الفصل الخامس: كيف يبدأ التعنيف

لست أفهم ما جرى. كنّا قريبين جدًا.

لستُ أدري إن كان الخطبُ بِه أم بي أنا.

إنه يهتمُّ بي حقًا. إنه يريد لنا أن نقضي كل لحظةٍ معًا.

أصدقائي يشتكون من أننا لم نعد نتلاقى بقدر ما كنا في السابق.

«جنّة عدن»، هذه تسميتي لبداية العلاقة مع المعنِّف.،فللأسابيع أو الشهور القليلة الأولى، ولربما لأطول، تطير المرأة فرحًا. أنتذكر كريستن وماوري اللتان قابلناهما في الفصل الأول؟ كان ماوري متألقًا – ممتع، مثير للاهتمام، وحيوي – وكريستن كانت مسحورةً به، وأكثر ما أعجبها فيه هو ولعه هو في حبِّها هي، فقد سعى وراءها بحماس، وبدا وكأنه يحب كل شيءٍ فيها، ولا يشبع منها، فشعرت وكأنها داخل أحد أغاني الحب الرائجة بكلماتٍ مثل «كل شيءٍ صار حلوًا لما قابلتك»، وهذا النسق شائعٌ في العلاقات التعنيفية؛ يبدو الرجل المعنِّف بالغ العطاء في التعبير عن شدة اهتمامه بكِ باكرًا في العلاقة، ويمكن أن يُشعِرَك بأنك حقًّا مميزة ومختارة – كما لو أنك الشخص الوحيد الممكن أن يهتم به بهذا القدر.

ليسَ كل رجلٍ معنِّف يبدأ بعشقٍ جنوني مثلما شهدنا في ماوري، فقد كان فران، الذي تعرفنا عليه في الفصل الأول أيضًا، هادئًا ومنكفئًا في البداية، وباربرا هي من سعت وراءه، فقد انجذبت إليه بقوة بسبب حلاوته وحساسيته وللتحدي الكامن في إخراجه من قوقعته، ويا له من نصر عظيمٍ حينما تمكنت من جعله ينفتح عليها، بل ويحبها! يمكنها أن ترى الحزن والارتياب القابضين على قلبه، لكنها رأت نفسها تعالجه، كممرضةٍ حنونة، وشعرت بالحماس باعتقادها الواثق بقدرتها على أن تكسر سدّه المنيع ليتدفق نهر إمكاناته المكبوتة.

وهذه البداية المثالية جزءٌ من كل علاقةٍ تعنيفية تقريبًا، فكيف لأي معنِّفٍ أن يحصل على شريكة؟ النساء لسن حمقاوات، فلو ذهبت إلى مطعمٍ في موعدٍ غراميٍ طائشٍ أول، وَناداكِ الرجل بـ «الكلبة الأنانية» أثناءَ تناولكما الحلى، ورمى بكأسِ مائك إلى الجدار، لن تقولي له: «هيه، هل أنت مشغولٌ نهاية الأسبوع القادم؟»، ما يلزمه بإيجاد طريقًا ليربطك، فقِلةٌ قليلة من النساء تكرهن أنفسهن لدرجة الدخول في علاقةٍ مع رجلٍ عفنٍ منذ البداية – وقد يطورن هذه الكراهية للذات لاحقًا، بعد تمكن المعنِّف من تدمير صورتهن عن أنفسهن خطوةً بخطوة.

قوة الشهور الأولى الجميلة

وَصفتْ لي شريكاتُ عملائي المراحل الابتدائية اللامعة في علاقتهن مع شريكٍ معنف، بما في ذلك:

كأي شخصٍ واقع في الحب، تخبر أصدقاءَها وأسرتها عن روعة هذا الرجل، ولكن بعد مديحه لهذه الدرجة، تشعر بالخجل من كشف إساءته معاملتها حين يبدأ ذلك، وبالتالي تكتم ذلك في نفسها لفترةٍ طويلة.

تفترضُ أنَّ اتصافه بالتعنيف قادمٌ من خطبٍ ما في داخله – وكيف لها أن تستنتج خلاف ذلك، نظرًا لروعته بادئًا؟ – وبالتالي تصب كامل قواها في اكتشاف ما حصل.

تجد صعوبةً في ترك الحلم الابتدائي، إذ أنها اعتقدت أنه وجدت رجلًا رائعًا.

لا تكف عن الحيرة فيما إذا كانت قد أخطأت، أو فيها عيبٌ كبيرٌ أسقط قصر أحلامهما من جنان عدن، وبالتالي تحاول إيجاد مفتاح الحل في داخلها.

السؤال 7: حينما يحسن التصرف في البداية، فهل هو يخطط للتعنيف لاحقًا؟

أحد الأسئلة الشائعة عن التعنيف هي: عندما يتصرف رجلٌ معنف بشكلٍ أخّاذٍ في بداية العلاقة، فهل هو يخطط مسبقًا للتعنيف؟ هل لديه خطةٌ كاملة؟ هل هو ينوي عمدًا ربطها به عاطفيًا حتى يتمكن من التصرف معها بقسوةٍ لاحقًا؟ الجواب عادةً هو لا، فالمّعنِّفُ لا يحلم بالصراخ عليها وتحقيرها أو رمي الأغراض عليها، فعندما يقع في الحب، يحلم بمستقبلٍ سعيدٍ في نعيم الزوجية، مثلما تحلم المرأة.

إذن، إن لم يكن ينوي إيذاءها، فما الذي يجري حقًا في ذهنه؟ أولًا، إنه يتوق لصورة يحملها للمستقبل، حيث المرأة تلبي كل حاجاته، وهي جميلةٌ وسكسية طوال الليل والنهار، وليس لديها أي حاجاتٍ، ومنبهرةٌ طوال الوقت بعبقريته وسحره، فهو يرغبُ بامرأة تخدمه ولا تتشكى من أي شيءٍ يفعله أو تكدّر يومه بذكر بواعث الإحباط والحزن في حياتها.

لا يكشفُ الرجل المعنِّف هذه الخيالات المتمحورة على النفس لشريكته الجديدة، فهو في الواقع وفي أغلب الأحيان ليس مدركًا لها، وبالتالي لا طريقَ أمام الشريكة لتعرف أنّه يرغب بخادِمةٍ شخصية، لا شريكة، بل الواقع أنّ المعنّفين يميلون لاستخدام لغة المعاملة بالمثل أثناء فترة المواعدة:

«سنكون مناسبين جدًا لبعضنا البعض».

«أريد أن أكون معك طوال الوقت».

«أود أن أكون سندًا لك».

«يمكنكِ التوقف عن العمل الآن كي تنهي دراستك، ويمكننا أن نقتات على راتبي».

«سأساعِدكِ في التحضير لاختبار المساعِدة الطبية، لكي تحصلي على تلك الترقية».

قد يصدِّق وعوده حقًا، لأنه يريد أن يرى في نفسه شريكًا كريمًا ومحترمًا؛ شريكٌ لا يستغل أو يسيء احترام النساء، ولاحقًا، حينما يبدأ بالتحكم بالمرأة أو استغلالها، دائمًا ما يجد طريقةً لإقناع نفسه بأن الحاصل خلاف ذلك أو أنها هي الملامة، فالتعنيفُ ليس هدفه، بل التحكّم، ويجد نفسه مستخدمًا التعنيف ليحصل على التحكم الذي يشعر أنه يستحقه.

في المقابل، عددٌ معين من عملائي مدركون تمامًا ما يعفونه منذ البداية، وهذا أصحاب هذا الأسلوب يحدّثونني مبتسمين ومدركين، مفترضين أن كل الرجال يستخدمون هذه الألاعيب، فيقول أحدهم: «بالطبع عليك أن تفتن السيدات وتستمع إلى ثرثرتهن، فَهُنَّ يحببن ذلك، فأطالفهن في الحديث، وآخذهن للرقص، كلنا نعرف كيف تجري هذه الأمور». ولكن حتى هذا الرجل لا يخطط عمومًا لتعنيف النساء لاحقًا، بل يخلق العلاقة التي يريد عبر الإغواء والخداع ويتوقع الاستمرار في هذا النمط إلى الأبد، فالتلاعب يشعرأصحاب هذا الأسلوب بالحذق والرضى، ولا تعجبهم اللغة المحقِّرة والتهديد الجسدي، وحينما يبدأ لاحقًا بتمزيقها نفسانيًا أو إخافتها، سيلقي باللوم عليها، معتقدًا على الأرجح أنها «كلبة» لأنها لم تسمح له بالاستمرار بالكذب والتلاعب طوال عمره، فهو لا يعتبر تلاعبه تعنيفًا.

المُعنِّف ليس وحشًا ولا ضحية

نصِلُ هنا إلى اثنين من أهم المفاهيم فيما يتعلق بالرجال المعنِّفين، أولًا:

المعنِّف إنسان، وليس وحشًا شريرًا، لكنه يحمل مشكلةً مدمِّرة ومعقدةً حقًا لا يجب الاستهانة بها.

