العنصرية في تونس: بين إصلاح القانون وجمود الواقع

أكثر من عشر سنوات تمر الآن على تاريخ ثورة 14 جانفي/ يناير، فتحت تلك الثورة الباب على مصراعيه أمام حرية التعبير وتعدد الآراء بعد أن كانت سردية النظام هي السردية الوحيدة، الرسمية والمتداولة في تونس، وفتحت معها عديد الملفات والقضايا التي كانت من المسكوت عنها في تونس، ولعلّ إحدى أهم تلك القضايا هي قضية العنصرية. التي باتت تعتبر قضية مهمة ومحوريّة في آن واحد؛ مهمة لاعتبار أنها تمثل عائقًا أمام مسار مدنية الدولة بشكل كلي، ومحوريّة من جهة أخرى باعتبار أنّها قضية يقع إنكارها وطمسها بشدّة، ما يؤدي إلى مزيد التواطؤ مع البنى القمعية. تحاول هذه المقالة تفكيك راهن العنصرية في تونس لا فقط كمعطى بيولوجي أو عرقي فقط، وإنما أيضًا في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. تلك الأبعاد التي خلقت نوعًا من الميكانزيمات والتي عكست بدورها نهج تعامل الدولة مع قضية العنصرية.

تونس والإرث العنصري

مثلما أنّ للعنصرية إرث وتاريخ في تونس، فإن مناهضة العنصرية ومكافحتها لها تاريخها أيضًا، تُعرف تونس بأنّها أوّل بلد إسلامي وعربي يقوم بإلغاء العبوديّة سنة 1846 خلال حكم أحمد باي، حين قام بإلغاء الرق وعتق العبيد بشكل نهائي بتزكية من جامع الزيتونة، وقد قاد هذا الوعي الإصلاحي في القرن 19 إلى كتابة الدستور وتحقيق بعض المكاسب التحديثية، وكثيرًا ما تقديم تونس وتصويرها على أنها نموذج مثالي واستثنائي للحداثة والمدنيّة في العالم العربيّ منذ القرن 19 إلى عهد بورقيبة ومشروعه التنويري والحداثي، ولكن رغم مرور عقود من إلغاء الرقّ والعبودية، ما زالت رواسب العنصريّة متفشيّة في أوساط المجتمع وتهدد بتمزيق نسيج المجتمع التونسي على أساس العرق ولون البشرة. فالمشروع التحديثي التي بشّرت به دولة الاستقلال فشل فشلًا ذريعًا على المستوى التنوع الديمغرافي والسوسيو-ثقافي حيث مازال الاضطهاد على أسس دينية راسخًا (مثل اليهود) أو على أساس اللون (مثل السود)، وهو ما أدى بعد سنوات في عدم إدماج السود في الحركيّة الاجتماعية والتنموية، حيث بقي السود منتشرين في مناطق بعينها في الجنوب الشرقي. ولكن رغم المحاولات المحتشمة التي قادتها حكومات ما بعد الاستقلال في التحديث، إلّا أن بعض التشريعات قامت بخطوات هامة إذ تواصل نهجها التحديثي ليشمل مناهضة العنصرية، حيث أقرّ مجلس النواب سنة 2018 تجريمًا للتمييز العنصري بمختلف أشكاله، ويقصد بالتمييز العنصري وفق هذا القانون الذي يحمل رقم 11/2018 «كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو النسب أو غيره من أشكال التمييز العنصري».

ووفقا للقانون الجديد يعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبغرامة مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار (ألف دولار) كل من يحرض على العنف والكراهية والتفرقة والتمييز العنصري، وكل من ينشر أفكارًا قائمة على التمييز العنصري أو «تكوين مجموعة أو تنظيم يؤيد بصفة واضحة ومتكررة التمييز العنصري أو الانتماء إليه أو المشاركة فيه».

