الفصل الثالث: عقلية التعنيف

يتعامل معي دائمًا وكأنّي مدينةٌ له.

إنه قادرٌ على قَلبِ الملامة عليّ دائمًا.

أشعر أنّه يخنقني. إنّه يحاول إدارة حياتي.

يبدو أن الجميع يظنون أنّه أعظم رجلٍ في العالم. أتمنى لو رأوا وجهه الذي عليَّ العيش معه.

يقول إنّه يحبّني حبًّا جمًا، فلماذا يعاملني بهذا الشكل؟

يدفع سوء المعاملة المزمن الناس للتشكيك بأنفسهن/م. فأبناءُ الأبوين المعنِّفَيْن يعلمون أن هنالك خطبًا ما، ولكنهم يعتقدون أنَّ ذلك الخطب فيهم هم، لا في أبويهم. ويغمر موظَّفو رئيسٍ متعسِّف الشعور بعدم الجدارة، وبأنّهم يجب أن يكونوا أذكى ويكدحون أكثر. ويشعر الأولاد الذين يتعرضون للتنمر أنّ المشكلة فيهم، لأنهم أضعفُ أو أجبن من أنْ يدافعوا عن أنفسهم.

حين أعمل مع امرأةٍ معنَّفة، فهدفي الأول هو مساعدتها على استرداد ثقتها بنفسها، وذلك بمساعدتها على استرداد ثقتها بتصوّرها للأمور، والاستماع لصوتها الداخلي. فأنتِ لستِ حقًّا بحاجة إلى «خبير» أو «خبيرة» بالتعنيف تشرح لك حياتك، إنما ما تحتاجينه قبل أي شيء هو بعض الدعم والتشجيع لتشدّي قبضتكِ لتصبح حقيقتِك بين يديك. فشريكُكِ المُعنِّف يرغبُ بإنكار ما تمرّين به ويريد أن ينتزع تصورك للواقع من رأسك ويستبدله بتصوّره هو. وحين يجتاحُ أحدهم هويّتك بهذه الطريقة مرارًا، فمن الطبيعي أن توازنك سيبدأ يختل، ولكنك قادرة على العودة بخطاك إلى المركز.

يخلق المُعنِّف عددًا من التصوّرات المشوهة ليدفع شريكته للتشكيك بنفسها، وليمكّن نفسه من اقتيادها إلى طرقٍ مسدودة. وبعد أن فندنا تلك الخرافات، علينا الآن أن نركز على جذور أسلوب التغلّب هذا، وهذه الجذور مألوفةٌ لديكِ أكثر مما تتصورين.

الرؤى التي أشاركها في الصفحات التالية علّمتني إياها بشكلٍ رئيس النساءُ المعنَّفات أنفسهن، فهن واقعًا خبيراتٌ بالتعنيف. ومعلّميَّ الآخرين كانوا عملائي المُعنِّفين، الذين يقودوننا نحو الوضوح في كلّ مرة يفشون، عن غير قصد، عن تفكيرهم الحقيقي.

الحقيقة الأولى:

إنَّه مُتَحكِّم.

وصلَ عميلي غلين غاضبًا ومنزعجًا إلى حلقته في إحدى الليالي. ونزلت كلماته كالسيل:

بدأت هارييت بالصراخ في وجهي مساء الجمعة وقالت لي أنّها ستنتقل من مسكننا إلى سكنٍ جديد عمّا قريب. وبعدها قضت عطلة نهاية الأسبوع بأكملها خارج المنزل مع ابْنيَ ذو العامين. لقد آذتني حقًّا، فقررت أن أؤذيها، وأردتُ أن أستهدف شيئًا يعني لها الكثير، لأبيّن لها ما تعني لي هذه الأذية. لقد كانت تعمل لأسبوعٍ كامل على ورقة بحثية للجامعة، وقضت فيها ساعاتِ عملٍ طويلة، وكان من المفترض أن تسلّمها يومَ الإثنين. تَرَكَت الورقة على تسريحتها، وكأنما أعدّتها ليْ كالهدية. فقمت بتمزيقها إربًا، وبعدها مزَّقت عددًا من الصور التي تجمعنا نحن الثلاثة، وتركتها كلها في كومة على السرير لتراها حين تعود إلى المنزل. وأظنُّها تعلَّمت الدرس جيدًا.

كان غلين صريحًا معي، على نحوٍ ملحوظ، بطريقة تفكيره ودوافعه، وأرجح أن سبب ذلك شعوره أن فعله مبرر، فهو يؤمن بحقّه بالتحكم بأفعال شريكته، وَيتوقَّع أن تكون كلمته الكلمة الأخيرة، ولم يقبل رفض هارييت، واعتقَدَ أنَّ من حقِّه معاقبة هارييت – بأقسى طريقةٍ يرى – إن اتخذت خطواتٍ لتسترد ملكيّتها لحياتها. إنّ غلين من النوع الذي يتباهى بالحريّات المتنوعة التي «يسمح» لشريكته بالتمتع بها في علاقتهما، كما لو كان أباها، ويدافع عن حقّه في انتزاع تلك الامتيازات كما يحلو له.

تأتي السيطرة بمختلف الضروب والألوان، فقد وصل تحكم بعض عملائي درجةً يبدون فيها كالقيادات العسكرية، فكان راسل، على سبيل المثال، يُلزِم أطفاله تأدية ألعاب الجمباز الرياضية كلَّ صباح قبل التوجه إلى المدرسة، ولم يكن مسموحًا لزوجته الحديث مع أي شخصٍ دونَ إذنٍ منه، وكان يأمرها صباحًا بالعودة إلى غرفتها وتبديل ملابسها إنْ لم ترقه بدلتها، وفي وقت العشاء، يجلس ويعلِّق كما لو كان مقيِّم مطاعم على إيجابيات وسلبيّات الطعام الذي حضَّرته، وبين فترةٍ والأخرى يأمرها بالعودة إلى المطبخ لإحضار هذا الشيء أو ذاك للأطفال، كما لو كانت نادِلة.

ولكنَّ أسلوبَ راسل كان عند أقصى طرفٍ من أطراف طيف السلوك المتحكم، وأغلبُ عملائي يكتفون بفرض تحكّمهم على مجالاتٍ محددة، كما لو كانوا مستكشفين يدّعون الأحقيّة بأرض معينة، بدلًا من السعي للإشراف على كلّ شيء. فقد يكونُ مُعنِّفٌ ما متطرّفًا فيما يتعلق بالفوز بكل جدال، ولكنه يترك شريكته وشأنها فيما يتعلق بملبسها، وقد يسمح آخر لشريكته بالجدال معه بشأن الأطفال، مثلًا، ولكن إنْ رفضت السماح له بتغيير محطة التلفاز كيفما يشاء، فحذارِ (عشراتٌ من عملائي رموا أو كسروا أجهزة التحكم بالتلفاز، فالتلفاز يخضعُ لتحكُّمٍ شديد من قِبل المعنِّفين). وقد يفرض معنِّفٌ على شريكتِه حظرَ تجوالٍ لساعاتٍ معينة من اليوم، وقد يسمح لها آخر بأن تخرج وتعود كيفما تشاء – ما دامت تحضّر له وجباته وتغسل ملابسه.

مجالاتُ التحكُّم

عادةً ما يقع تحكُّم الرجال المعنِّفين عمومًا داخل واحدٍ أو أكثر من النطاقات المركزية التالية:

أ. الجدال واتخاذ القرارات

تتضمن أيُّ علاقةٍ حميمية تدفُّقًا مستمرًّا من القرارات التي يجب اتّخاذها، والحاجات المتضاربة التي يجب التفاوض عليها، والأذواق والرغبات التي يجب موازنتها، كمن سيتكلّف بتنظيف كل تلك الصحون والمواعين في المطبخ، وما مقدار الوقت الذي يجب أن نقضيه مع بعضنا، مقابل الوقت الذي نقضيه مع الأصدقاء، وأين نضع هواياتنا واهتماماتنا في قائمة الأولويات، وكيف نتعامل مع المشاعر المجروحة والإزعاج الذي قد نسببه لبعضنا البعض وكيف نعالجها، وما هي القواعد التي سنضعها لأطفالنا.

تجعلُ العقلية التي يدخل بها المُعنِّف إلى هذه الاختياراتِ والتوتراتِ التعايشَ معه أمرًا مستحيلًا. فلننظر مثلًا في صعوبة التفاوض أو التساوم مع رجلٍ يعمل وفق القواعد التالية (سواءً أقالها جهرًا أم لا):

  1. «يقف الجدال عند حدِّ صبري. فمتى ما اكتفيت، ينتهي النقاش، وآن الأوان لتخرسي».
  2. «إن كان الأمر الذي نتجادل حوله مهمًّا بالنسبة لي، فيجب أن أحصل على ما أرغب. وإن لم تتراجعي، فأنتِ تظلمينني».
  3. «أعرف ما الأفضل لك ولعلاقتنا. فإن استمريتِ بالاختلاف معي بعدما أوضحت الطريق الصحيح، فأنتِ تتصرفين بحماقة».
  4. «إن بدى أنني أفقد تحكُّمي وَسلطتي، فلدي الحق في اتخاذ إجراءاتٍ لإعادة ترسيخ حكم إرادتي، ولا أستثني من ذلك التعنيف لو تطلب الأمر».

النقطة الأخيرة في هذه القائمة هي أكثرُ ما يميز المُعنِّف من غيره من الناس، فلربما جميعنا قد ننزلق إلى مشاعرٍ كتلك المذكورة في النقاط الثلاث الأولى، ولكن المُعنِّف يَأذَن لنفسه باتخاذِ إجراءاتٍ استنادًا إلى هذه المعتقدات، فهذه التصريحات المذكورة معه ليست مجرَّد مشاعر، بل هي قناعاتٌ يستخدمها كدليلٍ إرشادي يقود أفعاله، ولهذا السبب تفضي هذه القناعات إلى الكثير من سلوكيات التنمر.