النظرة الشائعة للرجال المعنِّفين كوحوشٍ شريرة ماكرة تصعّب على المرأة أن ترى مشكلةَ شريكها، فهي تميلُ للاعتقاد: شريكي يهتمُّ بي حقًا وفيه جانبٌ جيد، وفيه مشاعر، فهو ليس ساديًا، ولا يمكن أن يكون معنِّفًا. وهي هنا لا تُدرِك أنه يمكن أن يحمل كل هذه الصفات الإيجابية إلى جانب مشكلة التعنيف.

في الطرف الآخر من الطيف، نجد نظرةً للمعنِّفين لا تختلف عن الأولى في شيوعها وتضليلها: المعنِّفُ رجلٌ إنسانيّتهُ اللطيفة مخبّأةٌ تحت هذه القشرة التعنيفية، ويمكن تغييره بالكامل بالحب والعطف والبصيرة، فيومًا ما، سيستيقظ من غفلته ويدرك مدى الأذى الذي ألحقه، وسيستنكر قسوته ويهجرها، خصوصًا إن كان قد تلقى حبَّ امرأةٍ صالحة، وهذا المنظور تصوّره وتعززه الأغاني الشائعة والأفلام والروايات الرومنسية ومسلسلات دراما الصابون، والحقيقةُ المؤلمة هي أن إحداث التغيير في معنِّفٍ أمرٌ صعب، فالرجال المعنِّف يحتاجُ لدفن تعاطفه في حفرةٍ عميقة حتى يفلت من النفور الفطري لدى البشر من إلحاق الأذى والمعاناة بالآخرين، فهو يلتزم التزامًا شديدًا بأعذاره وتبريراته، ويطوّر قدرةً مُقلِقة على عزلِ نفسه من الألم الذي يُلحِقه، وعلى تعلم الاستمتاع بالسلطة والتحكم الذي يمارسه على شريكته، فمن غير الواقعي أن نتوقع لبناءٍ معقدٍ كهذا، اتخذ خمسة عشر أو عشرين سنة ليتكون، أن يختفي كالبخار، ومع ذلك، فالنساءُ كثيرًا ما يضغط عليهن الأصدقاء أو الأسرة أو الخبراء لـ «إعطائه فرصةً ليتغير» ولـ «تحسن الظن بالناس».

المفهوم الضروري الثاني هو:

المعنِّف واعٍ لسلوكه أساسًا، فهو يتصرف متعمدًا، وليس بالخطأ، وليس يفقد التحكم بنفسه، لكن الفكر الباطني المحرّك لهذا السلوك ليس واعيًا.

يتعلم المعنِّف السلوك التلاعبي والتحكمي من مصادر متعددة، بما في ذلك قدوةٌ ذكر محددة، من أقرانه، ومن رسائل ثقافية شائعة (أنظري الفصل 13)، وعندما يصل إلى سن البلوغ، فقد استبطن السلوكيات التلاعبية بدرجةٍ عميقة جدًا حتى تصبح تصرفاته تلقائية، فهو يعرف ما يفعل لكنه لا يعرف لماذا بالضرورة. فلننظر مثلًا للمكالمة التي تلقيتها من كيلسي، شريكةُ أحد عملائي:

أرادَ مني لانس أن أذهب للتزلج على الجليد معه نهاية الأسبوع، لكني لم أرغب حقًا بالذهاب لشعوري بالإرهاق من هذا الأسبوع الطويل، وأردتُ قضاء بعض الوضع مع أصدقائي. وعندما قلتُ لا، اتجه لانتقادي، وقال لي لن تجيدي التزلج أبدًا فأنتِ تفتقرين للالتزام، وقال إنّي أفتقر لحس المبادرة، وكسولة ولذلك لا أجيد أي شيء، وما إلى ذلك. شعرت بالاستياء . . . لكن، أتعلم، أعتقد أنه لربما يكون محقًا – لربما عليّ أن التزم بتعلم التزلج.

ما هو منبع هذه الإهانات من لانس؟ هل كان حقًا قلقًا من أن كيلسي تخذل نفسها؟ لا، لا يطعن رجلٌ احترامَ النفس عند شريكته رغبةً في مساعدتها، بل القلقُ الحقيقي كان حول ما رغبهُ لانس لنفسه: أرادَ أن تشاركه كيلسي نهايةَ الأسبوع هذه لأنه لم يرغب بالتزلج وحده، فاغتاظ من أنها اختارت أن تعطي أهميةً مركزية للصداقات في حياتها – وهو موضوعٌ شائع لدى الرجال المعنِّفين – واعتقدَ أن من واجبها الوقوف إلى جانبه والتركيز عليه، فقد كان يَرميها بأي إهانة تخطر على باله متنمرًا وضاغطًا عليها لتأتي معه (ونجح بعض الشيء في جعلها تشكك في نفسها)، وحينما شكك بعض أعضاء حلقة المعنِّفين التي يشارك فيها بنواياه وسلوكه في الجلسة التالية، تبينت دوافعه وآراؤه الحقيقية. كثيرٌ من عملي كمستشار يتضمن مساعدة الرجال المعنفين على إدراك ومواجهة الأسباب الحقيقية وراء تصرفهم بالشكل هذا.

إشارات الخطر المبكرة

حينما تسمع النساء عن أن المعنِّفين يمكن أن يكونوا ساحرين – أو يعشن تلك التجربة ذلك مباشرة – يشعرن بالحيرة. يسألن: «هل يعني ذلك أنه يستحيل تجنب علاقةٍ تعنيفية؟ كيف أعرف ما إذا كان يجب علي القلق من شريكي الجديد؟»، ولحسن الحظ، تصدر إشارات الخطر من أغلب المعنّفين قبل أن يتفعَّل تعنيفهم، والإشارات التي يجب التنبه لها يجب أن تكون جزءً من تعليم كل فتاة قبل المواعدة.

السؤال 8: كيف لي أن أعرف إن كان الرجل الذي أواعده سيكون معنِّفًا؟

تعني إشارات الخطر التالية أن التعنيف قد يكون في الطريق، وقد لا يكون بعيدًا:

إنه يحتقر شريكاته السابقات.

درجةٌ من درجات الغضب والاستياء تجاه الشريكـ/ـة السابقـ/ـة أمرٌ عادي، لكن احذري من الرجل المنشغل بغضبه تجاهها ويحدثك عنها بنحوٍ غي رائق في وقتٍ مبكر في المواعدة، واحذري خصوصًا من الرجل الذي يتحدث عن النساء في ماضيه بطرقٍ احتقارية أو متكبرة، أو من يصف نفسه بأنه ضحيةٌ لتعنيفِ النساء، واحذري من الرجل الذي يقول إن زوجته أو حبيبته السابقة اتهمته زورًا بالتعذيب؛ فأغلبية تلك الاتهامات صادقة ودقيقة، وحينما تسمعين أن امرأة أخرى تعتقد أنه معنِّف، عليك دائمًا أن تجدي طريقةً لتعرفي جانبها من القصة، فحتى لو لم تصدقيها في آخر المطاف، ستعرفين على الأقل السلوكيات التي يجب أن تتنبهي إليها، لأخذ الاحتياط، واحذري أيضًا من رجلٍ يعترف بتعنيفه شريكةً سابقة ويجاور ذلك بالادعاء أن الظروف كانت استثنائية، أو يلقي اللوم عليها، أو على الكحول أو عدم النضج.

احذري من الرجل الذي يقول لكِ إنّكِ مختلفة عن كل النساء اللاتي دخل في علاقاتٍ معهن، وأنك الشريكة الأولى التي تحسن معاملته، أو أن النساء السابقات في حياته لم يفهمنه، فقد يدفعكِ ذلك للعمل جاهدةً على إثبات أنك لست كتلك النساء الأخريات، وحينها ستكونين واقعةً في فخّه، ولن يمر وقتٌ طويل حتى يبدأ بتأنيبكِ بأنك «لا تختلفين عن البقية»، فمنظومة تصوره للعالم لا تقرّ بإمكانية أن تكون امرأة جيدة وهي في علاقةٍ معه.

وبعضُ الرجال لديهم منهجيةٌ معاكسة، ألا وهي تعظيم وتبجيل شريكاتهم السابقات حتى تشعرين أنك من المستحيل أن تصلي لمستواهن، فلو بدأ بالنوح على أنك لستِ سكسيةً أو رياضية أو مُذعنة أو ناجحة كالنساء اللاتي سبقنك، أودُّ أن أطمئنكِ أن مستواك في نظره لن يتحسن لاحقًا مهما حاولتِ، فهو يريد أن يمسك شيئًا عليك حتى تكون له اليد العليا.

تنبّهي لما إذا كان يقبل بتحمل مسؤولية أيٍّ من الأذى الحاصل في علاقاته السابقة، ولو كان كل شيءٍ دائمًا خطأ النساء، فسريعًا ما ستصبحين الملامة على كل المصاعب في هذه العلاقة الجديدة.

إنه يسيءُ احترامكِ أنتِ.