ذهنيّات وأساطير

تمثل الذهنيات التقليدية حجر الأساس في السرديات المؤسسة للعنصرية حيث يساهم المخيال الجمعي في خلق شرخ مجتمعي وثقافي ولغوي ضد السود، فنجد رواسب للتمييز العنصري في تفاصيل بسيطة في المستوى الشعبي حيث تحفل الألقاب في الجنوب الشرقي بعديد الأسماء والمدلولات التي تحيل وتشير إلى العنصرية مثل «عتيق» أي أنه عبد سابق ووقع عتقه، ويحمل العتيق لقب مالكه السابق بما يجعل ذلك يساهم في خلق نوع مخفف من استمرارية للعبودية يقع توريثه جيلًا بعد جيل، أو «شوشان» وتعني الخادم الأسود، أو «عبيد» أو «وصيف» وهي تحقير لذوي البشرة السوداء، أو «كحلوش» أي أكحل اللون، وقد لجأ العديد من السود إلى تغيير ألقابهم التي تحتوي على دلالات عنصرية ولكن القانون يمثل عقبة أمامهم، إذ ينص القانون رقم 20 للعام 1964 المؤرخ في 28 ماي عام 1964، أن «لكل تونسي الحق في طلب استبدال اسمه بمقتضى أمر من رئيس الجمهورية بناء على طلب يقدم إلى وزارة العدل، إذا لم يكن اسمه عربيًا أو أمازيغيًا، أو أن معنى اسمه، أو النطق به، يعد محل التباس أو سخرية، أو يتشارك الاسم نفسه مع أحد إخوته». في المقابل، نص القانون أنه «لا يمكن لأي شخص تغيير لقب عائلته، عدا أولئك الذين اكتسبوا الجنسية التونسية، ويجوز لهم طلب الإذن لاستبداله». وهذا ما مثّل صعوبة في تغيير الألقاب التي تحتوي إشارات ومدلولات مستوحاة من الإرث العنصري.

بالإضافة إلى ذلك، تترسخ في الوعي الجمعي تفاضلية وعلوية عنصرية، إذ يرى العديد علوية الأبيض على الأسود، حيث يستندون الى معتقدات عفا عنها الزمن مثل أنّ السود أصحاب طالع سيء وعُرِفَ عنهم العنف والكراهية، وأنّ الأسود مجعول للأعمال الشاقّة عكس الأبيض، الأمر الذي ساهم في إقصاء السود من المهن والوظائف العليا وتغيبهم في المشهد الرسمي في تاريخ الدولة الحديثة، باستثناء كمال دقيش الذي يشغل منصب وزير الرياضة والشباب والإدماج المهني منذ ثلاثة أشهر في حكومة هشام المشيشي.

زد على ما سبق، فقد تكوّن إحساس مشترك لديهم بأن العنصرية ليست شأنًا شاذًا وممارسة تأتيها عناصر «متخلّفة»، «قليلة الوعي» كما يحلو للخطاب الرسمي والسائد ترويجه. فالأمر يبلغ حدّ الممارسة الرسمية الثابتة في الزمن التي تحوّلت إلى خطاب مُؤَسّسٍ تنتج عنه تصورات قبلية محقّرة من شأن السّود وتشرّع للكل أشكال إقصاءهم، على حدّ عبارة الباحث أمين الواعر.

مساواة قانونية، مساواة اجتماعية

رغم أنّ الدستور أقرّ بتجريم التمييز العنصري، إلّا أنّ الأمر بقي حبر على ورق، حيث أنّ المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات التي أقرت بشكل قانوني لم ترتقي للفعل الاجتماعي حتى نجد لها تجسيدًا في الحياة اليومية، بل بقيت مجرد حبر على ورق، ولم تضع السلطة تشريعاتها قيد التنفيذ، ما يجعلنا إزاء نوع من التضارب بين مساواة قانونية وغياب مساواة اجتماعية، يصفه الباحث في القانون والناشط في المجتمع المدني مازن كرشيد للمفكرة، إنّ القانون يأتي ليسوّي انحرافات خلقها الواقع، مثل الميز العنصري في وضعيّة الحال. الاّ انّ القانون لوحده، كنصّ، قاصر على أن يحقّق المؤدّى من إصداره، لذلك فهو يحتاج الى آليات عمليّة تنزله على أرض الواقع وتجعله ملزمًا. ولا يخفى على احد، أنّ المشرّع أصدر عديد القوانين التي لم تحقّق فعليًّا النتائج المرجوّة منها، لعدم رصد الوسائل اللازمة لذلك، وفيما يهمنا القوانين التي تكرّس المساواة، انطلاقًا من الأمر العلي المتعلّق بإلغاء الرقّ، مرورًا بعهد الأمان ودستور 1968 ودستور 1959، وصولًا الى دستور 2014 والقانون الأساسي المتعلق بمناهضة الميز العنصري الصادر في سنة 2018، يضاف إليها مختلف المعاهدات الدولية والقوانين والأوامر والإجراءات التي تتنزّل في إطار إرساء دعائم الدولة المدنية ودولة القانون كشعارات كبرى رفعتها منظومة ما بعد الاستقلال.

