرين، محررون، لكن بعضنا شجعان. ص 111. جزءٌ من ردة الفعل هذه تنعكس على مواقف وسياسات مدارس السود التي اشتهرت بشدتها في ضبط سلوكيات الإناث من الطلّاب. أنظر: غيل إليزبايث وايِت، التجربة الجنسية للنساء الأفرو-أمريكيات، في مارثا كيركباتريك، محررة، التجربة الجنسية للنساء: استكشافُ القارة السمراء. ص 24 (تشير إلى «الفروقات بين الجامعات الأفرو-أمريكية غالبًا، حيث يوجد إشرافٌ أكبر على السلوكيات الجنسية، وأغلبية كليات البِيْض، حيث القيود وحظر التجوال الليلي على السكان أقل»). لن تكون أي محاولة لفهم ونقد التشديد على عفة السود تفتقر للتركيز على الأيديولوجيا العرقانية التي تضع العفة خارج متناول النساء السود إلا محاولةً ناقصة وخاطئة على الأرجح.

Gail Elizabeth Wyatt, The Sexual Experience of Afro-American Women, in Martha Kirkpatrick, ed, Women’s Sexual Experience: Exploration of the Dark Continent.

[49] بسبب طريقة نظر النظام القانوني للعفة، استحال كون النساء السود ضحايا للاغتصاب الإكراهي. أشارَ معلّقٌ إلى أنه «وفق الصور النمطية الحاكمة [هكذا ورد]، لا يمكن أن تملك النساء السود العفة. بالتالي، كانت تهم الاغتصاب من النساء السود تسقط تلقائيًا، ومسألة العفة لم تكن قابلة للنقاش إلا في الحالات حيث شكوى الاغتصاب قادمة من امرأة بيضاء». نوت، مجلة القانون النسائي لجامعة هارفرد. العدد 6. ص 126. لم تؤخذ ادعاءات النساء السود بالاغتصاب بجدّية مهما كان عرقُ المعتدي. قال قاضي في عام 1912: «هذه المحكمة لن تأخذ يومًا كلمةَ امرأة نيغرو ضد كلمة رجلٍ أبيض [فيما يتعلق بالاغتصاب]». المرجع السابق، ص 120. في المقابل، كان الإعدام الغوغائي يعتبر علاجًا فعالًا إن اغتصَب رجلٌ أسود امرأة سوداء. لكونِ اغتصاب المرأة البيضاء من قبل رجلٍ أسود «جريمة أبشع من القتل»، كان الحل الوحيد لتهدئة غضب المجتمع وإرجاع الكمال لهذه المرأة هو القتل لوحشي لهذا الرجل الأسود. المرجع السابق ص 125.

[50] أنظر: اغتصابُ النساء السود كسلاح إرهاب، في غيردا ليرنر، محررة، نساءٌ سود في أمريكا بيضاء. ص 172-193 (كُتب بانثيون، 1972). أنظر أيضًا: براونميلر، رغمًا عنا. حتى عندما تقر براونميلر باستخدام الاغتصاب كإرهابٍ عرقي، ترفض جعله «حالة خاصة» للنساء السود، حيث تقديم أدلة بتعرض النساء البِيْض للاغتصاب من قِبل الـ «كلان» أيضًا. المرجع السابق، ص 139. سواءً أردنا اعتبار الاغتصاب العنصري العرقي للنساء السود «حالة خاصة» أم لا، فتجاربهن كانت مختلفة على الأرجح. على أي حال، معاملة براونميلر لهذه المسألة يثير أسئلة خطيرة حول إمكانية الحفاظ على تحليلٍ للأبوية دون فهم تقاطعاتها المتعددة مع العرقانية.

The Rape of Black Women as a Weapon of Terror, in Gerda Lerner, ed, Black Women in White America.

[51] ليرنر، نساء سود في أمريكا بيضاء، ص 173.

[52] أنظر عمومًا: نوت، مجلة القانون النسائي لجامعة هارفرد. العدد 6. الصفحة 103 (ملاحظة 47).

[53] تلاحظ باولا غيدينغز الأثر المركب للصور النمطية الجنسية والعرقية: «نُظِرَ للنساء السود على أنهن تتصفن بكل نواقص النساء البِيْض دونَ أي من حسناتهن». غيدينغز، حينما وأينما أدخل، ص 82. (الملاحظة 32).