عدمُ الاحترام هي التربة التي ينمو عليها التعنيف، فإنْ أهانكِ رجلٌ أو سخر من آرائك، إن كان وقحًا معكِ أمام الآخرين، وإن كان يستخدم الكلام الجارح أو الساخر، فرسالته هي أنه لا يحترمك، ولو تكررت مشكلة هذه السلوكيات، أو لو دافع عنها عندما تشتكين من أثرها عليكِ، فهو يحضّر للتحكم والتعنيف، ويمكن لعدم الاحترام أن يتّخذ شكل تبجيلكِ ومديحكِ بأنكِ امرأةٌ كاملة أو آلهة، ولربما يعاملكِ كدرّةٍ فاخرة، فالرجلُ الذي يقدسك بهذه الطريقة ليس يراكِ أنتِ، بل يرى أحلامه، وعندما لا تماثِلين ذلك الحلم، فقد يصبح قذرًا تجاهك، وبالتالي قد لا يوجد فرقٌ بين الرجل الذي يحتقرك والرجل الذي يبجلك، فما يظهر على كلاهما هو الفشل في احترامكِ كإنسانٍ حقيقي، ما لا يبشر بالخير.

يقدم لك معروفًا لا تريديه أو يغرقكِ بكرمٍ ظاهري لدرجةٍ غير مريحة.

يمكن لهذه أن تكون دلالاتٍ على أن هذا الرجل يحاول خلق إحساسٍ بالمديونية، فعميلي آلان مثلًا في أول سنتين مع توري قضى وقتًا كبيرًا مساعدة أخيها في إصلاح سيارته، ومساعدة أختها في صبغ شقتها، وإيصال أبيها إلى مواعيد المستشفى، وحينما بدأت أسرة توري بالاستياء من معاملة آلان لها، تمكن آلان من إقناعها بأن أقرباءها استغلّوه والآن انقلبوا عليه وجحدوا فضله، فقال لها: «الآن بعد أن انتهوا من مساعدتي، يريدونني أن أخرج من الصورة حتى يستحوذوا عليكِ»، فنجح في إشعارها بالأسى عليه، وبالتالي أحدث شرخًا بينها وبين أسرتها استمر لسنواتٍ حتى أدركت حقًا تلاعب آلان.

ورجلٌ آخر اسمه روبرت مزج الإشارتين الأوليتين: أخبر لانا أن طليقته اتهمته زورًا بالعنف الجسدي لتمنعه من زيارة أولاده، وقال لها: «لو طلبت امرأة من المحكمة الأسرية أنها توضع زيارات الأب أن تكون تحت الإشراف، فالمحكمة تمنحها ذلك تلقائيًّا»، ومن الطبيعي أن لانا أشفقت عليه، لكن شيئين حصلا قد أزعجاها، أولهما اتصال روبرت بها بعد عاصفة ثلجية وعرضه عليها تنظيف معبر السيارات من الثلج، ورغم  قولها له «أوه، رجاءً لا تفعل ذلك»، لأنها لم تكن متأكدة من رغبتها بالعلاقة ولم ترد أن توحي له بعكس ذلك، فعندما نزلت من القطار عائدةً من عملها عصر اليوم نفسه، وجدت معبر السيارات خاليًا من الثلج، وثانيهما كان صدفة، فإحدى صديقات لانا كانت في خضم إجراءات طلاق من رجلٍ معنِّف، واكتشفت منها أن المحكمة الأسرية تستلزم أدلة شاملة للعنف حتى تنظر في فرض الإشراف على زيارت الأب، ما أشعرها بالفضول تجاه جانب طليقة روبرت من القصة.

إنه متحكِّم.

قد يكون من المثير بادئًا أن تكوني في علاقةٍ مع رجل يمسك زمام الأمور، وأدناه قصّةٌ اعتيادية من شريكةِ أحد عملائي:

مواعيدنا الغرامية الأولى كانت مثيرةً وممتعة. أتذكره قادمًا إلى منزلي بخطةٍ كاملة لليلة، فيقول: «سنذهب إلى باركر هاوس لنحتسي قليلًا من الشراب، ومن ثم سنذهب إلى مطعمٍ صيني، وبعدها إلى هذا النادي الكوميدي»، ويجب أن تسير الأمور وفق الخطة. وبادئًا، أحببت طريقته في تصميم كل ما يود القيام به معي، ولكني لاحظت لاحقًا أنه لا يضع حسابًا لما أودّ أنا فعله أبدًا، ففعالياتنا كانت مقتصرة على اهتماماته، مثل مباريات الهوكي، وإن كنت أنا أستمتع بالهوكي فهي ليست من أكبر اهتماماتي، وبعد بضعة أشهر، بدأ ينزعج عندما لا يسمح لي مزاجي لفعل ما يريد هو فعله.

يبدأ التحكم عادةً بطرقٍ خفيفة، أبعدُ ما تكون من أي شيءٍ يمكن أن تسميه تعنيفًا، فيومًا يرمي عليكِ تعليقًا عن ملبسك أو مظهرك (سكسي أكثر من اللازم، ليس سكسي بما فيه الكفاية)، ويلمّح بتعليقاتٍ سلبية عن أسرتك أو أحد أصدقائك المقرِّبات/ين، ويبدأ بالضغط عليكِ لقضاء وقتٍ أكثر معه أو لكي تستقيلي من وظيفتك أو تبحثي عن وظيفة راتبها أعلى، ويبدأ بتقديم نصائح كثيرة لم تطلبيها حول كيفية إدارة شؤون حياتك، وتلمحين قلة صبره إن لم تقبلي توصياته، ويبدأ بالتصرف وكأنه منزعجٌ لأنك لا تشاركينه كل آرائه حول السياسة، العلاقات الشخصية، والموسيقى، وغيرها من الأذواق.

لديهُ حسُّ امتلاك.

سلوكياتُ الغيرة هي إحدى العلامات التي تضمن اتجاه طريق العلاقة إلى التعنيف في هذا الطريق، وحسُ الامتلاك يتقنَّع بقناع الحب، فقد يقول الرجل: «أنا آسف، لم أتقصد أن يثور غضبي لحديثك مع حبيبك السابق، فأنا لم أقع بحبِّ امرأةٍ كما وقعت بحبكِ من قبل، ولا يمكنني تحمل فكرة كونكِ مع رجلٍ آخر»، وقد يتصل بكِ خمس مراتٍ في اليوم محاولًا تتبع ما تفعلينه طوال الوقت، أو يصر على قضائك كل عشيّةٍ معه، ومشاعره حقًا قوية على الأرجح، لكن ذلك ليس سبب إصراره على القُرب المستمر؛ فأساس مراقبته هذه هي تأكيد خضوعك لسيادته، واعتمادًا على نوع أصحابه، فمن الممكن أن فيه ذلك محاولة لإبهارهم بمدى خضوعكِ له، وكل هذه السلوكيات سلوكياتُ تملُّك وليست سلوكيات حب.

الشعور بالغيرة يختلفُ عن التصرّف بالغيرة، فمن الطبيعي أن يشعر بعض الرجال بمخاوف داخلية وقلقٍ من ارتباطاتكِ برجالٍ آخرين، وخصوصًا شريكٍ سابق، وقد يرغبون ببعض الضمانات، ولكن عندما يتبين أنه يتوقع منك التخلي عن حريتك لاحتواء غيرته، فالتحكم يزحف على علاقتكما، فلا يجب أن تتغير حياتك الاجتماعية بسبب مخاوفه الداخلية.

قد تشعرين بالإطراء أولًا من غيرة هذا الرجل، وتشعرين بالعظمة لِحُبِّه الولهان، ورغبته الجامحة، لكن جنون الرجل في غرامك لا يستلزم هذه الغيرة، فحس الامتلاك يبيّن أنه لا يحبك كإنسانٍ مستقل بل ككنزٍ محروس، وبعد فترة، ستشعرين بالاختناق من حراسته المستمرة.

لا شيء أبدًا خطأه.

إنه يلقي اللوم على شخصٍ أو شيءٍ آخر كلما حصل خطب ما، ومع مرور الوقت تصبحين أنتِ هدف رمي اللوم المستمر، وهذا أصحاب هذا الأسلوب يميلون أيضًا لنكث الوعود، وتقديم سيل من الأعذا بعد النكث، لتخييبهم آمالك أو تصرفهم بعدم مسؤولية، ولربما يستغلونك اقتصاديًّا في تلك الأثناء.

إنه متمحور حول نفسه.

في الأشهر القليلة الأولى من العلاقة، قد لا يظهر تمركز المعنِّف حول ذاته بوضوح، لكن لهذا التمحور حول النفس عوارض يمكنكِ التنبه إليها، فلك أن تلاحظي ما إذا كان يأخذ أكبر من حصته من الحديث بكثير، أو لا يستمع إليكِ جيدًا عندما تتحدثين، أو يغير الموضوع دائمًا لكي يدور حوله، فالتمحور حول النفس هي سمة شخصية عسيرةُ التغيير، لما لها جذورٌ عميقةُ إما في شعورٍ عالٍ بالاستحقاق (لدى المعنِّفين) أو جروح عاطفية عميقة في سن الطفولة (لدى غير المعنِّفين)، أو الاثنين معًا (لدى المعنِّفين النرجسيين).

يسيء استخدام الكحول أو المخدرات.