ب. الحرية الشخصية

كثيرًا ما يعتبر الرجل المُعنِّف التحكم بِأَين تذهب شريكته، ومن تصاحب، وماذا تلبس، ومتى يجب عليها العودة إلى المنزل، حقًّا من حقوقه. وبالتالي هو يشعر أنّها يجب أن تكون ممتنَّة لأي حريّة يختار أن يمنحها إياها، ويقول في حلقة استشارة شيئًا من هذا القبيل: «إنّها هائجةٌ بسبب بنتٍ خسيسةٍ واحدة لا أسمح لها بالخروج معها، مع أنّني عادةً أسمح لها بمصادقة أيًّا كانت». فهو يتوقع منها أن تمنحه ميدالية على كرمه هذا، لا أن تنتقده على ظلمه، وهو يرى نفسه كأبٍ متسامِح إلى حدٍّ معقول – مع شريكته البالغة – ولا يريد أن يتلقى منها الكثير من المقاومة في اللحظات التي يعتقد فيها أنّه بحاجة للتعامل بحزمٍ وصرامة.

يمارَس هذا التحكم أحيانًا من خلال إرهاق المرأة وإضعافها بالتذمّر المستمر المنخفض المستوى، بدلًا من الصراخ أو الأوامر الهجومية، فقد يكرر المُعنِّف تعليقاتٍ سلبية عن إحدى أصدقاء أو صديقات شريكته، مثلًا، حتى تتوقف تدريجيًّا عن مصاحبتها لتتجنب المشاحنات هذه، والواقع أنها قد تؤمن أنَّ ذلك القرار كان قرارها هي، دونَ أن تلاحظ أنّه هو من ضغط عليها ودفعها لذلك.

هل تفكير الرجل المُعنِّف مُعوَج؟ بالتأكيد. فليست شريكةُ الرجل أحد أطفاله، والحريّات التي «يمنحها» إيّاها ليست نُقاطًا يجمعها تُصرَف كالنقود حين تبرز الحاجة للتحكم بشريكته. ولكنَّ قواعد عمله معقولة في نظره، وهو سيقاتل ليتشبث بها.

ج. التربية

إن كان لدى الشريكين أبناء، يعتبر الرجل المعنِّف نفسهُ عادةً المرجِع الأعلم في التربية، حتى لو لم يساهم إلّا بالقليل في العناية بهم، فهو يرى في نفسه المُدرِّبَ الحكيم المنَّان، الذي يراقب من بعيدٍ أثناءَ الأوقات الرغدة، ويتدخل لـ «يصحح» المسار حين لا تتعامل شريكته مع الأطفال على نحوٍ ملائم. ولا يعادلُ غروره بشأن تفوّق حكمته في التربية إلّا ضآلةُ فهمه وإدراكه وانتباهه لحاجات الأطفال. فمهما كانت جودة أمومة شريكته، فهو يعتقد أنّها بحاجة للتعلم منه هو، لا العكس.

يزعم الرجل المُعنِّف أن تحكّمه هذا واقعٌ في مصلحة شريكته. وهذا التبرير تمثَّل في عميلي فيني:

كنت أنا أولغا نقود السيارة في حيٍّ تنتشر فيه الجريمة. وكنّا نتجادل، وجنَّ جنونها كالعادة، وبدأت تحاول الخروج من السيارة، غيرَ آبهةٍ لا بظلام الليل الحالك ولا بكون هذا الحي من تلك الأحياء التي لا أمان فيها. فنهرتها عن الخروج من السيارة، وقلت لها أنّها لن تخرج منها في مكانٍ كهذا، ولكنها ظلَّت تحاول فتح الباب. وتعسّر علي عزفها عن ذلك، فاضطررت لصفعها على ذراعها، ولسوء الحظ ارتطم رأسها بنافذة السيارة. ولكنّي على الأقل تمكنت من تهدئتها وإبقائها في السيارة.

هل يؤمن فيني حقَّنا أنّه يعنِّفُ زوجته لصالحها؟ نعم، ولا. إنّه يؤمن بذلك لدرجةٍ ما لأنه أقنع نفسه بذلك. ولكنَّ دوافعه الحقيقية واضحة للعيان: أولغا ترغب بالخروج من السيارة لتهرب من سيطرة فيني، وهو يريد منها أن تبقى، ليتأكد أنها لن تتمكن من ذلك.

وللأسف، يتمكن المعنِّف أحيانًا من إقناع الناس بأنَّ شريكته غير عقلانيّة أبدًا، وخارجة عن السيطرة، أنها رديئةُ التدبير، وبحاجة لمن ينقذها من نفسها. لا تصدّقي أبدًا رجلًا يزعم أنّ عليه أن يؤذي شريكته ليحميها، فلا يفكر بهذه الطريقة إلّا المُعنِّفون.

حين يدخل رجلٌ برنامجي، كثيرًا ما يبدأ بالقول: «أنا هنّا لأني أفقد السيطرة على نفسي أحيانًا، وأنا بحاجة لأحكم قبضتي على نفسي». ودائمًا أصحح له: «ليست مشكلتك أنّك تفقد السيطرة على نفسك، بل أنّك تفرض السيطرة على شريكتك. ولتغيير ذلك لست بحاجة لتبدأ بالسيطرة على نفسك، بل للتخلي عن السيطرة على شريكتك». فجزءٌ كبيرٌ من سِمة التعنيف يأتي على شكل عقابٍ يُستَخدم كانتقامٍ ضدّك لأنك قاومتِ سيطرته. وهذا أحد أهم أهم المفاهيم الواجب فهمها حول الرجل المُعنِّف.

الحقيقة الثانية:

إنَّه يشعر باستحقاقٍ لهذه الأمور.

حِسُّ الاستحقاق هو إيمان المُعنِّف أنّه يملك وضعًا خاصًّا يمنحه حقوقًا وامتيازاتٍ حصرية ليست شريكته مستحقّةً لها. ويمكن تلخيص القناعات التي تحرّك المُعنِّف غالبًا بكلمة الاستحقاق.

ولكي نفهم حسّ الاستحقاق، علينا أولًا النظر في كيف يجب رؤية الحقوق في داخل الشراكة أو الأسرة على نحوٍ ملائم:

حقوقُ الرجل وحقوقُ المرأة متساوية في الحجم. فلدى كلٍّ منهما الحق في أن تُحْتَرَم آراؤهما ورغباتهما، والحق في الإنصاف والمساواة في عمليات اتخاذ القرار، وفي حياةٍ خالية من التعنيف اللفظي والأذى الجسدي. وحقوقُ أطفالهما أصغر بعض الشيء لكنها ذات حجمٍ معتبر على الرغم من ذلك. فلا يمكن أن يمتلك الأطفال صوتًا متساويًّا في اتخاذ القرارات بسبب حدود معرفتهم وخبراتهم، ولكنّهم يمتلكون الحق في حياةٍ خالية من التعنيف والخوف أيضًا، وفي المعاملة المحترمة، وفي أن يُسْتَمع لأصواتهم في كل المسائل المتعلقة بهم. ولكن المعنِّف يتصور الحقوق في الأسرة على هذا النحو:

حقوقُ شريكته وأطفاله مضمحلة، نعم، بل ومع بعض المعنِّفين هذه الدوائر الصغيرة تختفي تمامًا، ولكنّ الأمر لا يقتصر على ذلك، فحقوقُه أيضًا واسعة الانتفاخ. وَوظيفتي الأساسية كمستشار هي جعل الرجل المُعنِّف يوسّع تصوّره لحقوق شريكته وحقوق أطفاله لمستواها الملائم ويقلِّص تصوّره لحقوقه إلى حيث تنتمي. فالرجل المُعنِّف يمنح نفسه طيفًا متنوِّعًا من الحقوق، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • العناية الجسدية.
  • العناية العاطفية.
  • العناية الجنسية.
  • الإذعان.
  • عدم المساءلة أو المحاسبة.

العناية الجسدية هي محطّ تركيز المُعنِّف ذو العقلية التقليدية. فهو يتوقع من شريكته أن تحضر له العشاء كيفما أراد، وأن تعتني بالأطفال، وتنظف المنزل، وتقوم بقائمة لا متناهية من المهام الإضافية، وهو يراها جوهريًّا كخادمة غير مأجورة، ويتذمّر بكلامٍ من هذا القبيل: «إنّي أكدح في العمل طوال اليوم، وحين أعود إلى المنزل أتوقع بعض الهدوء والسلام. أذلك كثيرٌ عليكِ؟»، ويبدو وكأنّه يتوقع كرسيًّا ناعمًا وجريدة ومسند قدمين. وفي عطلة نهاية الأسبوع، يترقبُ أن يكون كلّ شيء في المنزل مُرتّبًا ومنظّمًا، حتى يتمكن من مشاهدة مباراة رياضية أو يعبث بسيارته، أو يخرج ليلعب الغولف أو يراقب ويدرس الطيور، أو ينام. وإن لم تلبي شريكته كامل مسؤولياتها المنزلية بما يرضيه، يعتقد أنه مخوَّلٌ لرميها بالانتقاداتٍ اللاذعة.

رغم أن هذا النوع من المعنِّفين قد يبدو وكأنّه قديم الطراز وعفى عليه الزمن، فهو ما يزال حيًّا يرزق. فقد تعلَّم استخدام بعض التغليف الألطف لتوقّعاته المَلَكية خلال الثمانينيات والتسعينيات، ولكن ذلك التغيير تغييرٌ سطحي لا أكثر، فلم يعد هنالك إلّا عددٌ أقل من المُعنِّفين اليوم يجاهرون بالقول: «أتوقع عشاءً لذيذًا دافئًا جاهزًا على الطاولة حالما أعود للمنزل»، لكنّ واقع انفجارهم لو لم يكن العشاء جاهزًا حال وصولهم إلى المنزل ما يزال قائمًا.