إذن فجلّ هذه النصوص، علاوة عن انّها جائت مسقطة بهدف إثراء الترسانة التشريعية ومواءمتها مع التعهّدات الدوليّة، لم تحظى بالاهتمام الكافي للاشتغال عليها اجتماعيّا، ضرورة أنّ التمييز العنصري، ومن ورائه العبوديّة، هي ظواهر وليدة سياقات اجتماعيّة أنتجتها نمط اقتصادي وعلاقات انتاج محدّدة، وأنّ السلطة المركزيّة، سواء قبل الاستقلال أو بعده، لم تعمل على إحداث تغييرات جوهريّة في هذه الأنماط أو هذه العلاقات، واكتفت باحتوائها أمّا على أساس سرديّات دينيّة بالنسبة للبايات، أو بسردية وحدة الدولة الوطنية بعد الاستقلال.

يضيف كرشيد: كلّ هذا يتمظهر اليوم في عدّة رواسب لا تزال ظاهرة للعموم، لعلّ ابرزها عدم انخراط السود في الفعل السياسي والمدني، بقائهم في نفس المواقع وعدم ارتقائهم في المصعد الاجتماعي، ضعف نسبة التمدرس سابقًا ونسبة الشهائد العلمية حاليًّا، امتهانهم للحرف والمهن الجسديّة الشاقة، وعدم امتلاكهم للعقارات ولوسائل الإنتاج.

ضمور السرديات الكبرى

رغم ما بشّرت به دولة ما بعد الإستقلال بسردية تحديثية ودولة الرعاية الاجتماعية تحت عنوان «مشروع الدولة الوطنية» إلّا أنّ مشروعها أجهض مبكرًا، حيث تحول مشروع الدولة الوطنية إلى آلة قمعية ودولة سلطوية ذات بعد واحد، كرّست للمحسوبية و للتفاوت والتمييز، وكانت العنصرية إحدى تجليات هذا التمشّي، حيث لم يقع في تاريخ تونس تمثيل أصحاب البشرة السوداء في المشهد السياسي إلا في استثناءات قليلة، أما السردية الثانية التي ترنوا نحو الفشل الأن هي سردية «الاستثناء التونسي» حيث رغم أنّ شعارها الأساسي هو الذي رفع في الثورة «شغل، حرية، كرامة وطنية» إلّا أنّها لم تعكس تطلعات وانتظارات كرامة أصحاب البشرة السوداء، حيث بقيت العنصرية متفشية، وتواصل تهميشهم من خلال تغييب قضية أصحاب البشرة السوداء في الإعلام وفي البرامج السياسية، ما ساهم في مزيد تقويض وطمس قضية العنصرية.

على ضوء هذه المعطيات، نجد أنّ التشريعات القانونية ومشروع الدولة الوطنية والثورة لم يكونوا كفيلين بذلك، أي بمناهضة الميز العنصري، ما يجعلنا إزاء فجوة بين النظري والتطبيقي، أي بين تشريعات قانونية لم تطبق، وواقع لا يتفاعل معها، ما يجعل من مسؤولية الحراك الحقوقي في تونس القيام بمزيد الحملات التحسيسية والتوصيات من أجل تفتيت وطمس الميز العنصري، بالإضافة إلى ذلك، فيتوجب على الحراك الحقوقي تحويل النضال من الفضاء الخاص نحو الفضاء العام، أي تجسيد مناهضة العنصرية من خلال سلوكيات يومية تهدف إلى اجتثاث الإرث العنصري في مختلف مستوياته، سلوكيًا، لغويًا واجتماعيًا وهذا ما يساهم في تفعيل النصوص القانونية، وأن تجد صدى على مستوى شعبي.