كوني شديدة الحذر لو حاول الضغط عليكِ للمشاركة في استهلاك الكحول أو المخدرات، رغم أن هاذين الاثنين لا يسببان التعنيف، فهما كثيرًا ما يصاحبانه، وقد يربطك بالاعتقاد بأنك يمكن أن تجعليه يترك إدمانه، فمن يسيئون استخدام الكحول أو المخدرات دائمًا «على وشك» تركها.

يضغط عليك لممارسة الجنس.

علامة الخطر هذه دائمًا مهمة، لكن أهميتها تزداد مع المراهقين والشباب صغار السن، فعدم احترام رغباتك الجنسية أو شعورك تجاهه يدل على استغلالية، ما يتماشى مع التعنيف، وهو إشارة أيضًا على رؤية النساء كأشياءَ جنسية، لا بشرًا، ولو قال لك إنك يجب أن تمارسي الجنس معه لتثبتي أنك حقًا تحبينه وتهتمين به، فسلِّميه أوراق الصرف من الخدمة.

يجعل العلاقة جدّية أسرع بكثير مما ترغبين.

لأن كثيرًا من الرجال لديهم فوبيا من الالتزام، يمكن أن تشعر المرأة بالارتياح عندما تجد شريكًا لا يخاف من الحديث عن احتمالية الزواج وبناء أسرة، لكن حاذري من رجلٍ يقفز بسرعة إلى التخطيط لمستقبلكما معًا دون التريث لمعرفتكِ أو التقرّب إليك، لأن ذلك قد يعني أنه يرغب بتعليبكِ بإحكام في علبةٍ يملكها، فخذي خطواتٍ لإبطاء العملية، وإنْ لم يحترم رغباتكِ في هذا الصدد، يرجّح وجود مشاكلٍ على الطريق.

يخيفُكِ عندما يغضب.

التخويف، حتى عندما يبدو غير متعمد، هو إشارةٌ على وجودِ تعنيفٍ عاطفي في الطريق – أو لربما قد بدأ فعلًا – وهو علامةُ تحذيرٍ على أن العنف الجسدي قد يأتي في آخر المطاف، فعليك التيقّظ لأي من السلوكيات التالية:

  • يحتلُّ مساحتك الشخصية عندما يغضب، ويضعُ إصبعه على وجهك تهديدًا، أو يوكزُكِ، أو يدفعك، أو يقف في طريقك، أو يحكم قبضته عليك.
  • يقول لك: «أنا أحاول أن أجعلك تنصتين لي لا أكثر».
  • يرفع قبضته تهديدًا، أو يقترب ليبين حجمه مقارنةً بحجمك، أو يعلي صوته لإسكاتك، أو يتصرف بأي طريقةٍ تجعلكِ تفزعين أو تشعرين بالخوف.
  • يلقي بتعليقاتٍ تهديدية مبهمة، مثل: «صدقيني، أنت لا تريدين أن تريني وأنا غاضب»، أو «من تظنين أنك تلعبين معه؟»
  • يقود بتهورٍ أو يزيد من سرعته عندما يغضب.
  • يلكم الجدار أو يركل الأبواب.
  • يرمي الأغراض، حتى لو لم يستهدفك.

كلما ازداد ارتباطُكِ برجلٍ مخيف، صَعُب الخروج من العلاقة، ولسوء الحظ تعتقد الكثير من النساء بالعكس، يفكِّرن: نعم، لربما يخيفني بعض الشيء أحيانًا، لكني سأنتظر لأرى إن ازداد الوضع سوءًا، وسأتركه إن حصل ذلك. ولكن تركَ شخصٍ مُرعبٍ والابتعاد عنه أكثر تعقيدًا بكثير مما يعتقد أغلب الناس، ويزداد الوضع صعوبةً مع كل يوم، فلا تنتظري لتري ما سيحصل.

لديه ازدواجية في المعايير.

كوني حذرة من رجلٍ لديه قواعد مختلفة لسلوكياته وسلوكياتك، فازدواجية المعايير جانبٌ مهم للحياة مع المعنِّف، كما سنرى في الفصل 6.

ينظر للنساء نظرةً سلبية.

قد يدعي رجلٌ في بداية العلاقة أنه ينظر لكِ بشكلٍ مختلف عن نظرته لبقية النساء، لكن هذا التمييز لن يستمر طويلًا، فإن كنت امرأة، لماذا تدخلين في علاقةٍ مع شخصٍ يرى النساء ككائناتٍ دونية، أو حمقاء، أو متحايلة، أو لا نفع لهن إلا الجنس؟ فهو لن ينسى أنك أنتِ أيضًا امرأة.

تساهم في أخطار التعنيف الاعتقاداتُ النمطية حول الدور الجندري للنساء، فاعتقاده أن النساء يجب أن يعتنين بالمنزل أو أن حياة الرجل المهنية أهم من حياة المرأة المهنية يمكن أن يصبح مشكلة خطيرة، لأنه قد يعاقبك إن رفضتِ العيش في صندوقه، والنساء تعانين أحيانًا في إيجاد رجلٍ لا يحمل هذه المعتقدات التقييدية لدور النساء، خصوصًا في بعض الجماعات الثقافية أو القومية، لكن الجهد المبذول لإيجاد رجلٍ كهذا جهدٌ مهم.

يعامِلكِ بشكلٍ مختلف أمام الآخرين.

يميل المعنِّفون البالغون إلى الاستعراض في معاملة شريكتهم كالذَّهب أمام أي شخص آخر، وترك أغلب تعنيفهم لأوقات الخلوة، ولكن لدى المعنِّفين المراهقين، فالعكس عادةً هو الصحيح، فقد يكون وقحًا أو باردًا تجاهها أمام الآخرين ليبهر أصدقاءَه بمقدار «سيطرته» و«بروده»، لكنه قد يكون ألطف وقت الخلوة.

يبدو أنه ينجذب إلى الضعف.

تظهر إشارة الخطر أحيانًا على هيئة الرجل المنجذب للمرأة (أو الفتاة) الأصغر منه بكثير، فلماذا، مثلًا، يسعى رجلٌ عمره اثنان وعشرون عامًا للدخول في علاقة مع فتاةٍ يافعة عمرها ستة عشر؟ هل لأنها تنشّطه فكريًا وتتحداه؟ بالطبع لا، فهما في مراحل نموٍّ حياتية مختلفةٍ تمامًا، ومستويا المعرفة والخبرة يفتقران تمامًا للتوازن، فالواقع هو انجذابه إلى السلطة، ويبحث عن شريكةٍ تنظر إليه في رهبةٍ وتسمح له باقتيادها، وهو بالطبع،يقول لها العكس دائمًا، فتراه يصرّ على أنه يتقرّب لها لأنها أعقلُ وأذكى من عمرها، بل ولربما يمتدح براعتها الجنسية ويتحدث عن مقدار سطوتها هي عليه، خادعًا الضحية الصغيرة حتى لا تدرك ما هي فيه، ولكن حتى دون فارق العمر الزمني بعضُ الرجال المعنِّفين منجذبون للنساء منخفضات الخبرة الحياتية أو المعرفة أو الثقة بالنفس، واللاتي يتطلعن للرجل كمعلّمٍ أو مرشد.

طوال سنوات عملي، قابلتُ عددًا لا بأس به من العملاء المنجذبين للنساء الضعيفات بسبب تجارب حديثة صادِمة نفسانيًا في حياتهن، ومنهم من دخلوا في علاقاتٍ بعد مساعدةِ امرأة على الانفصال عن شريكها المعنِّف، وبعد ذلك يبدؤون بالتحكم بها أو تعنيفها هم أنفسهم، فقد يبحث بعض الرجال المعنفين عن امرأة طفولتها يشوبها التعنيف أو الإساءة، أو لديها مشاكل صحية، أو فقدت شخصًا عزيزًا عليها أو تعاني من ظرفٍ مشابه، ويقدمون أنفسهم كالمنقذين،. كوني حذرةً من الرجل الذي يبدو منجذبًا لاختلال موازين القوى.

في الوقت نفسه، لاحظتُ أنّ عددًا من الرجال المعنِّفين ليسوا منجذبين تمامًا للضعف والحاجة لدى النساء، بل تجاه النساء القويات أو الناجحات، وهذا الشكلُ من المعنِّفين يشعر أنه حقق إنجازًا بتمكنه من «ترويض» امرأة واثقة ناجحة والتسيد عليها.

العلامات التحذيرية للتعنيف:

  • إنه يحتقر شريكاته السابقات.
  • إنه يسيءُ احترامكِ أنتِ
  • يقدم لك معروفًا لا تريديه أو يغرقكِ بكرمٍ ظاهري لدرجةٍ غير مريحة.
  • إنه متحكِّم.
  • لديهُ حسُّ امتلاك.
  • لا شيء أبدًا خطأه.
  • إنه متمحور حول نفسه.
  • يسيء استخدام الكحول أو المخدرات.
  • يضغط عليك لممارسة الجنس.
  • يجعل العلاقة جدّية أسرع بكثير مما ترغبين.
  • يخيفُكِ عندما يغضب.
  • لديه ازدواجية في المعايير.
  • ينظر للنساء نظرةً سيئة.
  • يعامِلكِ بشكلٍ مختلف أمام الآخرين.
  • يبدو أنه ينجذب إلى الضعف.