إنَّ مبالغة المعنِّف في تقدير قيمة عمله واستصغاره قيمة عمل شريكته لا ينفكّان عن بعضهما، فأرى عملائي يمتعضون ويتذمرون لي بأقوال على هذا الشكل: «لا أعلم ماذا تفعل طوال اليوم بحق الجحيم، فعندما أعود إلى المنزل، ألقاه تعومه الفوضى، والأطفال لم يطعمون، في حين هي تتحدث على الهاتف. إنها تقضي كلَّ وقتها في مشاهدة المسلسلات التلفزيونية»، وإنْ كانت تعمل خارج المنزل – وَقِلّة من الأسَر تتمكن من العيش بمُعيلٍ واحد – تراه يُصِرّ على أن عملها سهل مقارنةً بعمله. وبالطبع إن حاول القيام بما تقوم به هي – مثلًا، لو أصبح هو من يعتني بالأطفال لأنه عاطل وهي تعمل – يتغيّر فجأةً 180 درجة، ويعلن أن التربية وتدبير المنزل مهامٌّ مَهولة وجديرة بالاحترام، وتستلزم ساعاتٍ من الراحة يوميًّا لاستعادة القوى.

العناية العاطفية من الممكن أن تكون أهم بالنسبة للمعنِّف العصري من خدمات تدبير المنزل. فهل تتذكرين رَي، الذي شتم ماري بيث لأنها «تجاهلته» ليومين أثناء بحثها عن ابنها المفقود؟ مشكلته هي أنّه يعتقد أنّ لا شيء – ولا حتى طفلٌ مفقود – يجب أن يتدخل مع واجب ماري بيث في تلبية حاجاته العاطفية. وَبِقدر انتشار ذلك المعنِّف الذي ينفجر لتأخر العشاء، نجد هذا المُعنِّف الذي ينفجر لأن شريكته تعبت من الاستماع إليه يتحدث عن نفسه دونَ توقف، أو لأنها تريد أن تقضي بعضًا من الوقت لتقومَ بشيءٍ تستمع بالقيام به لوحدها، أو لأنها لم تترك كل ما لديها لتخفف عنه حين لا يكون سعيدًا، أو لأنها فشلت في توقّع حاجاتٍ ورغباتٍ لم يعبر عنها حتى.

يخفي الرجال المُعنِّفون متطلّباتهم العاطفية العالية عبر تغليفها بشيءٍ آخر، فعميلي بيرت، مثلًا، يشتاط غضبًا إنْ لم تترك عشيقته كرستين الهاتف حالما يدخل المنزل، والعذر الذي يستخدمه للتهجم عليها هو «الأموال التي تهدرها على فاتورة الهاتف رغم أنها تعلم أننا لا نملك تكاليفها»، ولكننا لاحظنا أن القضية هذه لا تبرز إلّا عندما يرغب بالحصول على انتباهها، فحتى لو اتصلت بإنجلترا حين لا يكون في المنزل، أو حتى لو قضى هو ساعةً على الهاتف يكلم أبويه صباح كل أحد، فتكلفة ذلك لا تدخل في الحساب.

حينما يدخل في البرنامج عميلٌ جديد، أتجه إلى السبورة وأرسم عليها بوصلة يشير دبّوسها إلى الشمال، وأقول له: «أنت تريد أن تجعل شريكتك كهذه البوصلة، وأن تكون أنتَ كجهة الشمال، فأينما ذهبت البوصلة، ستشير إلى الاتجاه نفسه، وأينما تذهب شريكتك، وأيًّا كان ما تفعله، أو ما يدور في بالها، تتوقع منها دائمًا أن تكونَ محلَّ تركيزها»، ويحتج العميل الجديد أحيانًا: «ولكن هذا ما يعنيه أن نكون في علاقة. من المفترض علينا أن نركز على بعضنا البعض»، ولكنّي ألاحظ أنّه عندما يركِّز عليها، أغلب ما يفكر فيه هو ماذا يمكنها أن تفعل لأجله، وليس العكس، وحين لا يرغب بالتركيز عليها بتاتًا، لا يدير لذلك بالًا.

قد يبدو المُعنِّف معوزًا عاطفيًّا، وقد تقعين في فخ خدمته عاطفيًّا، محاولةً ملءِ حفرةٍ لا قاع لها، ولكنّه ليس معوزًا بقدر ما هو يمتلك حسَّ استحقاق، وبالتالي مهما منحته، فلن يرضى. سيتلو المطلب مطلبٌ آخر إلى ما لا نهاية لأنه يؤمن أن تلبية حاجاته مسؤوليّتكِ، حتى تشعرين بأنّك استُنْزِفتِ حتى العدم.

العناية الجنسية مفادها أنه يعتبر إبقاءه مشبعًا جنسيًّا واجبٌ من واجباتِ شريكته، وقد لا يقبل رفض شريكته محاولاته بدء ممارسة الجنس، ولكن يحق له رفض محاولاتها هي حال لم يرغب بممارسة الجنس. وحتى ملذَّتها يجب أن تخدم منفعته: إن لم تصل هي إلى النشوة، مثلًا، قد يغتاظُ منها، لأنّه يرغب بلذَّة النظر لنفسه كعشيقٍ عظيم.

لا يملك كلُّ الرجال المعنِّفين رغبةً جامحة بالجنس، فالبعض منشغل بعلاقاتٍ أخرى أو باستخدامِ موادّ أحد آثارها الجانبية إضعافُ رغبتهم الجنسية، والبعضُ مثليّون، يستخدمون شريكاتهم من الإناث لإخفاء ذلك، وبعض عملائي يشعرون بالانجذاب تجاه النساء ولكن فقط كجزءٍ من فانتازيا الهيمنة والإخضاع، وَنوعُ المعنِّفين الأخير هذا يفقد رغبته في ممارسة الجنس حالما تبدأ شريكته بتأكيد ذاتها كإنسانٍ مساوٍ له يستحق الاحترام، أو تراه يبدأ حينها بإكراه شريكته أو الاعتداء عليها جنسيًّا. وباختصار، إنه يريد للجنس إمّا أن يكون حسب ما يريد، أو لا يكون.

الإذعان يشير إلى إحساس المُعنِّف بأنه مخوّلٌ بأنْ يُعَاملَ ذوقه وآراؤه بصفتها مرسومًا مَلَكي، ومتى ما أعلن أنَّ فيلمًا ما فيلمٌ سطحي، أو أنَّ لويز كانت تحاول استمالة جَاي في النزهة، أو أن الحزب الجمهوري لا يعرف كيف يدير الاقتصاد، يفترض من شريكته أن تقبل برأيه دونَ تشكيك أو نقاش، ومن الأهم بالنسبة له ألّا تختلف معه أو تخالفه أمام الآخرين؛ فإن فعَلَت، قد يصرخ عليها لاحقًا: «لقد جعلتِني أبدو كالأحمق، أنتِ دائمًا تسعين لإحراجي»، ومثلها من الاتهامات، فقاعدته غير المصرَّح بها هي ألّا تشكك بأفكاره.

عدمُ المساءلة يعني أنَّ الرجل المعنِّف يعتبر نفسه بمنأى عن النقد. ولو حاولت شريكته أن ترفع شكوى معيّنة، فهي «متذمرة» أو «تثير المشاكل»، فهو يعتقد بوجوب السماح له بتجاهل الأذى الذي تلحقه تصرُّفاته، وقد يصبح انتقاميًّا إن حاولَ أحدٌ أن يجعله يلفت النظر إلى هذا الأذى، وكمثالٍ على ذلك، فلنعرج على هذه المحادثة التي جرت بيني وبين رجلٍ كان جديدًا في البرنامج:

بانكروفت: هل يمكنك أن تشرح لي لماذا انضممت إلى حلقة المعنِّفين هذه؟

هانك: حسنًا، ما حصل هو أنّني صفعتُ فتاتي قبل بضعة أسابيع، والآن هي تقول إنّي لا يمكن أن أعود إلى المنزل قبل أن أحصل على استشاره.

بانكروفت: ما الذي أدى إلى تعنيفك هذا؟ أكنتما تتجادلان؟

هانك: نعم. فقد اهتمتني بأني أخونها في علاقةٍ عاطفية! وذلك أفقدني أعصابي!

بانكروفت: إذن، هل كنت فعلًا في علاقة عاطفية؟

هانك توقَّف قليلًا لتفاجُئِه من سؤالي، ومن ثم قال: حسنًا، نعم . . . ولكن لم يكن لديها أيُّ دليل! لا يجب أن تتجرأ وتقول شيئًا كهذا دون دليل!

استفردَ هانك لنفسه امتيازَ انتقادِ شريكته، وهو امتيازٌ مارسه الكثير الكثير، وسارع على كبت الشكاوى ضده، منها لفت الانتباه لما أوقعته تصرّفاته من أذى على غيره من الأسرة، وفي حالة هانك، اتخذ الانتقامُ شكلَ العدوان الجسدي.

يقودُ حسُّ الاستحقاق العالي الرجَل المُعنِّف لحمل توقُّعاتٍ غير منصفة وغير معقولة، حتى تتمحور العلاقة حول مطالبه ومتطلباته، فهو يسير بقناعةٍ مفادها أنّ شريكته مدينةٌ له. ولكلِّ جرام يمنحه، يرغبُ بكيلوجرامٍ في المقابل، فهو يريد أن تكرِّسَ شريكته نفسها بالكامل لخدمته ورعايته، حتى ولو عنى ذلك إهمال حاجاتها – أو حتى حاجات أبنائها. ويمكنكِ صبُّ جُمِّ طاقاتك لإبقاءِ شريككِ راضيًا، ولكنْ إنْ كانت هذه هي عقليّته، لن يستمرَّ رضاهُ إلّا لوهلة، ودائمًا ما سيشعر أنّك أنتِ تحاولين التحكم به هو، لأنّه لا يعتقد أنّك يجب أن تفرضي أيَّ حدودٍ على تصرُّفاته، أو تصرّي على أن يقوم بمسؤولياته.