[54] معالجة سوزان براونميلر لقضية إيميت تِل تُبيِّن سبب بعثِ تسييس محاربة الاغتصاب القلق لبعض الأمريكيين الأفريقيين. رغم جهود براونميلر الحميدة في نصوص أخرى حول النقاش المعني باغتصابِ النساء السود، وبالعرقانية الداخلة في الهستيريا حول خطر الذكر الأسود، فتحليلها لقضية تِل يضع في المركز جنسانية النساء البِيْض بدل الإرهاب العرقي. كتبت براونميلر: «يندر ما تفعل قضية واحدة ما فعلته قضية تِل بفضح الخصومات الداخلية للمجموعات الذكرية على الوصول إلى النساء، فما بدأ في دكّان براينت لا يجب أن يفهم خطأً كمغازلة بريئة . . . في الواقع، إن الوصول لكل النساء البِيْض كان محل النظر». براونميلر، رغمًا عنا ص 272.

بعد ذلك براونميلر تجادل:

ماذا عن صفارة تِل، أهي مجرد «تعبير عن بجاحة مراهق»؟ من الطبيعي الذعر من قتلِه بسبب هذه الصفارة، لكن علينا أن نقر أيضًا بأن إيميت تِل وج و ميلام يتشاركان صفة ما. كلاهما فهما أن الصفارة لم تكن مجرد صفارة فرحٍ صغيرة أو لحنًا يمتدح جمالها. عندما ننظر لما آلت إليه الأمور . . . كانت تلك الإهانة المتعمدة أقرب ما تكون لهجمةٍ جسدية، تذكيرٌ أخيرٌ لكارولين براينت بأن هذا الفتى الأسود، تِل، يمكن له تملُّكها.

السابق، 273.

بينما يبدو أن براونميلر تعتبر القضية دليلًا على الصراع حول الملكية، يُنْظَر لها في التاريخ الأمريكي الأفريقي كقصة مأساوية تعبّر عن الكراهية والخوف المَرَضِيَّين في الجنوب الأمريكي تجاه الأمريكيين الأفريقيين. جثة تِل، التي شُوِّهَت لأبعد الحدود، رآها آلاف الناس، كما قالت أمُّ تِل، «كي يرى العالم ما فعلوه بِوَلدي». هوان ويليامز، مناصرة العدالة، في «عيونٌ على الجائزة» (Eyes on the Prize)، ص 44. تُعتبَر مأساةُ تِل أيضًا أحد الأحداث التاريخية التي أدت مباشرةً إلى نشأة حركة الحقوق المدنية. «بلا شك، حرّكت القضية أمريكا السوداء بقدرٍ لا يماثله ولا حتى قرار المحكمة العليا بإلغاء الفصل العنصري في المدارس». السابق. كما أشار ويليامز لاحقًا، «كان لقتلِ إيميت تِل أثرٌ قوي على ذلك الجيل من السود. وكان أبناءُ ذلك الجيل، الذي كانوا مراهقين يومَ قُتِل تِل، هو من سرعان ما نهض مطالبًا بالعدالة والحرية بطريقةٍ لم تشهدها أمريكا من قبل». السابق، ص 65. بالتالي، بينما تنظر براونميلر لقضية تِل وترى صراعًا طاحنًا لِتَمَلّك امرأة بيضاء، فالأمريكيون الأفريقيون يرون فيها رمزًا للجنونية المتأصلة في استعداد ورغبة البِيْض بقمع العرق الأسود. بينما المنظور الأبوي تجاه جنسانية النساء لعبَ دورًا مساعدًا في هذا القتل، فَوَضعُ النساء البِيْض في مركز هذه المأساة يعني إبداء التباسٍ شديدة حول العرقانية، لدرجة يصعب فيها تخيل إدراكِ الحركة البيضاء المحارِبة للاغتصاب التوترات العرقية المبطنة التي تعيق دخول النساء السود فيها.

[55] أنظر: آنا جوليا كوبر، صوتٌ من الجنوب (مطبعة جامعات النيغرو، نسخة 1969 عن طبعة دار نشر آلدين، أوهايو، 1892).

Anna Julia Cooper, A Voice from the South.

[56] السابق، ص 31.

[57] للإنصاف، عليّ أن أقرّ أن صديقي صاحبني في العبور من الباب الخلفي. لكني لست أدري حتى الآن ما إذا كان ذلك تعبيرًا عن التضامن أم محاولة لكبح جماح غضبي.

[58] ويمكن إضافة الطبقة الاجتماعية بسهولة إلى هذه القائمة.

[59] يمكن لهذه الحكاية أن تبين هذه النقطة. مجموعة من مدرِّسات القانون الجامعيات تجمعن في لنقاش «العقائد/الأيديولوجيات والفصول الدراسية». أحد التمارين الذي قادته بات كَين تضمن تصريح كل مُدرِّسَة بالعوامل الثلاثة الرئيسة التي تصفها. بدون أي استثناء تقريبًا، كل النساء البِيْض في الغرفة صرحن بجندرهن إما أولًا أو ثانيًا؛ ولا واحدة منهن ذكرت عرقها. ذَكَرت كل النساء الملوّنات عرقهن أولًا، يتلوه جندرهن. ذلك يوحي بأن الوصف الهوياتي بدأ بالمصدر الأساسي للتعارض مع المعيار المهيمن أيًّا كان. أنظر بات كَيْن، التشريع النسوي: التأسيس في النظريات، ص 19-20. (شارِحةً التمرين، تذكر كَيْن أنها «لا تَذْكُر العرق أيُّ امرأةٍ بيضاء، بينما كلُّ امرأة ملونة تذكره»، وأنه بالمثل، «النساء البِيْض يندر أن يذكرن ‹الغيرانية› . . . بينما السحاقيات المُصرِّحات بذلك دائمًا يذكرن ‹السحاقية›.»).