ما عدا التخويف الجسدي، ليس من علامات الخطر أعلاه ما علامةٌ أكيدة على الرجال المعنِّفين، فالعديد من الرجال غير المعنِّفين قد يبين عليهم هذه السلوكيات إلى حدٍّ ما، فكيف، إذن، لامرأة أن تحمي نفسها من تحول العلاقة إلى التعنيف؟

رغم عدم وجود أي حلٍّ سهل، فالخطة الأفضل هي:

أوضحي له أسرع ما يمكن أي سلوكياتٍ أو منظورات لا تقبيلها، ولن تستمري في علاقةٍ معه إن استمرت.

لو تكررت، امتنعي عن مقابلته لفترة معتبرة، ولا تستمري في الخروج معه بتحذيره: «أنا أعنيها هذه المرة»، لأنه سيفسر ذلك على الأرجح بأنك لا تعنيها.

لو حدثت مرةً ثالثة، أو انتقل إلى سلوكياتٍ أخرى كهذه، فاحتمالُ كونه رجلًا معنفًا احتمالٌ كبير، ولو منحته فرصًا أكثر من اللازم، فمن الأرجح أنك ستندمين لاحقًا. وللحصول على مقترحاتٍ إضافية، أنظري «ترك المعنِّف كطريقةٍ للتشجيع على التغيير» في الفصل 14.

أخيرًا، كوني حذرةً من أن المعنِّف حينما يبدأ بالانزلاق إلى تعنيفه، سترينه يعتقد أنّك أنتِ من تتغيرين، فتصوراته تعمل بهذا الشكل لأنه يشعر أن تصرفاته مبررة ويعجز عن التصور أن المشكلة واقعةٌ فيه، فكل ما يلاحظه هو أنك لا ترتقين لصورة المرأة الكاملة المعطاءة المُبجِّلَة له.

متى يشكل السلوكُ تعنيفًا؟

لأن التعنيف يمكن أن يتسلل خلسةً على النساء، ابتداءً بالتحكم أو إساءة الاحترام المبطنة التي تتزايد حدتها مع الوقت، تبرز أسئلةٌ ملحة: كيف لي أن أعلم إنْ كانت أفعال شريكي تشكل تعنيفًا؟ هل من خطٍّ فاصلٍ يمكنني التركيز عليه، حتى أعلم أنه تجاوزه؟ متى يكون الوضع قد تجاوز حده؟ بحكم أن لا أحد يتصف بالكمال، كيف أعرف الفرق بين يومٍ سيء أو تصرفٍ وقح، ونسقٍ يشكل شيئًا أخطر؟

حقيقةً، الكل يمر أو تمر بلحظاتٍ ترفع فيها صوتهـ/ـا في العلاقة، وأغلبُ الناس، ذكورًا وإناثًا، يرمون كلمةً جارحة على شركائهمن ما بين فترةٍ والأخرى، يقاطعونهمن، أو يتصرفون بأنانية أو بجلافة، وهذه السلوكيات مؤذية وتستحق النقد، لكنها ليست كلها تعنيفًا، وليست لها نفس الآثار النفسانية التي يسببها التعنيف، وفي الوقت نفسه، كل هذه السلوكياتُ هي حقًا تعنيفية حينما تدخل ضمن نسق تعنيف، فأن يصرخَ عليك شريكٌ يحترمك سيشعرك شعورًا سيئًا، لكنه لا يخلق الجو القبيح البارد الذي تخلقه صرخة المعنِّف.

كلمة التعنيف مضمونها هو السلطة، فهي تعني أن شخصًا ما ينتهز انعدام توازن القوى ليستغل شخصًا آخرَ أو يتحكم به، وحيثما لا يوجد توازن للقوى، مثلًا ما بين الرجال والنساء، أو البالغين والأطفال، أو الأغنياء والفقراء، سينتهز بعض الناس هذه الظروف لأغراضهم الخاصة (فكما أناقش في الفصل 13، وجدت الأبحاث بانعدام تعنيف الشركاء في المجتمعات حيث تتساوى قوة الذكور والإناث)، وبالتالي، فتعريفُ نقطة التعنيف هي: حينما يبدأ الرجل بممارسة القوة للتسيد على المرأة بطريقةٍ تسبب الأذى لها أو تخلق مكانةَ امتيازٍ له.

السؤال 9: هل طريقةُ معاملته لي تشكّل تعنيفًا؟

الخط الفاصل بين ضروب سوء المعاملة المبطنة من جهة والتعنيف من جهة أخرى يتضمن الأفعال التالية:

  • ينتقم منك لشكواك من سلوكياته.

فلنقل إن شريككِ ناداكِ بالكلبة يومًا ما، فأغضبكِ، وأخبرته أنك تكرهين هذه الكلمة كرهًا شديدًا ولا تريدين أن تسمعيها مرةً أخرى، فيكون رده على شكواك هو تعمد مناداتكِ بالكلبة مرارًا وتكرارًا، بل ولربما ترين تلك النظرة في عينيه لعلمه أنها تستفزك، وبالمثل، يمكن أن تقولي لشريككِ وسط جدال: «لا تصرخ في وجهي، أكرهُ أن يُصرَخ في وجهي»، فيرفع صوته أكثر ويلقي اللوم عليك. هذه إشاراتٌ للتعنيف.

أحد طرق انتقامه منك لمقاومتكِ تحكمه هو اتخاذ دور الضحية. فلنفترض أنك اشتكيتِ من أنه يُسْكِتُكِ بمقاطعاته المتكررة أثناء جدالاتكما، فيتخذ صوته وقتها نبرةً غاضبة عدوانية وكأنما اعتراضُكِ مجحفٍ بحقه هو، ويقول لك ساخرًا: «حسنًا، أنا سأستمع وأنتِ تحدثي»، ويتصرف وكأنما أنتِ تضطهدينه بشكواكِ من سلوكياته، وليس هذا إلا سعيًا لإشعارك بالذنب لمقاومة تحكمه، وهذه بدايةُ التعنيف.

بعض الرجال يستهزئون بالمرأة حينما تتشكى من سوء المعاملة، ساخرين منها بالضحك والتقليد، وهذه السلوكيات تلغي أي مجالٍ للشك فيما إذا كان معنِّفًا أم لا.

الانتقام قد لا يظهر كما يظهر على هاذين المثالين من وضوح وفورية، لكن باستطاعتكِ ملاحظة ما إذا كان سلوكُ شريكك هدفه معاقبتكِ لمقاومتكِ إياه حتى لو لم أتى ذلك بعد حين، فهو يعتقد أن لا حق لديك في مخالفته، ويحاول إيذائك حتى لا تكرري ذلك.

  • يقول لكِ إن اعتراضاتكِ على سوء معاملته مشكلتكِ أنت لا هو.

حينما تحاول امرأة رسم الحدود على السلوك المتحكم أو الجلف، يحاول المعنِّف تشكيكَها بتصورها، وبالتالي يقول أشياء مثل:

«أنتِ حساسة أكثر من اللازم؛ تزعجك كل صغيرة. لا تكبري الموضوع».

«هل تتوقعين مني أن أكون ألطف من اللطف عندما أغضب؟»

«لا تتحدثي إليّ وكأنني معنِّف لمجرد حبيبكِ السابق [أو أبويكِ] عنَّفك. أنت تعتقدين أن الكل يعنِّفك».

«أنت غاضبة لأن الأمور لا تمشي حسب رغبتك، وتقولين أنّي أسيء معاملتك».

بتعليقاتٍ كهذه، يمكن للمعنِّف أن يقنعكِ بأنَّك (1) توقعاتك من سلوكياته غير معقولة، وعليكِ التعايش مع ما يفعل، و(2) ردّ فعلك تجاه سلوكه واقعًا سببه أمرٌ ما مرّيتِ به، لا ما فعله هو، و(3) أنك تستخدمين مظالمكِ كقوّةٍ ضده هو، وكل هذه التكتيكات هدفها التشكيك باحتجاجكِ على سوء المعاملة، وهو شكلٌ من أشكال التعنيف، فالمناورات التشكيكية هذه تكشف لك قلب منظوره الذي لا يصرح به أبدًا وقد لا يكون واعيًا به حتى: «لا حق لديك في الاعتراض على سلوكي معك»، ولا يمكنكِ أن تكوني في علاقة صحية ومنصفة إن لم تتمكني من التعبير عن مظالمك.

  • يقدم اعتذاراتٍ تبدو غير صادقة أو غاضبة، ويطالبُكِ بقبولها.

المحادثة التالية تبين كيفية سير هذه الدينامية:

كلَير: ما زلت أشعر أنك لا تفهم لماذا أنا مستاءة مما فعلت، فأنت لم تعتذر حتى.

داني (بصوتٍ غاضب ومرتفع): حسنًا، حسنًا! أنا آسف، أنا آسف!!!