يشعر العديد من الرجال أن من حقّهم استخدامُ العنف. وقد وجدَت دراسةٌ أجريت لطلّاب علم النفس الجامعيين من الذكور، نُشِرَت عام 1997م، أنَّ 10 بالمئة منهم يعتقدون أنَّه من المقبول أن يضربوا الشريكة الأنثى لرفضها ممارسة الجنس، و20 بالمئة يعتقدون أنّه من المقبول ضربها في حال اشتبه الرجل في أنّها تخونه. وَوَجدت دراساتٌ أخرى إحصائيّاتٍ مماثلة فيما يتعلق باعتقاد الذكور من الشباب بأنّ لهم الحق في إجبار الإناث على ممارسة الجنس إن أنفقوا مقدارًا كبيرًا من النقود على موعدهما تلك الليلة، أو لو بدأت المرأة راغبِةً بممارسة الجنس وغيَّرَت رأيها بعد ذلك. وتشير هذه الدراساتُ إلى أهميّة التركيز على تغيير قناعاتِ المُعنِّفين بدلًا من محاولة إيجادِ خطبٍ ما في تشخيصاتهم النفسانية الفردية.

منظورُ المُعنِّف لغضب المرأة

تكادُ مشكلةُ الرجل المعنِّف مع الغضب أن تكون النقيضَ الكلّي للاعتقاد الشائع، فالحقيقة هي:

شريككِ المعنِّف لا يعاني من مشكلة بالتحكم بغضبه هو.

بل إنَّ مشكلته مع غضبكِ أنتِ.

أحد أبسط حقوق الإنسان التي يحرمكِ منها المعنِّف هو حقّكِ في الغضب منه. فمهما ساءت معاملته لك، فهو يعتقد أنَّ صوتكِ يجب ألّا أن يرتفع وأنَّ دمكِ يجب ألّا أن يغلي، فامتيازُ الغضب محصورٌ له وحده، وحين تفقدين أعصابك – وهو ما يحدث لأي امرأةٍ مُعنَّفةٍ بين الفينة والأخرى – سيحاول على الأرجح أن يُطفئ غضبكِ بالقوّة، وبعدها يستخدم غضبكِ ضدَّكِ ليثبت أنَّكِ شخصٌ غير عقلاني. فالتعنيف يمكن أن يشعركِ بأنّك مقيّدةٌ، وقد تُنَمِّين ردودَ فعلٍ جسدية أو عاطفية نتيجة كظمكِ هذا الغضب، مثل الاكتئاب، أو الكوابيس، أو التخدير العاطفي، أو مشاكل الأكل أو النوم، وقد يستخدمها شريككِ كعذرٍ لاستصغاركِ أو جعلك تشعرين أنّكِ مجنونة.

لماذا ردَّةُ فعلِ شريككِ تجاه غضبك بهذه القوة؟ قد يكون أحد الأسباب هو أنّه يعتبر نفسه بمنأى عن المحاسبة، كما ناقشت أعلاه. والسبب الثاني المحتمل هو أنّه يشعر بدرجة ما – شعورًا واعٍ أو غير واعٍ – أنّ هنالك قوّة في غضبك. إن كانت لديك المساحة الكافية لتشعري بغيظك وتعبّري عنه، ستتمكنين من التمسك بهويّتك وتقاومي خنقه لك على نحوٍ أفضل، فهو يحاول أن يحرمك من غضبك، حتى يخمد قدرتك على مقاومة إملاءاته. وأخيرًا وليس آخرًا، إنّه يرى في غضبك تحدّيًا لسلطته، التي يستجيب لها عبر التغلب عليكِ بغضبٍ أكبر من غضبك. وعلى هذا النحو يضمن حفاظه على الحق الحصري في التعبير عن الغضب.

غضبُ المعنِّف نفسِه

حالما تدركين طبيعة حسّ الاستحقاق، يصبح المفهوم التالي عن الرجل المُعنِّف جليًّا:

إنّه ليس مُعنِّفًا لأنه عصبي؛ إنّه عصبيٌّ لأنه مُعنِّف.

تضمن توقّعاتُ المُعنِّف غير المنصفة وغير الواقعية استحالة تمكّن شريكته من اتباع كل قوانينه أو تلبية كل مطالبه، والنتيجة هي أنّه كثيرُ الغضب والاهتياج. لقد ظهرت هذه الدينامية مؤخرًّا في شابٍّ ناقَش تعنيفه لزوجته الحالية أثناء برنامج حواريّ متلفز، فقال إنَّ تعريفه لعلاقةٍ جيدة هو: «عدم الجدال أبدًا والقول أحبُّك لبعضكما البعض كل يوم»، وقالَ للجمهور إنَّ زوجته «استحقت» سوء المعاملة هذه لأنها لم ترتقي لهذه الصورة غير الواقعية. ومثل هذا الشاب لن يتغيّر أبدًا بإرسالُه، أو أيِّ مُعنِّفٍ آخر، إلى برنامج إدارة غضب، وذلك لأنّ حس الاستحقاق لديه لن يُنتِج إلّا المزيد من الغضب، فقناعاته هي الأمر الذي بحاجة إلى التغيير.

الحقيقة الثالثة:

إنّه يحوّر الأمور ويقلبها رأسًا على عقب.

أعطاني إيمِل، وهو عميلٌ مُعنِّف جسديًّا عملت معه، السردية التالية لأسوء اعتداءٍ مارسه على زوجته: «في أحد الأيام تجاوزت تانيا حدَّها بلسانها اللاذع، وَوصلتُ إلى مرحلة من الغضب حتى أنَّي قبضتُ عليها من رقبتها وألصقتها الجدار»، وأضاف، وصوته مليءٌ بالسخط: «وبعد ذلك حاوَلَت أن تضرب خصيتيَّ بركبتها! كيف ستشعر لو فعلت امرأةٌ ذلك لك؟؟ كانت ردّة فعلي حادة بالطبع. وحين أنزلت بيدي عليها، جرحَتها أظافري جرحًا طولَ وجهها. ماذا توقّعَت بحقِّ الجحيم؟!»

السؤال الرابع: لماذا يقول إنني أنا المعنِّفة وهو المعنَّف؟

تقود منظومةُ القناعات شديدة التأثُّر بحس الاستحقاق المُعنِّفَ ذهنيًّا إلى تصوّرٍ مقلوب للاعتداء والدفاع عن النفس. فحين حاولت تانيا الدفاع عن نفسها ضد هجوم إيمِل الذي وضع حياتها في خطر، عرَّفَ فعلها كعنفٍ موجِّهٍ له. وحين أضافَ على الأذى الذي ألحقه بها أذىً آخر، زعم أنّه كان يدافع عن نفسه ضد التعنيف الذي مارسته هي. تقلِبُ عدسةُ حسّ الاستحقاق التي يضعها المُعنِّف أمام عينه كلَّ شيءٍ رأسًا على عقب كانعكاسٍ على ملعقة.

قصَّ لي عميل آخر، اسمه وِينْدِل، قصة يوم خرج من المنزل بخطواتٍ غاضبة وصفع الباب مع خروجه: «تتذمر عندي زوجتي عائشة لساعات. وقد وصلتُ حدّي مع تذمرها وقولها إنّي عديم الفائدة. وبالأمس ظلت تتذمر لنصف ساعة، ولم تتوقف حتى ناديتها بالكلبة (b*tch) وخرَجْتُ من المنزل»، وحينها سألته عمَّ كانت عائشة مستاءة، وقال إنّه لا يدري، وأكمَل قائلًا: «حين تدخل في هذا الطور، لا أستمع إليها». وبعد بضعة أيام تحدثت مع عائشة وسألتها عن الحادثة، وقالت لي إنّها كانت حقًّا تصرخ في وجه وِينْدِل، لخمس أو عشر دقائق. ولكن ما لم يخبرني إيّاه وِينْدِل هو أنّه شنَّ هجومًا لفظيًّا مستمرًا عليها منذ أول الصباح، وظل يحقّرها طوال اليوم، وشرحَت لي عائشة خلفية ذلك: «إنّه يهمين على كلِّ النقاشات، ويكرّر الكلام كما الشريط المكسور، وإن أسعفني الحظ لربما أوصل كلمةً واحدة إليه. ولسانه فظيع – أعتقد أنه ناداني بـ «كلبة» عشر مراتٍ في ذلك اليوم». وأخيرًا وصلت عائشة لحدّها، وبدأت بالنهوض دفاعًا عن نفسها بقوّة، ومساء دفاعها عن نفسها، خرج من المنزل.

لماذا يعتقد ويندل أنَّ عائشة هي من قامت بكل الصراخ والتذمر؟ لأنه، في عقله، يعتقد أنّها يجب أن تستمع، لا أن تتحدث. وإن عبرت عن نفسها مرة، ففي ذلك تجاوزٌ للحدود.

حين أطالب عملائي بالكفّ عن التنمر على شريكاتهن، يحرِّفون كلماتي مثلما يحرِّفون كلمات شريكاتهن. ويتهمونني بقول أشياءَ لا اتصال لها بكلماتي الحقيقية، فيقولُ معنِّف: «أنت تقول أنّ عليّ أن أركع وأصير مطيّةً لها»، لأني قلت له إنَّ إرعاب شريكته أمرٌ غير مقبول مهما اشتدّ غضبه، ويقول آخر: «إذن، فأنت تخبرنا أن بإمكانهن فعل ما يحلو لهن لنا، ولا يسمح لنا أن ندافع عن أنفسنا أبدًا»، لأنّ شريكته قالت له إنّها سئمت من قَلْبِ أصدقائه المنزل رأسًا على عقب مع كل زيارة، وقالت له: «نظّف زبالتك الملعونة»، وقد قُلت له إنَّ قولها هذا ليس مُبرِّرًا ليرميها بألفاظ مقززة، ويقول ثالث: «منهجك مفاده أنَّ أي شيء تفعله هي عادي لأنّها امرأة، بينما أنا، لأني رجل، عليّ العيش وفق قواعد قاسية جدًا»، لأنّي أشرت إلى ازدواج معاييره هو، وأصررتُ على أنه يجب أن يعيش وفق نفس القواعد التي تنطبق عليها.