Pat Cain, Feminist Jurisprudence: Grounding in the Theories.

[60] لنقاشٍ مقارِن للنسوية العالم ثالثية يماثل هذه الملاحظات، أنظر: كوماري جاياواردينا، النسوية والقومية في العالم الثالث، ص 1-24. تشير جاياوردينا إلى أن النسوية في العالم الثالث لم «تُقْبَل» إلا ضمن النضال المركزي ضد الهيمنة الدولية. تجاورَ تَحَسُّن مكانة النساء الاجتماعية والسياسية بمستلزمات النضال الأوسع ضد الإمبريالية.

[61] لنقاشٍ حول كيفية خلق الأيديولوجيا العرقية دينامية استقطابية تُخضِع السود وتفضِّلُ البِيْض، أنظر كيمبرلي كرينشو، العرق، الإصلاح، والخندقة: تحول وإقرار قانون مناهضة التمييز.

Kimberle Crenshaw, Race, Reform, and Retrenchment: Transformations and Legitimation in Antidiscrimination Law.

[62] جاك ماثيوز، ممثلات من «اللون الأرجواني» تتحدثن عن أثره.

Jack Matthews, Three Color Purple Actresses Talk About Its Impact

جاك ماثيوز، نقدٌ من بعض السود لـ «أرجواني» سبيلبيرغ.

Jack Matthews, Some Blacks Critical of Spielberg’s Purple.

أنظر أيضًا:

جين سيسكل، هل الأرجواني يكره الرجال؟

Gene Siskel, Does Purple Hate Men?

 كليرنس بيج، نحو سينما سوداء جديدة.

Clarence Page, Towards A New Black Cinema

[63] أحد المشاكل المتكررة في أي التصوير السلبي للأمريكيين الأفريقيين هي أن هذا التصوير لا توازِنُه صورٌ إيجابية. لكن الواقع في هذه الحالة هو أن أغلب النقاد تجاهلوا التحول الإيجابي في الشخصية الذكر الرئيسية في «اللون الأرجواني».

[64] دانييل ب موينِهان، الأسرة النيغرو: مرافعةٌ لأجل تدخلٍ وطني.

Daniel P Moynihan, The Negro Family: The Case for National Action.

[65] أنظر: لِي رينواتر، ويليام ل يانسي، تقرير موينِهان وسياسات الضجة (مِنْ نُقّاد تقرير موينِهان: تشارلز ي سيلبرمن، كريستوفر جينكس، ويليام راين، لورا كاربر، فرانك ريسمن وهيربرت غانز، من بين آخرين).

Lee Rainwater and William L Yancey, The Moynihan Report and the Politics of Controversy.

[66] السابق، ص 395-397 (من نقّاده: مارتن لوثر كينغ جونير، بنجامن بيتون، جيمس فارمر، ويتني يونغ جونير وبيارد رستِن).

[67] أحد الاستثناءات الملحوظة هي جاكلين جونسون جاكسون، النساء السود في مجتمعٍ عنصري عرقيًا. في العراقنية والصحة النفسية.

Jacqyelyne Johnson Jackson, Black Women in a Racist Society, in Racism and Mental Health.

[68] الأسرة السوداء المضمحلة (تلفزيون خدمة الإذاعة العامة).

The Vanishing Black Family (PBS Television Broadcast).

 [69] ويليام جوليوس ويلسون، المحرومون حقًّا: دواخل المدن، الطبقة الدنيا والسياسة العامة.

William Julius Wilson, The Truly Disadvantaged: The Inner City, The Underclass and Public Policy.

[70] قالت الكاتبة الصحفية ماري مكغروري، مادِحةً البرنامج، إن مويرز وجد أن الجنس كان شائعًا في غيتو السود شيوعَ شرب القهوة. مكغروري، كان موينِهان محقًا قبل 21 عامًا، صحيفة واشنطن بوست. ادعى جورج وِل أنّ الرجال السود مفرطي ممارسة الجنس أكثرُ تخريبًا لجماعة السود من رئيس شرطة بيرمينغهام بُل كونر الذي اكتسب سمعةً بشعة دوليًا في 1968 بفتحه خراطيم مياه الإطفاء في وجه أطفال المدارس المتظاهرين. جورج وِل، الحق في التصويت لن يصلح الأوضاع، صحيفة واشنطن بوست.