جغرافيا، سياسة، عنصرية

تمثل الخريطة الجغرافية انعكاسًا للواقع السياسي وما يعنيه ذلك من ترجمة لواقع التنمية والتفاوت الاجتماعي بين مختلف المدن، فالمناطق التي يتواجد بها أغلب السود في تونس هي محافظات الجنوب الشرقي في تونس (قابس، مدنين، تطاوين) ومحافظات الجنوب الغربي (توزر، قبلي) وهي محافظات ترتفع فيها نسب الفقر مقابل محافظات الشمال. وتعود جذور هذا التفاوت إلى فترة ما قبل الاستقلال حيث أنّ الشمال كان دوما قريبًا من مركز السلطة عكس الجنوب، ما سهّل عملية إدماج مناطق الشمال في الاقتصاد الرسمي وجعل الجنوب خارج دائرة الاقتصاد، وتواصل هذا الواقع حتى في فترة الإستعمار الفرنسي (1881- 1956) حيث صنفت منطقة عسكرية، بالإضافة إلى أن سياقات إلغاء الرق في تونس كانت سياقات دولية لا سياقات اجتماعية داخلية، وعلى أسس دينية لا أسس إنسانية ومدنية، جعل من نص إلقاء الرق والعبودية مجرد أمر لا صدى له في الواقع، حيث استمرت النظرة الدونية للسود حتى بعد مرحلة الاستقلال، ويعود هذا الى الصراع السياسي الذي كان بين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف، حيث ينحدر الحبيب بورقيبة الرئيس الأول لتونس من جهة الساحل، فيما ينحدر معارضه صالح بن يوسف إلى الجنوب الذي يمثل معقل أنصاره، الأمر الذي أدى إلى دفع هذه المناطق ضريبة الصراع عن طريق تغييبها في خريطة الاستثمار والتنمية،

واستمر هذا الصراع مع بن علي (من جهة الساحل) حيث اعتبر أن الجنوب محسوب على الإسلام السياسي ليستمر التهميش فيه، وما أدى ذلك إلى مزيد تكريس العنصرية الموجهة ضد السود، هذا التفاوت والتمايز بين الجهتين على مستوى التنموي، خلق فجوة اجتماعية بين الجنوب والساحل، بالإضافة إلى هذا التمييز الجغرافي والجهوي، هنالك تمييز داخل المنطقة نفسها التي وجدت العوامل السياسية والجغرافية والاقتصادية ملائمة لخلق مناخ للعنصرية، إذ أصبح يعاني السود في الجنوب نوعٍ مختلف من التمييز؛ حيث يتوارثون حتى يومنا هذا موقعهم كعبيدٍ في الهرم الاجتماعي، وبالتالي تمارس عليهم كل أشكال التمييز: الاجتماعي والاقتصادي والمهني.

ورغم محاولة بعض القوى اليسارية والتقدمية التأكيد على قضية العنصرية و إيلائها أهمية إلّا أن محاولتهم لم تجد صدى يذكر لضعف وزنهم سياسيًا، وأمام مشهد سياسي مليء بالشعبوية ويتسم بالابتعاد عن طرح البدائل العقلانية والفعلية، بقي الحديث عن العنصرية مجرد حديث مناسبتيّ، ومحاولات سرد عن دور الدولة في مكافحتها، رغم عجز الدولة في هذا الملف.