لدى الرجل المعنِّف سببٌ آخر للمبالغة في تصويره لأقوال شريكته (وأقوالي) والسخرية منها: إنّه يرغب بتجنب التفكير بجدّية بما تقوله هي أو الخوض في محاولة استيعاب ما تقول. فهو يشعر بأن له الحق في إسكاتها بصفعها كما لو أنّها ذبابة مزعجة.

الحقيقة الرابعة:

إنّه لا يحترم شريكته ويعتبر نفسه متفوّقًا عليها.

كانت علاقة شيلدون مع كيلي قد انتهت. وقد أُلْزِمَ بدخول برنامجي لأنّه اخترق أمرَ التقييد القضائي الذي يمنعه من الاقتراب منها. كان شيلدون ينكر أنّه كان يومًا عنيفًا أو مرهِبًا تجاه كيلي، فقد كان يحاول وقتها الحصول على حضانة ابنتهما ذات الثلاثة أعوام، آشلي. وزعمَ أنَّ كيلي لم تعتني بآشلي منذ ولادتها «ولم تكوّن صلةً وثيقة معها»، وأضاف: «أنا لا أعتبرها أمَّ آشلي. إنّها ليست سوى وعاء، مجرّد قناةٍ وصلت من خلالها آشلي إلى هذا العالم».

أحالَ شيلدون كيلي إلى مرتبة الجماد في تصوره، مجرّد آلة منتجة للأطفال. وحين يتكلم عنها، كان وجهه يمتعض ازدراءً واشمئزازًا. وفي الوقت نفسه، لم يظهر على نبرته الانزعاج، فقد اعتبرَ كيلي أدنى من أن تستحق غيظه. فكانت هيئته هيئةُ رجلٍ عضَّ كلبٌ صغيرٌ مزعجٌ عديم الضرر كعب قدمه. ولذلك تسمع في نبرة استعلائه درجة تأكُّده من فوقيّته على كيلي.

لكن استحقار واستعلاء شيلدون استثنائيٌّ فقط في درجته، وهو لا يزيد في ذلك عن العقلية الاعتيادية للعديد من الرجال المُعنِّفين إلّا بضع درجات، فالمعنِّفُ يميلُ لرؤية شريكته كأقل ذكاءً، وأقلّ كفاءةً، وأقلّ منطقيّةً، بل وأقلّ حساسيّةً عاطفية منه أيضًا. فيقول لي أحدهم مثلًا إنّها لا تصل لمستوى رحمته وحنانه، والواقع هو أنّه لا يكاد ينظر إليها بصفتها إنسانًا. وهذا الميل عند المُعنِّفين يسمى تشييء أو تبديد شَخْصِها.إنَّ أغلب المعنِّفين يهاجمون شريكاتهن لفظيًّا بأساليب احتقاريّة مثيرة للاشمئزاز، وعندها يلجؤون لكلماتٍ يعلمون أنّها الأشد إقلاقًا للنساء، كلمات مثل «كلبة» (b*tch)،«عا*رة» (wh*re)،و«كـ*» (c*nt)، وكثيرًا ما تلزمها كلمة «سمينة»، وهذه الكلمات تهاجم إنسانيّتها وتختزلها في حيوانٍ أو جمادٍ غير حي أو عضوٍ تناسلي مُحْتَقَر. وتقول لي شريكاتُ عملائي إنّ هذه الكلمات المثيرة للاشمئزاز تحمل قوّة وقُبْحًا عنيفًا، فمن خلال هذه النعوت المختارة بعناية – إذْ يعترف عملائي أحيانًا أنّهم يستخدمون أكثرَ الكلماتِ التي تطرأ على بالهم احتقارًا – يجعل المُعنِّفون شريكاتهم يشعرن بالمهانة وانعدام الأمن.

إنّ التشييء سببُ رئيسٌ وراء تفاقم سوء المُعنِّف مع مرور الوقت. فمع تأقلم ضميره مع مستوىً ما من القسوة – أو العنف – يبني سلّمًا تجاه المستوى الأعلى. وعبر تبديد شخص شريكته، يحمي المُعنِّف نفسه من الشعور الإنساني الطبيعي بالذنب والتقمص الوجداني، حتى يتمكن من النوم ليلًا مرتاحَ الضمير. وهو بذلك يبعد نفسه أشدَّ البُعْد عن إنسانيّتها حتى لا تدخل مشاعرها في الحسبان، أو حتى تضمحل وتخفي وتمامًا. وهذه الجدران ترتفع مع الوقت، حتى أنّ عملائي، بعد بضع سنواتٍ في علاقتهم يصبح شعورهم بالذنب تجاه احتقار شريكاتهن وتهديدهن يعادل شعورك وشعوري بعد ركل حصًى صغيرة غضبًا على قارعة الطريق.

إنّ التعنيف والاحترام قطبان متناقضان: إنّك لا تحترم شخصًا تعنّفه، ولا تعنّف شخصًا تحترمه.

الحقيقة الخامسة:

إنّه يخلط بين الحب والتعنيف.

هذه بعض التعليقات التي تتكرر على ألسنة عملائي:

«سبب تعنيفي لها هو مشاعري القويّة تجاهها. الإنسان يؤذي من يحب».

«لا أحد يتمكن من إغاظتي مثلها».

«نعم، قلت لها من الأفضل لك ألّا تحاولي أبدًا الانفصال عني. ألا تعلم مقدار حُبّي لهذه الفتاة؟!».

«سَأمْت من رؤيتها تدمّر حياتها. فأنا أهتمُّ بها أكثر بكثير من أن أجلس ساكنًا ولا أتدخل».

كثيرًا ما يحاول الرجل المعنّف إقناع شريكته أن سوء معاملته دليلٌ على عمق اهتمامه بها، ولكنّ الواقع هو أنَّ التعنيف هو نقيض الحب. كلما ازداد تعنيفُ رجلٍ لكِ، ازداد وضوح عدم اهتمامه إلّا بنفسه. لربما يشعر برغبةٍ قويّة لتلقّي محبّتكِ وعنايتك، ولكنّه لا يرغب بمنح الحبّ إلّا عندما يلائمه ذلك.

إذن، فهل هو يكذب حين يقول لكِ إنّه يحبّكِ؟ لا، في العادة لا. فأغلبُ عملائي يشعرون فعلًا بشعورٍ قوي في داخلهم يسمّونه الحب، وبالنسبة للعديد منهم، هذا هو الشعور الوحيد الذي شَعَروا به تجاه أيّ شريكةٍ أنثى، وبالتالي لا طريقَ لديهم لمعرفة أنَّ هذا الشعور ليس حُبًّا، فحين يشعر رجلٌ مُعنِّف بمُحرِّكٍ جبّار داخله يسميه الآخرون بالحب، على الأرجح أن ما يشعر به هو:

  • الرغبة في أن تكرّسي حياتك لإبقائه سعيدًا، دونَ تدخّلٍ خارجي.
  • الرغبة في الوصول الجنسي.
  • الرغبة في الحصول على إعجاب الآخرين عبر اقتنائك كشريكة.
  • الرغبة في امتلاككِ والتحكم بك.

تشكل هذه الرغبات جوانب مهمة لما يعنيه له الحب الشاعري، وحتى وإن كان قادرًا على الشعور بحبٍّ صادق تجاهكِ، فعليه أولًا أن يحوِّل منظوره تحويلًا جذريًّا لكي يفصل رغبات التعنيف والامتلاك عن العناية والاهتمام الحقيقيّين، ويصبح قادرًا حقًّا على رؤيتك.

هذا الخلط بين الحب والتعنيف هو ما يسمح للمعنِّفين الذين قَتَلوا شريكاتهم بالتصريح بذلك الزعم المنافي للعقل: «إنَّ ما دفعني لقتلها هو عُمْقُ حبّي لها». إنَّ الإعلام وقنوات الأخبار، للأسف، كثيرًا ما تقبل منظورَ المُعْتَدي لهذه التصرفات، واصفين إيّاها بـ «الجرائم العاطفية». ولكن أليست هذه الفعلة أكبرُ دليلٍ على أنَّ هذا الرجل لا يحب شريكته؟ إنْ قَتَلَت أمُّ أحدَ أطفالها، فهل سنقبل أبدًا الزعم بأنَّها قامت بذلك لأنها مغمورةٌ بمحبّته والاهتمام به؟ قطعًا لا. ولا يجب أن نقبل بذلك أبدًا. الحب الصادق يعني احترامَ إنسانيّة الطرف الآخر، والرغبة بما هو أفضل له أو لها، وتعزيز احترامهـ/ـا لذاتهـ/ـا واستقلاليتهـ/ـا. وهذا الحب لا يتوافق أبدًا مع التعنيف والإكراه.

الحقيقة السادسة:

إنّه مُتَلاعب ومُخادِع.