كلَير (وهي تهز رأسها): لماذا لا تفهمين؟

داني: ماذا تريدين مني بحق الجحيم؟؟ ها قد اعتذرتِ منك! ماذا؟ ألن ترتاحي حتى أخضعَ لك؟؟

كلَير: اعتذارك لا يعني لي شيئًا إن كان واضحًا أنك لست آسفًا.

داني: ماذا تعنين بالقول أنّي لستُ آسفًا؟؟ أيتها الأستاذة المحلِّلة النفسانية الكبيرة، أتريدين أن تخبريني ماذا أشعر؟ هل تعرفين ما في رأسي؟

هذا الأخذ والرد لا يعمل إلا على إشعار كلَير باستياءٍ أكثر، بالطبع، فداني يفاقم سلوكه الذي ساءها بدائًا برميها بالجنون، فهو يَشعر أن كلَير يجب أن تكونَ ممتنة له لاعتذاره، رغم أن نبرته تبين عكس كلامه؛ فهو يشعر باستحقاقٍ للمسامحة، بل ويطالب بها (وهو يعتقد أيضًا بأنه مخوّل لفرضِ تصوّره للواقع عليها، وقبولها به مهما تخالف مع كل ما تراه وتسمعه منه، وبهذا المعنى: يبدو أنه يرى في عقلها ما له الحق في التحكم به).

  • يلومكِ على عواقب سلوكه.

يقول مستشارو المعنِّفين عن العميل المعنِّف: «عندما يجلس صباحًا ويرى وجهه متسخًا في المرآة، يقوم بغسل المرآة». وبعبارة أخرى، يستاء ويرمي شريكته بالتهم حينما تظهر عليها الآثار المتوقعة لسوء المعاملة المزمن، ومن ثم يزيد الطين بلة بالسخرية منها لشعورها بالأذى من أذيته، بل ويستخدم جروحها العاطفية كذريعةٍ ليزيد من سوء المعاملة، ولو أخسرتها هجماته اللفظية الرغبة في ممارسة الجنس معه، مثلًا، يزمجرُ متهمًا: «لا بد أنكِ تمارسين الجنس مع شخصٍ آخر». ولو انخفضت ثقتها به بسبب سوء معاملته تجاهها، يقول لها إن قلة ثقتها به هي ما يسبب رؤيتها له كمُعنِّف، عاكسًا السبب والمُسبِّب بطريقةٍ تضيّع شريكته، ولو جلست من النوم يومًا وهي مكتئبة أو باكية بسبب تلفُّظه عليها الليلة السابقة، يقول: «ما دمتِ ستستيقظين بهذا الوجه النكدي المزعج اليوم، لِمَ لا تعودين إلى السرير حتى لا أرى نكدك هذا؟».

إنْ كان شريكك ينتقدك أو يهينك بسبب تأثركِ السلبي من سوء معاملته، فهذا تعنيف، وبالمثل، يشكل السلوك تعنيفًا عندما يستخدم آثار قسوته كعذر، مثل عميلٍ تعاملت معه، بعد أن نفَّر شريكته بهجماته اللفظية، قال لها أن نفورها العاطفي هو ما يسبب ما يمارسه من تعنيف، عاكسًا بذلك السبب والمُسبِّب، فهو يزيد على قسوته قسوةً، وهو واعٍ لذلك، وهنا عليك المسارعة في محاولة الحصول على المساعدة، فهذا النوع من الهجوم النفسي يمكن أن يؤدي لانهيار حالتك العاطفية بسرعة.

  • لا يوجد وقتٌ مناسب ولا طريقةٌ ملائمة للحديث عن مشاكلكما.

في أي علاقة، من المعقول التزام بعض الحساسية في تقرير متى تتطرقان للصعوبات في العلاقة وكيف، ولصياغة المظالم طرقٌ لتجنب التعبير عنها وكأنها هجومٍ شخصي، ويزيد من فُرص الطرف الآخر لك  مزْجُها بالتقدير، ولكنْ مع المعنِّف، لا طريقة ملائمة للحديث عن الشكوى، فبإمكانكِ الانتظار حتى العشية الأهدأ والأريح، وتجهّزين شريككِ بكمٍّ من المديح، وتعبّرين عن شكواكِ بِلغةٍ لطيفة، لكنه مع ذلك لن يكون مستعدًا لتقبله.

اتخاذُ وضعية الدفاع أو العدوانية الابتدائية تجاه الشكوى أمرٌ شائع حتى في وسط غير المعنِّفين، وعليك أحيانًا الخروج من الجدال والعودة إليه بعد بضع ساعات، أو اليوم التالي، وعندها ستجدين شريكَكِ مستعدًا لاستقبال ما يزعجك، لكن مع المعنِّفين، فمرور الوقتِ لا يساعد في شيء، فهو لا يقضي الفترة الفاصلة محاولًا استيعاب كلامك أو يخوض في فكره في مواجهةِ ما فعله، مثلما قد يفعل الشخص غير المعنِّف، بل الواقع أنّ ما يقوم به هو العكس: يعمل على بناء حجّته داخليًا ضد شكواك كما لو أنه محامٍ في محكمة.

  • يعيقُ تقدّمكِ في الحياة.

التدخل في حرّياتكِ أو استقلالك شكلٌ من أشكال التعنيف، فإن تسبب بخسارتك وظيفتك أو تركك برنامجًا دراسيا، أو حاول ثنيك عن السعي وراء أحلامك، أو آذى علاقاتكِ مع الأصدقاء أو الأقرباء، أو استغلك ماليًا وأضر بتقدمك الاقتصادي أو أمانكِ المالي، أو أخبركِ أنك غير مؤهلة في شيءٍ تستمتعين به، مثل الكتابة، أو الفن، أو ريادة الأعمال، بغرضِ حدِّك على الاستسلام، فهو يحاول إعاقة استقلالك.

  • ينكر ما فعله.

بعضُ السلوكيات في العلاقات قد تكون محل التحكيم الشخصي، فما قد تسمّيه رفعَ صوت قد أسميه صراخًا، وبين العقلاء مجالٌ للاختلاف، لكن بعض التصرفات الأخرى، مثل رمي الآخر بلفظٍ معين أو ضرب اليد على الطاولة، فلا مجال للاختلاف فيها، فهي إما حصلت أو لم تحصل، وبالتالي، قد تتجادلي وشريكك غير معنِّف حول تفسيركِ لتصرّفٍ معين، أما المعنِّف فينكر ما حدث جملةً وتفصيلًا.

  • يبرر تصرفاته المؤذية أو المخيفة أو يقول لك أنّك «دفعته لفعلها».

حينما تقولين لشريكِك أن صراخه يخيفك مثلًا، ويرد بأن له الحق الكامل في الصراخ «لأنك لا تستمعين إليّ»، فذلك تعنيف، فالمعنِّف يستخدم سلوكَكِ كتبريرٍ لسلوكه، وبالتالي يرفض الالتزام غير المشروط بالتوقف عن السلوك المهين أو المخيف، ويُصرّ بدلًا من ذلك على فرض أسلوب واحدةٍ بواحدة، حيث يقول إنه لن يتوقف عن شكلٍ من أشكال التعنيف إلا إن وافقت عن التخلي عن شيءٍ ما يزعجه هو، وكثيرًا ما سيكون شيئًا لك الحق الكامل في القيام به.

  • يمدّ يده عليك عندما يغضب، أو يشعركِ بالخوف بطرق أخرى.

العدوانية الجسدية من الرجل تجاه شريكته تشكّل تعنيفًا، حتى وإن حدثت مرةً واحدة، فلو رفع يده تهديدًا، أو لكم الجدار، أو رمى أشياءً تجاهك، أو اعترض طريقك، أو قبض بيده عليك، أو دفعك، أو حتى نقَرَك، أو هدد بإيذائك، فذلك تعنيفٌ جسدي، فباستخدام هذه السلوكيات يخلق جوًّا من الخوف ويستخدم حاجتكِ للحرية والأمان الجسدي كطريقةٍ للتحكم بك، ولذلك حالما تحدث أيٌّ من هذه الأشياء اتصلِ بأحد الخطوط الساخنة الملائمة.

في بعض الأحين، يمكن لشريكِك أن يخيفكِ دونَ قصدٍ لأنه غير مدرك لأثر أفعاله عليك، فمثلًا، قد يكون آتيًا من أسرة أو ثقافة حيث الناس يرفعون صوتهم أو يحركون يديهم كثيرًا أثناء الجدال، في حين خلفيتك من ثقافةٍ مهذبة وهادئة، والرجل غير المعنِّف في هذه الحالات سيكون قلقًا جدًا حينما تخبرينه بأنه يخيفك وسيرغب باتخاذ خطواتٍ لعدم تكرار ذلك مرةً أخرى – دون شروط.

التعنيفُ الجسدي خطير، فمتى ما بدأ في علاقة، يمكن أن يتفاقم مع الوقت ليصل إلى اعتداءاتٍ جسدية أشد، مثل الصفع، واللكم، أو الخنق، وحتى لو لم يتفاقم، فحتى ما يوصف بالتعنيف الجسدي «منخفض المستوى» يمكن أن يخيفك ويعطي شريكَكِ قوةً عليكِ، فأي ضربٍ من ضروب التخويف الجسدي يسبب استياءً شديدًا للأطفال ولمن تتعرضن أو يتعرضون له، ويجب ألَّا يُستخفَّ بجدية أي اعتداءٍ في العلاقة، مهما كانت «خفيفة».