النساء؛ الحلقة الأضعف

تشكل مشكلة النساء ذات البشرة السوداء مشكلة بنيوية، لازدواجية الأثر الاضطهادي، ما يجعل من المرأة السوداء الحلقة الأضعف في الصراع ضدّ البنى العنصرية. تروي خولة كسيكسي، وهي ناشطة وقانونية تونسية للمفكرة القانونية، ما يحدث معها يوميًا من هرسلة وكراهية إذ تقول: «في شتى مجالات الحياة لا ينظر إليّ كقيمة إنسانية علمية قادرة على الابداع والابتكار بل يقع اختزالي في ذلك الرداء المظلم الذي لابد أن تكون في تبعية لامرأة بيضاء تقودها. نتعرض يوميًا لمعاناة نفسية حادة من قبل الغير ولو لا العزيمة والإصرار لدى البعض لوقعوا جميعًا في القاع ولم نستطع النهوض والأمثلة على ذلك كثيرة، يمكن أن نقارن نسب البطالة بين المرأة البيضاء والسوداء اللتان يتشاركان نفس المستوى العلمي والبحثي والأكاديمي».

تتابع كسيكسي سرد الظلم المسلط على المرأة السوداء قائلة: «نحن نعاني من الظلم المسلط علينا كنساء من جهة، وسوداوات من جهة أخرى، كامرأة مثلًا أناضل ضد الصورة النمطية التي تروجها بعض النسويات البيض مثل صورة المرأة المساندة للرجل وحليفته، ولكن بسبب أنني امرأة سوداء فقد أمثّل تلوثًا لتلك الصورة الناصعة التي رسموها ويقع اختزال في مجرد تابعة للرجل وأسير وراءه، إما من جهة أخرى فأنا أتعرض لظلم كامرأة سوداء حيث تعرضت الى معاناة اقتصادية واجتماعية تباعًا لأن اللون الأسود غير محبوب حتى ولو اتسمت بالتفوق واستشعرت ذلك من خلال عدة خطط وظيفية تقدمت لها ولكن لم أنل الأولوية بسبب اللون».

وتضيف: «العنصرية في النهاية مسؤولية السود، إن لم ننفض الغبار نحن عن أنفسنا فلن يستشعر قدر معاناتنا أحد، حيث إن لم نثبت وجودنا ستراهم يطمسون نجاحنا بتلفيقه ونسبه لأنفسهم».

انتهت العبودية، ما زالت العنصرية

لا توجد تعبيرة تترجم واقع السود في تونس أفضل من شعار رفعته إحدى الناشطات السوداوات في مسيرة مناهضة العنصرية في تونس حين كتب على لافتة رفعتها «انتهت العبودية، ما زالت العنصرية» فرغم ما يقع تسويقه أمام المجتمع الدولي والجهات الأجنبية بأنّه لا توجد عنصرية في تونس، إن الواقع مجانب لذلك، حيث ما زالت العنصرية متفشية وتهدد بتمزيق النسيج المجتمعي في أي لحظة. وبغياب بدائل واقعية وتعليم تنويري ستبقى العنصرية تمثل حجرة أمام استكمال مشروع المواطنة ومدنية الدولة.

الجانب المشرق في موضوع العنصرية انها لم تعد مغيّبة مثل السابق، أقلّه قبل ثورة 14 جانفي، وتطوّر الوعي بالسؤال عن مسألة العنصرية، ولكنّ ذلك لا يكفي بعد. 

قصارى القول، يمثل الصراع ضد العنصرية وجها من أوجه الصراع ضد التفاوت الاجتماعي، وتتويجًا لمشروع الدولة المدنية التي شهدت انتكاسة كبيرة خلال السنوات الماضية، بما يعنيه ذلك من تكريس للمساواة التامة، لا مواطنين من درجة أولى ومواطنين من درجة ثانية، وإلى ذلك تفعيل أهم مبدأ من مبادئ الثورة وهي المواطنة بعيدًا على أي اعتبارات جنسية أو سياسية أو عرقية، مما يقرّظ مشروع تونس الثائرة التي وقع استئنافه منذ سنة 2011، بالإضافة إلى فتح مساحات للنقاش والجدل حول واقع العنصرية وتطوير المنظومة التعليمية والتربوية عن طريق مناهج دراسية تعمّق وتقرّظ البعد الوعي الإفريقي لتونس، ما يساهم في خلق جيل تنويري لا يساهم في إعادة إنتاج البنى الإضطهادية.

هذا المقال جزء من منشور  «جدل تاريخي: الدولة وعناصرها».

afac

Skip to content