فلننظر في الحادثات التالية التي جرت بين رجلٍ مُعنِّف اسمه ديفد وشريكته جوآن:

  • يصرخ ديفد على جوآن، ووجهُه مُحْمَرٌّ غضبًا، ويلوّح بإصبعه تجاهها، فتخبره جوآن إنّ غضبه هذا غير مبرر وأن ذلك لا يروق لها. فيرفع صوته أكثر، ويقول: «لستُ غاضبًا. أنا أحاول فقط إيصال فكرتي لك ولكنّكِ لا تستمعين! لا تحاولي أن تعلّميني ماذا أشعر، فأنا أكره ذلك! أنتِ لا تعيشين في عقلي!»
  • في أحد الأيام تقول جوآن لِديفد إن نوبات غضبه هذه صارت مؤذية وإنها ترغب بفترة نقاهة من علاقتهما، فيقول لها ديفد وعينه تملؤها الدموع: «قصدكِ أنّك لم تعودي تحبينني، ولا يبدو أنّكِ أحببتني يومًا. أنتِ لا تدركين قوّةَ مشاعري تجاهك». عندها تتحول المحادثة إلى محاولة جوآن طمأنة ديفد بأنها لن تهجره، وشكواها عن سلوكيّاته تضيع وسط تغيير الموضوع هذا.
  • في حادثة أخرى، تذكر جوآن أنّها ترغب بإكمال دراستها الجامعية. فيجيب ديفد سلبًا، ويقول، «لا يمكننا تحمل تكاليفها»، ويرفض الاعتناء بالأطفال أثناء دراستها. تقترح جوآن عددًا من الاستراتيجيّات للتعامل مع المسألة المالية ومسألة العناية بالأطفال، وَيَجِد ديفد إشكالًا في كلِّ حلٍّ تطرحه. فتقرّر جوآن أخيرًا أنّه من المستحيل لها أن تواصل تعليمها، ولكن ديفد يُصرّ بعد ذلك أنه لم يكن يحاول أن يثنيها عن ذلك، وينتهي المطاف بأن تشعر جوآن بأنّ قرار عدم إكمال الدراسة كان قرارها.

لا تتكل إلا قلّةٌ من الرجال المعنِّفين على التعنيف اللفظي أو التخويف – حصرًا – للتحكم بشريكاتهم، فأن تكونَ مُتَنمِّرًا دون توقّف لهو عملٌ جهيد، ويجعل الرجل يبدو رجلًا سيئًا. إنْ كان يعنِّفها طوال الوقت، فستبدأ شريكته بإدراك ذلك، وقد يجتاح الرجل نفسه شعورٌ بالغٌ بالذنب على ما فعل. وبالتالي يميل المُعنِّف لإكثار الانتقال إلى التلاعب بشريكته للحصول على ما يرغب، وقد يستخدم أيضًا هذه التكتيكات أحيانًا لكي يشعرها بالاستياء أو الحيرة، وأدناه بعض ملامح التلاعب من جهة المُعَّنِف الممكن لكِ التنبه لها:

  • تكرر التغير المزاجي المفاجئ، حتى يصعب عليك أن تحددي من هو وبماذا يشعر، مما يبقيكِ مختلة التوازن. ومشاعِرهُ تجاهكِ هي تحديدًا الأكثر تبدُّلًا.
  • إنكاره الأمور الواضحة في أفعاله ومشاعره. يتحدث إليك وصوته يرتعش من الغضب، أو يحملك اللوم على مصاعبه، أو ينكّد عليك لساعتين، ومن ثمَّ ينكر ما كان يقوم به. فأنتِ تعرفين ما قام به – وهو يعرف أيضًا – ولكنّه يرفض الإقرار بذلك، مما قد يحقنك بجرعة عالية من الإحباط. ومن ثمَّ قد يقول إنّك مجنونة لاستيائك من إنكاره هذا.
  • محاولته إقناعك أنّ ما يرغب هو أن تقومي به هو الأفضل لك. بهذه الطريقة يصوّر المُعنِّف أنانيّته على صورة الكَرَم، وَيا لها من خدعة بديعة. وقد يمرُّ وقتٌ طويل قبل أن تدركي دوافعه الحقيقية.
  • دفعكِ للشعور بالأسى تجاهه، حتى تترددين في المضي قدمًا في تقديم شكاويك من أفعاله.
  • دفعكِ للوم نفسك، أو لومِ الآخرين، على ما يفعله هو.
  • استخدام تكتيكات الإرباك في الجدال، حيث يغيّر الموضوع تدريجيًّا أو مباشرة، ويصرُّ على أنّكِ تفكّرين أو تشعرين بأشياءَ لست تفكِّرين أو تشعرين بها، محرِّفًا كلماتك، وغيرها من التكتيكات العديدة التي تعمل كغراءٍ حار يُطلَى على دماغك. وقد تخرجين من الجدال معه وأنت تشعرين بأنك على وشك أن تفقدي عقلك.
  • الكذب عليك أو تضليلكِ بشأن أفعاله، رغباته، أو دوافعه للقيام بأمور معيّنة، من أجل اقتيادك للقيام بما يريد هو أن تقومي به. فإحدى أكثر الشكاوى شيوعًا التي تأتيني من النساء المُعنَّفات هي أنَّ شركاءهن يكذبون مرارًا وتكرارًا، وهو شكلٌ من أشكال التعنيف النفساني الممكن أن يصبح هو ذاته تدميريًّا جدًا مع مرور الوقت.
  • جعلكِ أنت والمقرَّبين منك تنقلبون على بعضكم البعض عبر كسر الثقة، والوقاحة تجاه أصدقائك وصديقاتك، والافتراء عليك عند الآخرين، وأن يسحرَ صديقاتكِ بلطافته ومن ثمَّ يخبرهن بأمورَ سيئة عنك، وغيرها من التكتيكات الهادفة للتفرقة.

بعض طرق التلاعب أسوأ من التعنيف الصريح، خصوصًا حين يمتزج الأول بالثاني. فحينَ تُنادى امرأة بـ «يا كلبة»، أو تُدفَع بقوّة أو تُصفع، فهي على الأقل تعلم ما فعله شريكه لها. ولكن بعد حادِثَة تلاعب، قد لا يكون لديها أدنى فكرة عمّا جرى، وعن كيف وصل الأمر لهذا السوء، فهي تعلم فقط أنَّه يخالجها شعورٌ مريع، أو تشعر بالجنون، أو، على نحوٍ ما، يبدو كلّ ما جرى خطأها هي.

الحقيقة السابعة:

إنّه يسعى للحفاظ على صورةٍ حسنة أمام العامة.

إن كنتِ في علاقة مع رجلٍ معنِّف، فقد تقضين الكثير من الوقت في حيرةٍ تحاولين استيعاب ما خَطبكِ أنتِ، بدلًا من استيعاب ما خَطبُه هو. فإنْ كان ينسجم بسهولة مع الآخرين وَيسحرهم بِكَرَمِه، وَبِحسّ فكاهته، وَوَداعته، قد تتساءلين: «أيُّ عيبٍ فيني يدفعه لذلك السلوك؟ يبدو أنَّ الآخرين يرون فيه رجلًا جيّدًا».

السؤال الخامس: لماذا يعتقد الجميع أنه رجلٌ رائع؟

أغلب الرجال المُعنِّفين يلبسون وجهًا ساحرًا في العلن، مما يخلق انفصالًا حادًّا بين صورتهم في العلن وسلوكيّاتهم الخاصة تجاه النساء والأطفال. قد يكون:

  • سريع الغضب في المنزل، وهادئ وباسِم في الخارج.
  • أناني ومتمركز حول ذاته في تعامله معك، وكريم ومتساعد مع الآخرين.
  • متسلِّط في المنزل، ومستعد للتفاوض وتقديم التنازلات في الخارج.
  • سلبيٌّ جدًا في تعامله مع الإناث في منزله، وداعمٌ صريحٌ للمساواة في العلن.
  • عدائيٌّ تجاه شريكته أو أطفاله، ومسالمٌ مع الآخرين.
  • يتصرُّف بحسِّ تملُّك في المنزل، وينتقد الرجال الآخرين الذين يقلّلون من احترام النساء أو يعتدون عليهن.

قد يكسر أَلَمُ هذا التباين معنويّات المرأة. يفتتح زوجها الصباح بطعنةٍ لفظيّة خاطفة: «أيتها البقرة البلهاء السمينة»، ولكن بعد فترة قصيرة تراه يضحك مع الجيران ويساعدهم في إصلاح سيارتهم، فيقول لها جيرانها لاحقًا: «شريككُ رجلٌ لطيفٌ حقًّا. يا لكِ من امرأة محظوظة – قلّةٌ هم الرجال الذين يقومون بما يقوم به»، وتجيب بـ «صحيح» مغمومة ولسانها منعقد، ويملؤها شعورٌ بالحيرة، وفي المنزل تسألُ نفسها مرارًا وتكرارًا: «لماذا أنا بالذات؟»

هل لدى الرجال المُعنِّفين انفصامُ شخصيّة؟

في الواقع، لا. إنّهم راغبون في السلطة والتحكم، وجزءٌ من متطلبات الحصول عليها هو الظهور بمظهرٍ حسن أمام العلن، فهذه الطبيعة الساحرة للرجل المعنِّف تثني شريكته عن التواصل مع الآخرين للحصول على الدعم أو المساندة لأنها تشعر أنّ الناس سيجدون كلامها صعب التصديق أو سيلومونها. وإنْ زلَّ لسانه وقالَ شيئًا يدل على علاقة تعنيفية، أو اعتقلته الشرطة بسبب اعتداءٍ ارتكبه، فسلوكه اللطيف السابق يرصف الطريق للفرار بفعلته. فمن يرى ذلك سيفكر، إنّه رجلٌ لطيفٌ جدًا، ليس من النوع الذي يرتكب هذه الأمور. لا بدَّ أنها آذته حقًّا ليلجأ لهذا السلوك.

تساعده واجهته الاجتماعية اللطيفة أيضًا على الحفاظ على صورة حسنه لنفسه عند نفسه. يقول لي عملائي: «أنا أنسجم مع الكل إلّاها. اِسأل الناس عني وسترى، فأنا إنسانٌ هادئ ومتعقّل. وهي من تفقد عقلها، ويمكنك أن تسأل الناس عن ذلك». وفي تلك الأثناء يستخدم الصعوبات التي تعانيها في علاقاتها مع الآخرين – وبعضها قد يكون هو مُسبِّبَها – كدليلٍ إضافي على أنّها هي من تعاني من مشكلة.