أُسْألُ أحيانًا حول ما إذا كانت العدوانية الجسدية من النساء تجاه الرجال، مثل الصفعة على الوجه، تشكل تعنيفًا. الجواب هو: «يعتمد». فعادةً ما يرى الرجال في صفعات أو دفعات النساء كأشياءَ مزعجة ومُغضِبة، لكن غير مخيفة، والآثارُ العاطفية طويلة المدى أقل أذىً، ومن النادر أن تجد رجلًا خسر حريته أو ثقته بالنفس تدريجيًا بسبب عدوانية امرأة، ومع اعتراضي على أي شكلٍ من أشكال العدوانية الجسدية في العلاقات، ما عدى ما هو ضروري حقًا للدفاع عن النفس، فأنا أقتصر في استخدام كلمة تعنيف على حالات التحكم أو التخويف.

لكن، يمكن لامرأة أن تخيف امرأةً أخرى، ويمكن لرجلٍ أن يخافَ من شريكِه الذكر، فأغلبُ ما وصفته حول التفكير والتكتيكات للمعنِّفين الغيرانيين يمكن أن ينطبق على الرجال المثليين والنساء المثليّات، وسوف نسهب أكثر في هذا الموضوع في الفصل 6.

  • يُكرِهُك على ممارسة الجنس معه أو يعتدي عليكِ جنسيًا.

مرَّ عليّ عملاءٌ اغتَصَبوا أو أكرهوا شريكاتهم جنسيًا مرارًا طوال فترة العلاقة لكنهم لم يضربوهن ولا مرة، لكن الإكراه أو الاعتداء الجنسي في العلاقة يشكلان تعنيفًا، فالدراسات تشير إلى أن النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب من شركائهن الحميميين يعانين من آثارٍ أعمق وأطول ممن يتعرضن للاغتصاب من الغرباء أو الزملاء غير الحميميين، ولو تعرضت للاعتداء الجنسي أو للضغط الجنسي المزمن في علاقتك، اتصلِ على خط ساخن للتعنيف أو للاغتصاب، حتى لو لم تشعري أن مصطلح اغتصاب ينطبق على ما فعله شريكُك.

  • سلوكه المتحكم، المسيء، أو المهين يشكل نسقًا.

هذه النقطة أهميتها بأهمية النقاط السابقة لكنها تتطلبُ أكبر قدرٍ من التحكيم الشخصي والقدرة على الثقة بغرائزك. متى تحديدًا يصبح السلوك نسقًا؟ إن حدث ثلاث مراتٍ في السنة؟ إن حدث مرةً كل أسبوع؟ لا يوجد جوابٌ ينطبق على كل الأفعال أو كل الناس. ستحتاجين للوصول لاستنتاجاتكِ الخاصة حول ما إذا قد أصبحت سوء معاملةِ شريككِ لك متكررة.

  • تظهرُ عليكِ علاماتُ التعنيف.

كل المؤشرات الأخرى التي ناقشتها أعلاه تتضمن فحص أفعال وتفكير الرجل، لكن من المهم أيضًا أن تنظري إلى نفسك، وتسألي نفسك أسئلةً مثل:

هل أنتِ خائفةٌ منه؟

هل حصل تباعدٌ بينكِ وبين أصدقائك أو أسرتك لأنه يصعب تلك العلاقات؟

هل مستوى طاقتك أو محفزاتك منخفض؟ أو هل تشعرين بالاكتئاب؟

هل رضاك عن نفسك متدنٍّ، فدومًا ما تسعين إلى أن تصبحي جيدةً بما فيها الكفاية وتثبتي نفسكِ؟

هل تجدين نفسكِ منشغلةً دائمًا بالعلاقة وكيفية إصلاحها؟

هل تشعرين أنك مخفقةٌ في كل شيء؟

هل تشعرين أن المشاكل في علاقتكِ كلها خطأك؟

هل دائمًا تنتهي الجدالات بإحساسكِ أن تلاعبًا ما حصل ولست تعرفين سببه تحديدًا؟

هذه علاماتٌ أنك قد تكونين في علاقةٍ مع شريكٍ معنِّف.

قد تلاحظين أن العلامات المميزة للتعنيف أعلاه لا تذكر الغضب إلا بشكلٍ محدود، فمع أن الغضب المزمن يمكن أن يكون إحدى علامات الخطر بالتعنيف، فالأمران أحيانًا منفصلان تمامًا، فمن المعنِّفين من هو بارد ماكر يندر أن ينفجر غضبًا، مثلًا، ومن الرجال غير المعنِّفين من يشعر بالغضب أو يعبّر عنه كثيرًا، فقد تقررين أنك لا تريدين الاستمرار مع شريكٍ كثير الغضب – وقرارك هذا ليس من شأني – لكن ذلك بحد ذاته ليس تعنيفًا.

ماذا لو كان يشعر بالندم؟

في كل مرة أتحدث عن التعنيف، ترفع أيادٍ بالسؤالين التاليين: (1) عندما يتصرف معنِّفٌ وكأنما هو يشعر بالندم، فهل هو حقًا نادم؟ و (2) إن كان حقًا يشعر بالندم، هل يعني ذلك أنه على الأرجح لن يعاود التعنيف؟

السؤال 10: هل يشعر حقًا بالندم؟

الخبر الجيد هو أنَّ الندم عادةً حقيقي، والخبر السيء هو أنّه من النادر أن يغير ذلك فيه شيئًا. ولكي نفهم هذا التناقض، يجب أن نوجه أنظارنا أولًا صوب ما يجري داخل المعنِّف: يحمل المعنِّفون آراءً ومتعقداتٍ متناقضة تعمل بتزامنٍ في عقولهم، وبعض الأمثلة الاعتيادية على هذه التناقضات تشمل:

«النساءُ ضعيفات وبحاجة إلى الحماية، لكنهن بحاجة للإخافة ما بين فترةٍ والأخرى وإلا سيخرجن عن السيطرة».

«يجبَ أن يتساوى وزن رأيي ورأيك حول شؤوننا المشتركة، لكن قراراتي يجب أن تحكم فيما يتعلق بالأمور التي أجدها مهمة».

 «أشعر بالفظاعة مما فعلته لها، ولكن يجب ألّا أبدًا أن يخالجني شعور سيء في علاقة، مهما فعلت».

«يجب ألا أن أرفع صوتي، لكن يجب أن أتحكّم على شريكتي، وأحيانًا أضطر لرفع صوتي للتحكم بها».

«يجب ألا يضرب الرجل امرأةً أبدًا، لكن الرجل في بعض الأحيان لا يملك خيارًا آخر».

حينما يشعرُ رجلٌ بالأسى تجاه سلوكه التعنيفي، فندمه يرتطم بإحساسه بالاستحقاق، والحديث التناقضي في داخل رأسه يسير عادةً كالتالي:

كان جديرًا بي ألا أقول لها «تبًّا لك»، جب ألا أقول كلمةٍ كهذه، خصوصًا أمام الأطفال. لقد فقدتُ أعصابي. أود أن ترى فيني أسرتي شخصًا قويًا وقياديًا دائمًا، ولا أود أن يروني بهذا المظهر القبيح الذي ظهرت عليه في هذا الجدال، فذلك يضر بتقديري لنفسي، لكنها قالت إنّي أفتقد لحس المسؤولية! هل تعتقد أني سأتسامح مع قولها شيئًا كهذا؟ ليس مسموحًا لها أن تحدثني هكذا، فالأطفال سيعتقدون الآن أنني أنا الشرير، وهي سبب كل ما حصل. ولو مالوا للانحياز معها، سأُعْلمهم لمَ كنتُ غاضبًا، لكنها الآن جعلتني أبدو شريرًا حقًا. تبًا لها.

فلنتبع حبل أفكاره الداخلي. أولًا، إحساسه بالندم ليس متركزًا أساسًا على كيف جرحت هجمته اللفظية شريكَته، فهو يشعر بالندم غالبًا حول التالي: (1) أضرَّ بصورته في عيون الآخرين، و(2) أساءَ إلى تصورِه الشخصي لما يجب أن يكون عليه، و(3) يحس أنه يجب أن يتمكن من التحكم بشريكته دون اللجوء إلى التعنيف. ومن هذه الأفكار ينزلق إلى إلقاء اللوم على شريكته، وهو يعتقد أن من حقه ذلك، وبهذه الطريقة يخلص نفسه من الشعور بالذنب، ومع نهاية حديثه الداخلي، يحمِّلُ شريكته مسؤولية كل شيء، بما في ذلك آثار ما فعله هو على أطفالهما، وتوجه المعنِّف نحو التمحور على النفس ولوم الضحية عادةً ما يؤدي لاختفاء ندمه مع الوقت.