Mary McGrory, Moynihan was Right 21 Years Ago.

George will, Voting Right Won’t Fix It.

تخميني هو أن البرنامج أثّر على النقاش حول ما يسمى الطبقة الدنيا عبر تقديمه دعمًا صوريًا لنزعةٍ موجودة تنسب الفقر لانحلال الأخلاقيات الشخصية. أثناءَ نقاشٍ جرى مؤخرًا حول تداعيات الفقر في جماعة السود على السياسات العامة، علقت إحدى الطالبات قائلة إنه لا يمكن فعل أي شيءٍ حيال ذلك حتى يكف الرجال السود عن التصرف كـ «القضيب الجوال»، وتكف النساء السود عن تفريخ الأطفال «عند أقلِّ إيماءة»، وحتى يتعلم الجميع أخلاقيات الطبقة الوسطى. استشهدت الطالبة بتقرير مويرز كأساسٍ لرأيها.

[71] رغم المشاكل النظرية والسياسية التي يثيرها التركيز شبه الحصري على الجوانب العنصرية عرقيًا للبرنامج، فذاك التركيز مفهومٌ تمامًا نظرًا لعنصرية التعليقات المتعاطفة مع ما قدّمَهُ مويرز. كما هو معتاد في هذه النقاشات، لم يقتصر الحوار عن برنامج مويرز بمناقشة مشاكل أسر السود، ولم يكتفي المعلقون بإدانة الطبقة الدنيا السوداء، بل انتهزوا الفرصة للتهجم على قيادات الحقوق المدنية السود، والتهجم على الحرب على الفقر، والتمييز الإيجابي، وغيرها من الحلول المستندة إلى العرق. أنظر مثلًا، وِل، الحق في التصويت لن يصلح الوضع.

[72] يمكن ربط صعوباتهن بانتشار نظامٍ اقتصادي وسياسة أسرة تعامل الأسرة النووية كالمعيار، وتُعامِل غيرها من الوحدات الأسرية كحالات شاذة وغير مستحقة للمساعدة الاجتماعية.

[73] ويلسون، المحرومون حقًّا. ص 96.

[74] السابق، ص 157 (تتضمن الاقتراحات سياساتٍ اقتصادية كُبرى تشجع على نمو اقتصادي متوازن، استراتيجية سوق عمل وطنية شاملة، برنامج ضمان رعاية للأطفال، وبرنامج بدل أسرة مستند إلى استطلاع الموارد المالية ومخصصًا عرقيًا).

[75] لا يشمل ويلسون تحليلًا لأثر الجندر على التغييرات في أنساق الأسرة، والنتيجة هي عدم منحه أي اهتمامٍ للصراع المحتمل حصيلةَ ما تسببه العوامل الاقتصادية والديموغرافية من إحباط للتوقعات المستندة إلى الجندر. إن هذا التركيز على التفسيرات الديموغرافية والبنيوية يمثّل سعيًا لاعتماد أرضيةٍ أفضل من المنهجية السيكو-اجتماعية لِـ مويرز/موينِهان . لربما لأن التفسيرات السيكو-اجتماعية تقترب اقترابًا خطيرًا إلى لوم الضحية، يُرَى انتشارها كتهديدٍ للجهود الساعية للحصول على سياساتٍ قد تتصدى بفعالية للأوضاع البائسة في جماعات الطبقة العاملة والفقيرة السوداء. أنظر، كيمبرلي كرينشو، تعليقٌ حول الجندر، الاختلاف، وأيديولوجيا الضحية في دراسة الأسرة السوداء، في انخفاض الزواج لدى الأمريكيين الأفريقيين: الأسباب، النتائج تداعيات ذلك على السياسات.

Kimberle Crenshaw, A Comment on Gender, Difference, and Victim Ideology in the Study of the Black Family, in The Decline of Marriage Among African Americans: Causes, Consequences and Policy Implications.

[76] مثلًا، لا يذكر ويلسون الحاجة إلى مراكز الرعاية النهارية والتدريب الوظيفي للأمهات العازِبات، إلا بشكل عابر. ولا يتطرق أبدًا لأي ممارساتٍ وسياساتٍ أخرى عنصرية عرقيًا وجنسيًا تساهم في الظروف البائسة المفروضة على قرابة نصف النساء السود.

[77] تلاحظ بولي مورَّي أن عمل العنصرية الجنسية هو سببٌ جزئي – على الأقل – للمشاكل الاجتماعية التي تواجه النساء السود. أنظر مورَّي، تحرير النساء السود، في جو فريمن، محررة، النساء: منظورٌ نسوي.

Murray, The Liberation of Black Women, in Jo Freeman, ed, Women: A Feminist Perspective.

Skip to content