أحد أهم التحديات التي تواجه مستشار الرجال المعنِّفين هي مقاومة الانجذاب لشخصية بعضهم الساحِرة. فحين يجلسون ويدردشون ويتضاحكون في حلقتهم، تبدو القسوة والأنانية أشد البعد عنهم، وأجد نفسي أفكر محتارًا بنفس حيرة الجيران: هل يمكن لرجلٍ كهذا أن يكون قاسيًا لذاك الحد؟ فحتى بعد اعتراف الرجل بما ارتكبه، يظل الأمر صعب التصديق. هذا التباين سببٌ مفتاح لكيفية فرار المُعنِّفين بفعلتهم.

من ضمن عملائي، مرَّ عليّ العديد من الأطباء، منهم جرَّاحان، والعديد من رجال الأعمال الناجحين، منهم مُلَّاك شركات كبرى ورؤساء تنفيذيون، وحوالي دزينة أساتذة جامعيين، والعديد من المحامين، وشخصية إذاعية رخيمة المظهر، وَرجالُ دين، ورياضيَّان معروفان، وأحد عملائي العنيفين جسديًا كان يتطوّع في عيد الشكر كلّ عام لتوفير الطعام للفقراء والمشرّدين، وكان منهم أيضًا كادر معروفٌ جدًا لأحد منظمات حقوق الإنسان الدولية الكبرى. كانت القسوة والوحشية التي حملها هؤلاء الرجال لتشكل صدمة لدى المجتمعات والأوساط التي انتموا إليها.

وعلى الرغم من أن هؤلاء الرجال عادةً ما يبقون طبعهم التعنيفي مكبوتًا داخل المنزل، هنالك حالة واحدة تنزلق فيها إلى العلن: إن واجههم أحدٌ ما بشأن أفعالهم وساند المرأة المُعنَّفة، أو بالأحرى: إن قام أحدهم بوظيفتي هذه. فجأةً، تلك السلوكيات والتكتيكات التي يقتصرون على استخدامها في المنزل تطفو إلى السطح وتظهر في العلن. فالغالبية العظمى من النساء اللاتي يقلن إنّهن يتعرضن للتعنيف صادقات. أعلم بحقيقةِ ذلك لأن المُعنِّفين يخفضون دفاعاتهم معي، بما يناقض إنكارهم.

الحقيقة الثامنة:

إنّه يشعر بأن سلوكه مُبَرَّر.

قبل عدة سنوات، مرَّ علي عميلٌ بدأ أول حضورٍ له في الحلقة بالإعلان: «أنا هنا لأنّي رجلٌ ضرب شريكته»، فأدهشني إقراره بمشكلته من البداية، ولكن في الأسبوع الثاني نعَّم كلماته إلى: «أنا هنا لأنّي مُعنِّف»، وفي الثالث صرَّح: «أنا في هذا البرنامج لأن زوجتي تعتقد أنّني مُعنِّف». خلال أسابيع قلّة تركَ البرنامج، بعد أن تَلحَّف مرتاحًا بتبريراته.

يُبعِد المُعنِّف مسؤولية أفعاله عن شخصه، معتقدًا أنَّ شريكته تجعله يتصرّف بطرق تعنيفية. كلُّ عميلٍ يمر علي يستخدم تبريرات على هذا المنوال:

«إنّها تعرف حقَّ المعرفة كيف تثير غضبي».

«هي أرادت أن تُفْقِدَني أعصابي، وهي تعرف تمامًا كيف تحقق ذلك».

«ضغطتْ عليَّ بما لم أعد أتحمّله».

«لكل شخصٍ حدوده، وأنا لم أعد أتحمل أكثر».

«أتتوقع مني أن أسمح لها بامتطائي كما الحمار؟ ماذا كنت لتفعل لو كنت مكاني؟»

يعبر العديد من عملائي عن شعورهم بالذنب أو بالندم بداية حضورهم الجلسات الاستشارية، ولكن حالما أبدأ بتوجيههم للنظر في تاريخ سلوكهم التعنيفي، يرجعون للدفاع عن تصرفاتهم. فهم لا يمانعون القول من غير تكلّف: «أعرف أن ما قمت به فعلٌ خاطئ»، ولكن حين أطلب منهم وصف هجماتهم اللفظية والجسدية بتفصيل، يعودون إلى التبرير.

الرجال المُعنِّفين علماءٌ في اختلاق التبريرات. ويتشابه المعنِّف في هذا الجانب مع مُسِيئ استخدام المواد المخدرة، الذي يعتقد أنَّ كلّ الناس وكل الأمور مسؤولة عن أفعاله ما عداه. فحين لا يُلقون اللوم على شريكاتهم، يلقونه على الضغوطات، أو الكحول، أو طفولتهم، أو أطفالهم، أو مخاوفهم. والأهم من ذلك هو أنّهم يعتقدون أنهم مخوَّلون لاستخدام هذه الأعذار، فحين أشير إلى رجالٍ آخرين يواجهون نفس الضغوطات ويختارون ألا يكونوا مُعنِّفين، عادةً ما يغضبون ويسخطون.

هل يعني ذلك أن لدى المعنِّفين شخصيّاتٌ سايكوباتية (معتلّة نفسانيًا) ويفتقرون لضميرٍ يُشْعِرهم بالذنب أو المسؤولية؟ عمومًا لا، ولكن مرَّت عليَّ نسبةٌ صغيرة منهم يصح عليها ذلك (لربما 5 بالمئة من عملائي). فأغلبُ المعنِّفين لديهم ضميرٌ حقًّا فيما يتعلق بسلوكيّاتهم خارج الأسرة، وقد يكونوا مستعدين لتحمل مسؤولية أفعالهم في العمل، أو في النادي، أو في الشارع. ولكن، في المنزل، إحساسهم بالاستحقاق يتغلب.

يعتقد الرجل المُعنِّف عمومًا أنّ له الحقّ في لوم شريكته على أيِّ شيءٍ سيء يحصل، وليس فقط تعنيفَهُ إياها. فهل عانى من الإحباط؟ هي السبب. وهل شعر بالإحراج بسبب خطأٍ ارتكبَه هو؟ كان عليها أن تقيه من الوقوع فيه. وهل أحد الأطفال يمر بمرحلة عصيبة؟ إنّها أمٌّ سيئة. كلُّ شيءٍ مسؤولية شخصٌ آخر، وهذا «الشخص الآخر» عادةً ما يكون هي.

الحقيقة التاسعة:

ينكر المُعنِّفون تعنيفهم ويقللون من شأنه.

أحد جوانب اختصاصي هو العمل في الحالات القضائية المتعلقة بالمعنِّفين جسديًّا ومعنِّفي الأطفال. وكثيرًا ما يمر عليّ موظَّفو محكمة يقولون: «حسنًا، إنّها تتهمه بتعنيفها، ولكنه ينكر ذلك»، ومن ثم يتخطون المسألة وكأنما إنكاره يقفل القضية، ويتبعون القول: «هو يقول إنّها تقوم بنفس الأفعال تجاهه، فلا بدَّ أنهما يعنِّفان بعضهما البعض»، فهذا الإنكار وتبادل التهم لا يخبرنا أي شيء عن صدق ما تقوله المرأة. إنْ كان الرجل مُعنِّفًا، بالطبع سينكر سلوكه، جزئيًّا ليحمي نفسه وجزئيًّا لأن تصوّره للأمور مُعوَج، فلو كان مستعدًّا لتقبل مسؤولية أفعاله في علاقته، لما كان معنِّفًا أصلًا، ولذلك أحد أهمّ المهام التي على مستشار المعنِّفين التصدي لها هو كسر جدار إنكار التعنيف والتقليل من شأنه، فأغلبُ الرجال في حلقاتي يُقرّون بأحد ضروب السلوك التعنيفي – وإن كانوا لا يرون فيه تعنيفًا، بالطبع – ولكنهم لا يقرّون إلا بجزءٍ ضئيلٍ مما فعلوه في الواقع، وهو ما أدركه عندما أتحدث مع شريكاتهم المُعنَّفَات.

حين يُنْكِر المعنِّف حادثةً مباشرةً بعد حصولها، يمكنه أن يدفع شريكته إلى التشكيك بنفسها. فلنتصوَّر وضع امرأةٍ تجلس من النوم منزعجة جدًا بسبب شجارٍ قبيح جرى الليلة الماضية، وينظر لها شريكها باستغرابٍ في المطبخ ويقول: «لماذا تبدين متنرفزةً منذ باكر الصباح؟»

وتردُّ عليه: «لماذا أتنرفزُ من أول الصباح؟ ناديتني بالفاشلة البارحة أمام الأطفال، وَمِنْ ثمَّ انتزعتَ فوطةَ الاستحمام من عليّ لكيْ يضحكون علي، فهل تتوقع مني أن أنزل من الطابق العلوي وأنا أُصَفِّر بسعادة؟»

«عمَّ تتحدثين؟!» يرد عليها مصدومًا، ويكمل: «اللعنة، يا لكِ من مدمنة دراما! كنت في الطرف الآخر من الغرفة حين سقطت فوطتكِ من عليك، وتَلومينني على ذلك؟ يا لكِ من مجنونة!» ويسير عنها وهو يهزُّ رأسه استنكارًا.

يمكن لامرأة أن تشعر بأنها تفقد عقلها – أو تنمو فيها أعراضٌ مرضية نفسانية حقيقية – إنْ كان شريكها ينكر باستمرارٍ وقائع حياتها اليومية الواضحة، بما في ذلك التعنيف، فاليقين والرزانة في صوته، وعينيه المحتارتين، تجعلها تشكك في نفسها، فتتساءل: «هل حدث ذلك فعلًا؟ لربما لم يحدث، لربما أبالغ في ردة فعلي تجاه أمورٍ لا خطب فيها». وكلما ازدادت جسامة الأشياء التي ينكرها، ازداد فقدانها صلتها بالواقع. وإنْ بدأ الآخرون بملاحظة عدم استقرارها، يمكن للمعنِّف استخدام ملاحظتهم هذه ليقنعهم أن حديثها عما يمارسه مجرد أوهام.