استعراضُ المعنِّف مشاعره في حالات التعنيف الأولية يمكن أن يصل لدرجاتٍ درامية: مرَّ عليّ عملاء بكوا، وتوسلوا شريكاتهم للمسامحة، وقالوا: «أنت تستحقين أفضل من ذلك، لا أعلم حتى لم أنت في علاقةٍ مع وقحٍ مثلي». وقد يعطي نمطه هذا انطباعًا بأنه يبحثُ عن قربٍ وحميمية حقيقية، خصوصًا إن لم تريه بهذا الحزن من قبل. ولكن في يومٍ أو اثنين إحساسه بالذنب سينتهي، حيث سيُبيده اختلاق الأعذار، وأثر الحادثة على النساء المعنَّفات يبقى لوقتٍ أطول بالطبع، وسرعان ما يبدأ بمهاجمتها لفظيًا: «أما زلتِ عالقةً فيما حدث؟ يا للهول، لا تستغرقي فيها! فلنرمي الماضي إلى الوراء ونتجاوز هذه الأمور»، ونظرته هي: «أنا تجاوزت ما حدث، فلم لم تتجاوزه؟».

إن الندم الصادق والاستعراض الدرامي لا يستبعدان بعضهما البعض، فأغلبُ المعنِّفين نادمون حقًا – وإن كان ذلك لأجل أنفسهم – ولكنهم يبالغون في استعراضِ مشاعرهم لكسب بعض التعاطف، فهذا الندم الدرامي لدى الرجل يضعه محلّ التركيز، فقد تنسى شريكته تنمّره السابق بغرقها في التعاطف مع ندمه وتأنيبه لنفسه، وقد تجد نفسها فجأة تطمئنه بأنها لن تتركه، وأنها ما تزال تحبه، وأنها لا تعتقد أنه شخصٌ فظيع، وإن كان لديهما أطفال، فقد تجد نفسها تتستر على ما فعله أو تبرره حتى لا يلومونه، لأنها لأحاسيسه السيئة أن تزداد، وهو بالتالي يحصد اهتمامًا مريحًا كمكافأة لتعنيفه، وأثرُ أفعاله هو إبقاء الأسرة مركِّزةً على حاجاته.

يميل الندم للانخفاض مع تراكم حالات التعنيف، وجانب الصِّدق في ندمه يخفت مع اعتيادِ الرجل المعنِّف على التصرف بشكلٍ معنِّف وتجاهل مشاعر شريكتهِ المجروحة، والجانب الدرامي يخفت مع ثقته بأن العلاقة لن تنتهي، وأنها الآن واقعةً تمامًا تحت سيطرته ولن تتركه.

لكن النقطة الأبرز حول الندم هو أنّه ليس من المهم ما إذا كان صادقًا أم لا. فنسبة تغيّر العملاء الذين يشعرون بالندم الشديد بعد أفعال التعنيفِ لا تختلف عن أولئك الذين لا يشعرون به، فأكثرُهم ندمًا هم أحيانًا أكثرهم تمحورًا حول النفس، فهم معتادو الندب على الضرر الذي ألحقوه بصورتهم لنفسهم، ويشعرون بالخجل من تصرفهم كالمستبد القاسي، ويودون العودة بسرعة إلى دور المستبد العادل، كما لو أن ذلك يجعل منهم أناسًا أفضل.

إن كان الإحساس بالندم بعد حادثة كهذه لا يساعد على التغيير، فماذا يساعد؟

الخطوات التالية يمكن أن تحول دون وقوع حادثةٍ أخرى، بطريقةٍ لا تفعلها الاعتذارات:

  • إعطاؤكِ مساحةً أوسع لتغضبي مما فعله، بدل إخبارك بأنك غاضبةٌ أطول مما ينبغي أو محاولًا إكراهك على كتم غضبك.
  • الاستماع إلى منظوركِ دون المقاطعة أو اختلاق الأعذار أو إلقاء اللوم عليك.
  • التعويض عن أي شيءٍ فعله، مثلًا: إعادة ما رماه إلى مكانه، الإقرار للأصدقاء بأنه كذب عنك، أو إخبار الأطفال أن سلوكه غير مقبول وأن الخطأ ليس خطأكِ.
  • الموافقة غير المشروطة بالتغيير الفوري لسلوكه.
  • البحث عن المساعدة في كيفية إجراء هذا التغيير دون أن تحتاجي لتضغطي عليه ليفعل ذلك.

إن كان مستعدًا لأخذ كل هذه الخطوات بعد حادثة سوء معاملة – ونفذها حقًا – فمن المحتمل أن التعنيف ليس سمةً عميقةً فيه، ولكن، دون أفعالٍ صريحةٍ واضحة، سيعود التعنيف.

  • اتخذي خطواتٍ حمائية بسرعة.

تتخذ الكثير من النساء موقف «سأنتظر وأرى» حين تظهر علاماتُ التعنيف في سلوك المعنِّف، فيخبرن أنفسهن: «من الصعب أن أتركه الآن لأني ما زلت أحبُّه. لكن إن ازداد سوءًا، فسيقل حبي له، والانفصال معه سيكون أسهل»، وهذا فخٌ خطير، فكلما ازداد الوقت الذي تقضينه مع المعنِّف، وكلّما ازداد آذاه، صَعُبت محاولتك تخليص نفسك منه، وذلك للتالي:

مع الوقت، سيزداد طعنه في احترامِك لنفسك، وسيصعب عليك الاعتقاد بأنك تستحقين معاملةً أفضل.

مع ازدياد الوقت الذي لديه لإيذائك عاطفيًا، ستنخفض طاقتك وقدرتك على المبادرة، حتى يصعب عليك التحلي بالقوة اللازمة لتركه.

كلما ازدادت أذيَّتهُ لعلاقاتك مع أصدقائك وأسرتك، قلَّ الدعم المتوفر لديك لعملية تركِه الصعبة.

كلما طال عيشُكِ مع الدورة المتقطعة لتعنيفه من جهة وتعامله المحبّ اللطيف من جهة أخرى، ازداد شعوركِ بالارتباط به، عبر عمليةٍ معروفة بـسمى الترابط الصادم (أنظري الفصل 9).

ولكل هذه الأسباب، من الأفضل أن تسارعي في التحرك. وفي الوقت نفسه، حتى لو كنتِ في علاقةٍ مع معنِّفٍ استمرت خمس أو عشر أو ثلاثين سنة، فاستعادتكِ حقوقك وحصولك على حريتك ليس غير مقدورٍ عليه، فالمساعدة متوفرة إليك مهما طالت علاقتك ومهما تعمَّقت آثارها (أنظري قسم «موارد»).

تنبيهٌ أخير: إن لم يكن لديكِ أطفالٌ مع شريكِك المعنِّف، لا تغيري ذلك، فبعض النساء تأملن أن إدخال طفلٍ في هذه العلاقة يمكن أن يؤدي لتغيير المعنِّف سلوكه، لكن ذلك غير ممكن، فلن يجعله يستقر أو يصبح أكثر مسؤولية أو تعقُّلًا، ولن تتوقف اتهاماته الغيورة أو تقنعه بأنك مخلصة له، ولن يمنعه ذلك من خيانتك، ووجود الأطفال في المنزل لن يوقف تعنيفه لك، فالولادة مع رجلٍ معنِّف لن تزيد حياتكِ إلا توترًا، فالآن ستقلقين من آثار سلوكه على أطفالك أيضًا، ولو قررت لاحقًا أنكِ تودين تركه، فوجود الأطفال سيعسِّر ذلك الخيار ويتيح إمكانية تهديده بأخذ الحضانة عليهم (أنظري الفصل 10)، فلم ألاقي أي حالةٍ حيث الولادة حلت مشكلة امرأة مع رجلٍ معنف، أو حتى خففتها.

خلاصة

  • يمكنك ملاحظة إشارات التحذير الأولية إن كنت تعرفين ما يجب التيقّظ له.
  • إن كانت إشارات التحذير حاضرة، تصرفي بسرعة إما بفرض الحدود أو للخروج من العلاقة، فكلما تزداد علاقتك عمقًا مع المعنف، عسُر خروجك منها.
  • أنت لستِ سبب انزلاق شريككِ إلى التعنيف، ولا يمكنك إيقافُ ذلك باكتشاف ما يزعجه وتحسين قدرتك على تلبية حاجاته، فالاستياء العاطفي والحاجات غير الملبّاه لا علاقة بهما بالتعنيف.
  • بعضُ السلوكيات والمواقف تعرّف للتعنيف، مثل السخرية من شكواك من سوء المعاملة، والتخويف الجسدي، والاعتداء الجنسي، فإن كانت هذه الأمور حاضرة، فالتعنيف قد ابتدأ فعلًا.
  • ليست النساء المعنَّفات «متعلِّقات مرضيًا» (codependent)، بل المعنِّفون، لا شريكاتهم، هم من يخلقون العلاقات التعنيفية.
  • اتصلي على خطٍ ساخن للدعم، أو استخدمي أحد الموارد المدونة في آخر الكتاب حالما تتساءلين حول التعنيف. لا تنتظري حتى تكوني متأكدة.

العودة إلى قائمة المحتويات:​

كتاب: نظرة داخل عقول الرجال المتحكِّمين والمعنِّفين

Skip to content