تسألني شريكاتُ هذا النوع من المُعنِّفين: «بعد الحادثة، بدى وكأنه حقًّا يعتقد أنَّ التعنيف لم يحصل. هل هو واعٍ بكذبته؟»، والجواب هو: في أغلب الحالات نعم. أغلبُ المعنِّفين لا يعانون من مشاكل جسيمة في ذاكرتهم، فمن الأرجح أنّه يتذكر تمامًا ما فعله، خصوصًا إن لم يمر عليه الكثير من الوقت. وإنكاره هذا هدفه إقفال باب النقاش لأنه لا يرغب بالتعرض للمحاسبة على أفعاله، ولربما يكون حقًّا يحاول أن يشعرك بالخيبة والجنون. ولكن نسبة صغيرةً من المُعنِّفين – لربما واحد من كل اثني عشر – لديهم حالاتٌ نفسانية مثل اضطراب الشخصية النرجسية أو اضطراب الشخصية الحدّية، حيثُ يحجبونَ عن وعيهم – حرفيًّا – أيَّ سلوكيّاتٍ سيئة قاموا بها. وأحدُ المؤشرات على أنَّ شريكَك قد يكون لديه مثلُ هذه المشاكل هو إن لاحظته يقوم بنفس الأمور لأناس آخرين. فإن كان إنكاره وتلاعبه يقتصر عليكِ، أو لأوضاعٍ متعلقة بكِ، فهو على الأرجح معنِّفٌ فقط وببساطة.

إنكارُ التعنيف والتقليل من شانه جزءٌ من أنساق السلوكيات التدميرية، سواءً كانت إساءة استعمال الكحول أو إدمانَ القمار أو تعنيف الأطفال، وتعنيفُ الشريكة العاطفية ليس الاستثناء.

الحقيقة العاشرة:

لدى المُعنِّفين حسُّ تملّك.

يبدو العملاء الجدد مذهولين أحيانًا، وكأنما كنت ألقي في ندوة عن النباتات المأكولة، وقد دخلوا إلى الغرفة الخطأ؛ ينتظرون بترقب اللحظة الممكن فيها أن يتحدثوا، يقفون من كراسيهم ويهيجون واللعاب يترشرش من أفواههم: «ولكن من تتحدثْ عنهن زوجاتـنا وعشيقاتـنا. هل تود أنْ تقول لنا إنَّ شخصًا آخر يمكن له أن يحدد ما نفعل في علاقاتنا؟»، ويتبسَّمون أثناء حديثهم أو يهزون رأسهم بعض الشيء، وكأنما يشفقون عليَّ لبلادة فكري، فهم يفترضون أنّني لم أدرك أنَّ هؤلاء النساء نساؤهم.

حسُّ التملّك هذا هو سببُ تفاقم التعنيف سوءًا مع ازدياد جدّية العلاقة. فكلما طالَ تاريخ العلاقة وعَمُقَ الالتزام فيها، ازدادت رؤيةُ المُعنِّف لشريكته كشيءٍ يملكه. يقع حسُّ التملُّك هذا في لبِّ عقلية المُعنِّف، الينبوع الذي تتدفق منه كل التيارات الأخرى، فعلى نحوٍ ما، إنّه يشعر أنّه يمتلككِ، وعليه، له الحق في معاملتك كما يحلو له.

السؤال السادس : لماذا غيرته جنونية؟

بالنسبة للعديد من المُعنِّفين، يتخذ حسُّ الامتلاك شكل الغيرة الجنسية. وهذا النوع من الرجال يراقب روابط شريكته الاجتماعية بحرص، ويتوقع منها أن تخطره أينما كانت وأينما ذهبت في كل الأوقات، ويجرحها ما بين فينة والأخرى باتهاماتٍ غَيْورة، مثلما فعل فران من الفصل الأول. والمفارقة هي أنَّ المُعنِّفين كثيري كيل التهم هم الأرجحُ خيانةً لشريكاتهم؛ يُشعِرُ حسُّ التملُّك وحسُّ الاستحقاق المُعنِّفَ بأنّه من المقبول له أن يخوض في علاقة غرامية أخرى، أمّا هي فلا.

وأحدُ الأسباب التي تحمل أهمية مماثلة للغيرة المتطرفة، والتي تظهر على الكثير من المُعنِّفين، هي الرغبة في عزلِ شريكاتهم. في الفصل الأول لاقينا مارشال، الذي لم يكن يصدق اتهاماته الجنونية التي وجهها لزوجته. إذن فما هي دوافع سلوكه هذا؟ يقوم الرجل المُعنِّفْ الذي يعزل شريكته بذلك على نحوٍ رئيس لسببين:

  1. إنّه يريد من حياتها أنْ تكون مركَّزة بالتمام على حاجاته. يشعر أنَّ صِلاتها الاجتماعية الأخرى لن تسمح لها بقضاء مجمل وقتها لأجله، وهو لا يقبل أنَّ لديها الحق في ذلك.
  2. إنّه لا يرغب لها أن تنّمي موارد قوّة قد تساهم في استقلاليّتها. وإن كان ذلك غالبًا يجري في اللاوعي، فالرجال المُعنِّفون واعون بدرجةٍ ما بأنَّ الصلات الاجتماعية يمكن أن تؤتيها قوّةً ودعمًا قد تمكّنها في آخر المطاف من الإفلات من سيطرته (كما رأينا مع دَيل ومورين في الفصل الأول). تكثر محاولة الرجل المُعنِّف وضع شريكته في وضع الاتكال الكامل عليه، وذلك ليزيد من قوّته في العلاقة.

بسبب هذه العقلية، يميل الرجل المُعنِّف لرؤية أي علاقة تنمّيها شريكته، سواءً مع الذكور أو الإناث، كتهديدٍ له. فلربما تحاولين إدارةَ هذه المشكلة بتطمينه مرارًا وتكرارًا بأنّكِ ما تزالين تحبّينه وأنِّك لن تخونيه أبدًا، ولكنّكِ ستجدين أن مساعيه لعزلكِ لن تخف، لأن مخاوفه بأنكِ قد تعاشرين رجلًا آخر ليست إلّا جزءًا صغير من أسباب محاولته عزلك.

في الوقت نفسه، ليست الاتهامات الناتجة عن الغيرة والعزل إلّا أحد أشكال التي من الممكن أن يتّخذها حس التملّك. فبعض الرجال المعنِّفين لا يحاولون التحكم بعلاقاتِ شريكاتهم، لكنَّ منظورهم المُحرِّك الذي مفاده «أنتِ ملكٌ لي، أفعلُ بكِ ما يحلو لي» يكشف نفسه بطرقٍ أخرى. فَلو أختُ شريككِ انتقدتهُ مثلًا لتنمُّرهِ عليك، قد يقول لها: «ما أفعله بِفَتاتي ليس من شأنك»، وإنْ كان لديكما أطفال، قد يبدأ بمعاملةِ كل أفرادِ العائلة كممتلكاتٍ له، وقد يتصاعد غضبهُ على نحوٍ خطير حين تحاولين الانفصال عنه. أبقي كَلِمة التملُّك في بالك، وقد تبدئين بملاحظة أنَّ كثيرًا من سلوكيّات شريككِ ترجع إلى إيمانه بأنكِ مُلْكٌ له.


يأتي الرجال المُعنِّفون بكل أنواع الشخصيات، من طفولاتٍ سعيدة وطفولاتٍ تعيسة، منهم رجالٌ فحوليّون ورجالٌ لطيفون «مُتَحرّرُون»، ولا يمكن لاختبارٍ نفسانيّ أن يميز الرجل المعنِّف من الرجل المُحترِم، فالتعنيف ليس ناتجًا عن أذىً عاطفي لحق بالرجل ولا نقصًا في مهاراته، والواقع هو أنَّ التعنيف ينتج عن تدريبه الثقافي المُبكِّر، قُدواته من الذكور، وتأثيرُ أقرانه. وبعبارة أخرى، التعنيف مسألة قِيَم وليست مسألةَ نفسانية، فحين يتحدى أحدهم منظور المُعنِّف ومعتقداته، يكشف حينها عن الشخصية الحانقة المؤذية التي يخفيها عادةً، التي يحتفظ بها لهجماته المخصصة على شريكته. يحاول المُعنِّف إبقاءَ الجميع – شريكته، مُعالِجه النفساني، أصدقاءه وأقرباءه – مركِّزين على مشاعره، كيلا يركّزوا على أفكاره، لربما لأنه، بدرجةٍ من الدرجات، واعٍ بأنَّك إنْ أدركت الطبيعة الحقيقية لمشكلته، ستبدئين بالهروب من هيمنته.

نقاطٌ يجب تذكُّرها:

  • ينبتُ التعنيف من منظور الرجل وقيمه، وليس مشاعره. والجذور هي حسُّ التملُّك، والجذع هو حسُّ الاستحقاق، والغصون هي التحكم.
  • التعنيف والاحترام نقيضان. المُعنِّفون لا يمكن أن يتغيّروا دونَ تجاوزُ نواة التعنيف: انعدام احترامهم لشريكاتهم.
  • إدراكُ المُعنِّفين بما يفعلونه أكثر بكثيرٍ مما قد يبدو عليهم، ولكن حتى سلوكيّاتهم الأقل وعيًا تحرّكها نواة منظورهم.
  • المُعنِّفون لا يرغبون بالتوقف عن التعنيف، وليسوا بغير قادرين. فهم لا يودون التنازل عن القوة والتحكم.
  • أنتِ لست بمجنونة. ثقي بتصوّراتك للمعاملة التي تتلقيها من شريككِ المُعنِّف ولنظرته إليك.

العودة إلى قائمة المحتويات:​

كتاب: نظرة داخل عقول الرجال المتحكِّمين والمعنِّفين

Skip to content